يقول كتاب جديد إن نظام الشرق الأوسط في حالة انهيار بسبب 3 عوامل: الحكم الاستبدادي في المنطقة، التدخل الغربي، و”الإرهاب”. ويناقش كيف يبدو المستقبل بالنسبة لسكان المنطقة البالغ عددهم 500 مليون نسمة، ويرسم صورة لآفاق المنطقة تنذر بالخطر ولكنها تبعث على الأمل أيضا، ويقدم أفكارًا طموحة ومدروسة “ترفض التدخل العسكري العدواني والصفقات مع الطغاة”.
واستعرض تقرير -قدمه الكاتب الصحفي جو غيل ونشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني- أهم أفكار الكتاب المنشور حديثا بالإنجليزية بعنوان “The Middle East Crisis Factory” (مصنع أزمة الشرق الأوسط 2021).
وقال غيل إن هذا المؤلف، الذي كتبه الفلسطيني إياد البغدادي والليبي أحمد قطناش، وكلاهما يعيشان في الغرب، يسعى إلى رسم طريق للمضي قدما وسط دوامة الاستبداد والتدخل الغربي و”الإرهاب”.
وينتهي الكتاب، الذي تنشره “دار هيرست للنشر” في لندن يوم 8 أبريل/نيسان الجاري، إلى أن النظام السياسي بالشرق الأوسط في طور الانهيار، ولا أمل في وقف هذا الانهيار، وعلى الجميع وضع آمالهم لما بعد الانهيار.
ويصف تاريخ التدخل الغربي وتحالفات الغرب مع الدكتاتوريات في الشرق الأوسط، وكيف قاد فشل حكومات ما بعد الاستعمار إلى الحال الراهن.
انتقال وحشي
يرى المؤلفان أن المرحلة الحالية للانتقال من أنظمة ما بعد الاستعمار إلى نظام قد يمنح الأمل للملايين المحرومين، يشبه الانتقال الدموي لأوروبا إلى الحداثة قبل قرن من الزمان، إذ كان على أوروبا أن تشهد حربين عالميتين مدمرتين ومذابح جماعية خلفت أكثر من 60 مليون قتيل قبل وصول ما يشبه الاستقرار والازدهار.
ويتصور المؤلفان انتقالا في المنطقة يستغرق عقودا، ولن يكون سلسا، بعد أن شهدت المنطقة بالفعل في السنوات الأربعين الماضية حروبا وغزوات وإبادة جماعية قتلت الملايين، كما شهدت فرار الملايين كلاجئين.
ويقول الكتاب إن “مصنع الأزمة” هو مثلث الاستبداد ما بعد الاستعمار، والدعم الغربي للطغاة والتدخل العسكري، والتطرف، وإن كلا من هذه القوى والهياكل تغذي بعضها البعض في حلقة مدمرة تمنع ظهور حكم مدني وديمقراطي في جميع أنحاء المنطقة.
ويضيف أنه وفي أعقاب انتفاضات الربيع العربي عام 2011، تناقض الخطاب الليبرالي الغربي مع السياسة الواقعية الساخرة التي أعطت الأولوية للاستقرار على حقوق الإنسان.
ويرى الكتاب أن المعركة من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية في جميع أنحاء الشرق الأوسط منذ عام 2011 “تتجاوز القومية التقليدية ومعاداة الإمبريالية والإسلاموية”.
علاقة تكافلية
ويجادل المؤلفان بأن الانتفاضة السورية، ورد نظام الأسد عليها، حالة أساسية للعلاقة التكافلية بين الاستبداد والإرهاب، إذ قمع النظام بلا رحمة الاحتجاجات السلمية، في حين (عمل) المسلحون الإسلاميون المنتشرون ضد القوات الأميركية في العراق داخل الأراضي السورية بداية الانتفاضة عام 2011، بحسب الكتاب.
ويرى المؤلفان أن “الأنظمة البعثية الدكتاتورية” في العراق وسوريا -التي اعتبرت نفسها معادية للإمبريالية- عرّضت في النهاية بلدانها للتدخل والاحتلال الأجنبي، وأعطت مبررات للحرب والتدخل الغربي، وتركت المنطقة في حالة خراب وفوضى.
العامل الإسرائيلي
ويضع المؤلفان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ضمن إطار “مثلث مصنع الأزمة” بحجة أن الاستعمار الإسرائيلي قد ساعد إلى حد ما في تبني خيارات القوى الفلسطينية، بما فيها فتح وحماس، لصالح الهجمات المسلحة و”الإرهاب”. ويقارنان بشكل مباشر بين الطريقة التي يغذي بها التدخل الأميركي “الإرهاب” بالعراق ومساهمة الاحتلال الإسرائيلي في تغذية “العنف الفلسطيني” بحسب وصف الكتاب.
بدائل التدخل
ويقول غيل إن المؤلفين يعارضان بحق التدخل العسكري الغربي في المنطقة، وكذلك الاستخدام الشامل للعقوبات الاقتصادية التي تسبب معاناة هائلة، في وقت فشلت في إزاحة أنظمة مثل الأنظمة الإيرانية أو السورية.
ويجادلان بأن النهج الأكثر فاعلية هو العقوبات “الذكية” التي تستهدف أصول القادة الأفراد، والتي تكون أقل ضررا للأشخاص الذين يتعرضون للقمع، مثل قانون ماغنيتسكي المستخدم ضد (فلاديمير بوتين) الرئيس الروسي وأعوانه.
ويشيران إلى أن الأداة المهمة الأخرى المتاحة لكل من نشطاء حقوق الإنسان والجماعات القانونية هي تشريعات الولاية القضائية العالمية، والتي تم استخدامها لتقديم المسؤولين الأفراد من نظام الأسد إلى المحاكمة في دول مثل ألمانيا وإسبانيا.
انتفاضات الربيع
ويقول غيل إن المؤلفين يعتمدان على معرفتهما الشخصية بثورات عام 2011 في التزامهم بسياسة إقليمية جديدة تتخطى القومية العربية القديمة، والاندفاع اللاحق للإسلام السياسي و”الإرهاب” الجهادي، ويعتنقان سياسات حقوق الإنسان السلمية وغير الطائفية، ويرفضان الفكرة العنصرية بأن العرب والإيرانيين والأكراد والأمازيغ ليسوا مستعدين للديمقراطية.
ويقدم “مصنع أزمة الشرق الأوسط” -كما يشير غيل- العديد من الأفكار، إحداها أن الاستعمار والاحتلال لا يأتيان دائما من الخارج ولكن يمكن أيضا فرضهما من الداخل، عندما تتعامل الدكتاتورية مع سكانها، أو سكان جيرانها، على أنهم “آخرون” يجب أن يُحبسوا ويُكبتوا.
ويشير كاتب المقال إلى أن أحد المؤلفين، وهو البغدادي، مرتبط بمنبر أوسلو للحريات الذي أسسه الثري الفنزويلي النرويجي ثور هالفورسين، وملياردير غوغل سيرجي برين، وأحد مؤسسي “باي بال” بيتر ثيل.
ويقول إن هذه الارتباطات ربما تفسّر سبب تبني الكتاب روايات مراكز الفكر الغربية حول سياسات المنطقة.
ولذلك يعلق غيل بأن المؤلفين، وكجزء من جيل النشطاء الذين لن يتنازلوا بسهولة عن هذا النهج الذي اكتشفاه بانتفاضات 2011، يجب عليهما الحذر من أن يتم استقطاب ذلك النهج من قبل طبقة المليارديرات.