سمير داود حنوش
في أيام ذلك الزمن الجميل حيث لم يكن العالم قد أصبح قرية صغيرة بعد، عندما كانت السذاجة والبراءة تطغى على عقول البشرية كانت الأخبار والمعلومات والأحداث تتناهى إلى مسامعنا ونشاهدها عبر صندوق صغير كان قابعاً في إحدى غرف المنزل يسمى (التلفزيون).. كان هذا الصندوق ينقل لنا مايدور من أحداث وأخبار وبيانات (طبعاً بعد أن تمر هذه الأخبار من تحت رقيب المقص الحكومي).
كنا نشاهد ونسمع المذيع بصوته الأجش ونبرته الحادة وهو يقرأ البيان الحكومي ونترقب الخطاب الذي سيُلقيه الرئيس وكلنا خوف وقلق من أن يكون هذا الخطاب إعلان حرب أو أي نزوة للقائد، وعلى العموم كانت الأخبار والمعلومات التي تصل إلى الرأي العام مُقنّنة ومحدودة تتحكم بها بوابات التحكم الحكومي.
في زمننا الحاضر وبعد تطور وسائل الإتصال الجماهيري تغير كُل شيء وأصبحت الرسائل الإعلامية تصل الى الرأي العام مباشرة وبكل سهولة وربما دون أي رقيب ولاتمنعها أية حدود فبمجرد كبسة زر ستجعلك تطلع على مجريات الأمور والأحداث في العالم وأصبحت ماتسمى قنوات التواصل الإجتماعي وسائل مهمة لإيصال المعلومات الى الحشود البشرية المتلهفة لتلقّي المعلومة والخبر وأصبحت (التغريدة) هي الوسيلة البديلة للبيان الذي كان يُقرأ في التلفزيون فأصبح من البديهي أن نشاهد ونسمع ونقرأ الكثير من التغريدات لقادة سياسيين ورجال دين ودولة وحتى للفنانين والراقصات.
في وقتنا الحاضر كثرت التغريدات والمغردين وأصبح الجميع يُغرد، ولا أدري من أين أًشتُقت كلمة (تغريدة)، ومن إخترعها، ولماذا الإصرار على تسميتها تغريدة وكيف جاؤوا بهذه المفردة البريئة والجميلة ووضعوا لها (logo) عبارة عن صورة طائر صغير بريء مع العلم أن هناك تغريدات أنتجت حروب وكوارث، والأهم لماذا نطلق صفة تغريدة لهلوسة قاتل أو مهووس أو متعطش للدماء قد يتفوه بحماقات أو عبارات لتأجيج الرأي العام؟.
أيُها السادة لماذا لانعترف أن عالمنا السابق كان جميلاً ورائعاً وبريئاً بالرغم من أنه لم يكن قرية صغيرة، لماذا أصبحت تغريدة البعض تتحكم بنا وبمصائرنا وجعلتنا نفقد قدرة التحكم بمشاعرنا وأفكارنا وتقودنا إلى حيث لانُريد.
العالم أصبح صغيراً..نعم..وربما إمتلئت أفكارنا بالتغريدات لكن العقل والمنطق يقول أننا نعيش في زمن الفوضى والإنفلات والتخبط.. ولازلت أسأل لماذا تسمى (تغريدة)؟.