بقلم انطوان لامبروسكيني
كشفت روسيا النقاب الجمعة عن ردّها على العقوبات الأميركية الجديدة، عبر اتخاذها قرارات شملت طرد دبلوماسيين وحظر دخول مسؤولين أميركيين كبار إلى أراضيها، وذلك رغم تشديدها على أنها منفتحة على فكرة عقد قمة بين الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن.
ويأتي تبادل فرض العقوبات في وقت واصلت العلاقات بين الخصمين الجيوسياسيين تدهورها على خلفية اتهامات الولايات المتحدة لروسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020 والتجسس وتنفيذ هجمات إلكترونية.
وأعلنت واشنطن الخميس سلسة عقوبات تستهدف روسيا، تشمل طرد عشرة دبلوماسيين روس وحظرا على البنوك الأميركية لشراء ديون مباشرة صادرة عن هذا البلد بعد 14 حزيران/يونيو.
وجاء ردّ موسكو سريعا إذ أعلن وزير خارجيتها سيرغي لافروف الجمعة قرار بلاده طرد عشرة دبلوماسيين أميركيين وفرض قيود مختلفة من شأنها أن تعرقل عمل البعثات الدبلوماسية الأميركية في روسيا، فضلاً عن حظر المؤسسات الأميركية والمنظمات غير الحكومية على أراضيها بسبب “تدخلها العلني” في السياسة الروسية الداخلية.
كما أنّ العديد من أعضاء إدارة بايدن لن يُسمح لهم بعد الآن بدخول روسيا، وهم وزراء العدل والأمن الداخلي ومستشارة السياسة الداخلية إلى جانب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ومديرة المخابرات.
كما أشار لافروف إلى أن كبير مساعدي الرئيس الروسي في مجال السياسة الخارجية يوري أوشاكوف نصح بأن يغادر السفير الأميركي جون سوليفان إلى واشنطن لإجراء “مشاورات جدية”.
ودانت الولايات المتحدة الجمعة “التصعيد المؤسف” من جانب موسكو. وقال متحدّث باسم الخارجيّة الأميركيّة “ليس من مصلحتنا الدخول في حلقة من التصعيد، لكنّنا نحتفظ بحقّ الردّ على أيّ عمل انتقامي روسي ضدّ الولايات المتحدة”.
الشهر الماضي، استدعت روسيا سفيرها لدى الولايات المتحدة للتشاور بشأن مستقبل العلاقات مع واشنطن، في خطوة جاءت بعدما قال بايدن إن بوتين “سيدفع الثمن” لتدخله المفترض في الانتخابات، مبديا موافقته على التقييم القائل إن بوتين “قاتل”.
كما أعلنت روسيا الجمعة أنها قررت طرد خمسة دبلوماسيين بولنديين رداً على إعلان وارسو طرد ثلاثة دبلوماسيين روس تضامناً مع الإجراءات الأميركية ضد موسكو.
– “خفض التصعيد” –
وكما درجت العادة بعد كل مرة تفرض فيها الإدارة الأميركية حزمة عقوبات، وصفت الرئاسة الروسية التدابير العقابية الجديدة التي أعلنتها واشنطن الخميس ضد موسكو بأنها “غير مقبولة”.
إلا أن الكرملين بدا الجمعة راضياً عن كلام الرئيس الأميركي.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف إن “الرئيس بوتين تحدث (أولاً) عن ضرورة تطبيع العلاقات وخفض التصعيد. يتحدث عن ذلك بشكل مستمرّ. إنه موقف مقتنع به”.
وأضاف “من وجهة النظر هذه، فإن تطابق وجهات نظر الرئيسين هو أمر إيجابي”، مشيراً في الوقت نفسه إلى وجود نقاط خلافية عدة بين واشنطن وموسكو.
وأكدت وزارة الخارجية الروسية أنها تنظر بـ”إيجابية” إلى مقترح البيت الأبيض عقد القمة بين بوتين وبايدن رغم التوتر بين البلدين وتبادل فرض عقوبات وطرد دبلوماسيين.
منذ وصوله إلى الحكم، تعهّد بادين بأن يكون أكثر صرامة حيال روسيا من سلفه دونالد ترامب المتهم بالتهاون مع الرئيس الروسي.
إلا أنه اقترح مطلع الأسبوع على الرئيس الروسي عقد قمة في دولة محايدة.
وقال الخميس “حان وقت خفض التصعيد”، معتبراً أن من الضروري عقد لقاء ثنائي “هذا الصيف في أوروبا” من أجل “إطلاق حوار استراتيجي حول الاستقرار” في مجال نزع الأسلحة والأمن.
تلقت موسكو فكرة عقد لقاء من هذا النوع بإيجابية. وقال بيسكوف إن بوتين هو الذي طرح أولاً إجراء حوار معمّق. وكان يشير بهذا الكلام إلى دعوة أطلقها الرئيس الروسي في 18 آذار/مارس لإجراء حوار يبثّ مباشرة على الانترنت، بعد أن وصفه بايدن بأنه “قاتل”.
ولم يقبل البيت الأبيض الاقتراح الذي بدا كأنه مجرد امتداد للحرب الكلامية بين الرئيسين.
عرضت فنلندا الجمعة استضافة القمة المرتقبة بين بايدن وبوتين، وفق ما أعلنت الرئاسة في هلسنكي الجمعة. كما أعلنت النمسا استعدادها لاحتضان اللقاء. وسبق أن استضافت فنلندا قمة بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وبوتين في تموز/يوليو 2018.
– توتر حول أوكرانيا –
تدهورت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة بشكل كبير منذ عام 2014 وضمّ روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية. وحتى في عهد ترامب الذي لم يخفِ يوماً تقديره لبوتين، كثّفت واشنطن عقوباتها ضد روسيا.
وتشمل العقوبات التي أُعلن عنها الخميس، طرد عشرة دبلوماسيين روس ومنع المصارف الأميركية من أن تشتري مباشرة سندات خزينة تصدرها روسيا.
واستهدفت العقوبات أيضا ست شركات تكنولوجيا روسية متهمة بدعم أنشطة القرصنة التي تقوم بها استخبارات موسكو.
يأتي ذلك ردا على هجوم إلكتروني كبير في 2020 حمّلت واشنطن رسميا روسيا مسؤوليته، استخدم كناقل أحد منتجات شركة البرمجيات الأميركية سولارويندز لزرع ثغرة أمنية في أجهزة مستخدميه وبينها هيئات فدرالية أميركية عدة.
وبعدما وجّهت الإدارة الأميركية أصابع الاتهام نحو وكالة الاستخبارات الروسية، وصفت هذه الأخيرة الاتهامات بأنها “ترهات”.
يأتي ذلك في ظل تزايد التوتر بين روسيا وأوكرانيا، إذ إن هذه الأخيرة تتهم موسكو بأنها تبحث عن ذريعة لاقتحام أراضيها. في المقابل، تتهم موسكو كييف بالتحضير لهجوم ضدّ الانفصاليين الموالين لروسيا في الشرق الأوكراني.
ودعت الدول الغربية موسكو إلى خفض عديد قواتها في المنطقة وأعربت عن دعمها لكييف. ويزور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي باريس للبحث في هذا الموضوع مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون وكذلك المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
ولم تكفّ روسيا عن التأكيد أن مناوراتها في المنطقة ليست تهديداً لأحد، وتعتبر أنها رد مناسب للوجود المتزايد لحلف الأطلسي في أوروبا الشرقية ودعمه لأوكرانيا.
المصدر: © AFP