فالح حسون الدراجي
كلما يقترب (رأس الشهر)، يتعكر مزاجي كثيراً، وتداهمني الكآبة وسوء الحال، فأشعر بالإضطراب، وتوتر الأعصاب، والغضب لأتفه الأسباب، بحيث تصبح العلاقة معي لا تطاق.
وبطبيعة الحال، فإن أغلب زملائي في الجريدة والوكالة لا يعرفون أسباب هذا التغيير المفاجئ الذي يطرأ على سلوكي وتصرفي كلما يدنو رأس الشهر، فتأخذهم بسبب ذلك، الدهشة والحيرة، وربما يناقشون بعضهم في هذه المشكلة، وقد يتوصلون الى أن (زميلهم) قد يكون مريضاً، يعاني من مشكلة سايكولوجية، تبدأ قبل رأس الشهر بيومين، وتنتهي بعد رأس الشهر بيومين.
ومشكلتي مع رأس الشهر تتعلق برواتب ثلاثين زميلاً من المحررين والعاملين، فضلاً عن الإيجارات، وأجور المطبعة، والكهرباء والانترنت، والمراسلين، ومصرف البيت، ومصارف أخرى ليس ضرورياً ذكرها هنا!
وهذه كلها تكلفني حوالي ثلاثين ألف دولار لا أكثر .
لكني توقفت أمس طويلاً، وتذكرت بتعاطف شديد، رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، الذي لديه سبعة ملايين موظف ومتقاعد، حيث يفترض به ان يوفر لهم رواتب شهرية تقدر ( بكذا ترليون) دينار عراقي )!
تذكرت الرجل حين كان يختنق كل رأس شهر، وليس يتوتر أو يغضب فحسب، لاسيما حين يخبره المختصون أن موعد توزيع الرواتب غداً والخزينة
خاوية، أو نصف فارغة !
اليوم، وبعد انتعاش سوق النفط، وبعد قراراته القيصرية الجريئة، لم يعد الرئيس الكاظمي يحتار، أو يختنق كما كان قبل ثلاثة أشهر، فالرواتب متوفرة الان بشكل تام بل وأن حجم الإحتياطي النقدي العراقي ازداد أيضا بنسبة جيدة وأصبحت هذه المشكلة من الماضي !
ولكن، هل (برد) رأس الكاظمي اليوم، وهل زالت ” الدوخة” التي كانت تعشش ألماً في صدغَيه، كلما دنا رأس الشهر، واقترب موعد الرواتب؟
الجواب:
كلا، وكلا، فلدى الكاظمي، ألف مشكلة، غير مشكلة توفير الرواتب، وكما يقول أهلنا: (بيه ما يكفيه)!
الوضع الأمني الذي لم يستقر يوماً بشكل مطلق، بدءاً من عودة أنشطة عصابات داعش – بالمناسبة هي عودة دولية متنوعة، ولا تخص العراق فقط -، فضلاً عن حروب العشائر التي باتت اليوم أخطر من حروب الدول الكبرى !
أما (طلايب وبلاوي الكاتيوشا)، فحدث بلا حرج، وهي ليست مزعجة للكاظمي وحده، إنما باتت مزعجة للعراقيين جميعاً بما في ذلك (أصدقاء) مطلقيها!
وثمة مشكلة أخرى لا تسبب للكاظمي الصداع الاعتيادي فحسب، إنما تسبب له (الصداع النصفي) إذا صح التعبير، وأقصد به، الفساد، ومحاربة الفاسدين، واعتقال الحيتان الكبيرة، فالرجل اعطى عهداً ووعداً للعراقيين باعتقال كبار الفساد- يعني الحيتان مو الزوري- فأسس لجنة مكافحة الفساد برئاسة الفريق الحقوقي أحمد أبو رغيف، فتعالت الصيحات من كل حدب وصوب، وكلها تتنبأ بعكس ما يجري اليوم، أي أن هذه اللجنة ستأتي بصغار الفاسدين!
ولكن، ما أن ( اشتغل) أبو رغيف، وبدأ (يسحل) بالرؤوس، و (الصماخات) الفاسدة الكبيرة، حتى ارتفع الصراخ و(العياط) مرة أخرى، ولكن هذه المرة طلباً بإطلاق سراح المعتقلين الفاسدين وليس العكس!
فاحتار الرجل ما بين رغبة السياسيين الوطنيين والشارع الشعبي، ونداءات المحتجين ومتظاهري تشرين، والنواب والاعلام، وقبل ذلك، رغبة المرجعية الدينية في النجف، باعتقال حيتان الفساد، يقابل ذاك، ضغوط القادة السياسيين، وإعلامهم، وجيوش الفاسدين الالكترونية، والقنوات المعروفة بعدائها للعراق وشعب العراق وخيارات العراقيين المستقلة.
اليوم – وبعد اصطياد الحيتان الفاسدة بشبكة ابو رغيف – تشتد الحملة على الكاظمي، وتشتد الضغوط، والوساطات حتى أن أحدهم ذهب الى ملك الاردن ( يوسطه ) لإطلاق سراح حوت فاسد، كبير، بل كبير جداً !
أظن أن هذه الأوجاع الكثيرة والكبيرة تكفي لتدمير أي رأس – وليس تصديعه فقط – ناهيك من مصيبة كورونا، التي تحتاج وحدها الى (رئيس) خاص يحمل كوارثها، فهي بحق مصيبة المصائب !
لذلك، وبعد أن استجمعت مشاكل الكاظمي التي لا تعد ولا تحصى، وما يعانيه الرجل، قررت التعاطف معه أولاً، فهو رئيس العراق، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه، كما قررت شخصياً وبعد ما رأيت عذاباته وكوارثه، التوقف عن الغضب والاضطراب والعصبية في كل رأس الشهر، فمشكلتي تعتبر ” خردة “، قياساً الى خزينة الكاظمي المزدحمة بالمشاكل الفخمة والكبيرة.