نهار يوم 21 أغسطس/آب عام 2010، وخلال ذروة العمل اليومي، اكتشف العاملون بمتحف محمود خليل، بمحافظة الجيزة، اختفاء لوحة زهرة الخشخاش للفنان الهولندي الشهير، فينسنت فان غوخ (1853-1890)، وقتئذ اختلفت الروايات حول تفاصيل الحادث وتوجهت أصابع الاتهام بالسرقة إلى جهات عديدة.
لم تقبض الجهات الأمنية المصرية على السارق ولم تتوصل إلى مصير اللوحة التي رسمها فان غوخ عام 1887 وقُدرت قيمتها المالية في عام سرقتها بنحو 50 مليون دولار.
ومن جهتها، حاولت وزارة الثقافة تدارك الأخطاء التي سهلت حادث السرقة بإغلاق المتحف وبدء تطويره وتحديث وسائل تأمين مقتنياته، وهو ما استغرق أكثر من 10 سنوات، ليعاد افتتاحه مرة أخرى مساء أمس الاثنين.
وتقدمت وزيرة الثقافة، إيناس عبد الدايم، حضور حفل افتتاح المتحف، من وزراء وسفراء وفنانين ومثقفين ومسؤولين بقطاع الفنون التشكيلية.
واعتبرت عبد الدايم، خلال حفل الافتتاح متحف محمود خليل أحد أهم المواقع الفنية المتخصصة في العالم، لما يضمه من مقتنيات نادرة تشكل جزءا من كنوز إبداعات الحضارة الإنسانية.
ويضم المتحف 304 لوحات لـ 143 رساما عالميا مثل فان غوخ وبول جوجان ورينوار وروبنز وفرومتان.
كذلك يحتوي المتحف على 50 تمثالا من البرونز والرخام والجبس، إلى جانب مجموعة تحف من الخزف والبورسلين من دول عدة كفرنسا وتركيا وإيران والصين.
سرقة سهلة
بدت تفاصيل حادث سرقة زهرة الخشخاش مثيرة ومقلقة في تفاصيلها؛ فلم يبذل اللص مجهودا كبيرا ولكنه اختفى ولم يُبق له أثرا.
وفق التحقيقات الأمنية، سحب السارق منضدة من قاعة العرض، ووقف عليها لينتزع اللوحة من الجدار المعلقة عليه بواسطة آلة حادة، خلال أوقات العمل الرسمية داخل المتحف.
اعلان
في وضح النهار، خرج اللص بما سرقه من المتحف، وسط غياب تام لوسائل التأمين المتعارف عليها داخل الصروح التي تضم مقتنيات تاريخية.
السلطات المصرية قالت وقتئذ إنها كثفت جهودها لملاحقة اللص وأعلنت حالة الطوارئ بمطارات وموانئ البلاد غير أن تلك الجهود لم تأت بأي نتيجة تؤدي لاستعادة اللوحة.
وبالتزامن مع سير التحقيقات للوصول إلى الجناة، عرض رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، مكافأة قدرها مليون جنيه -نحو 70 ألف دولار- لمن يدلي بمعلومات تفيد جهود العثور على اللوحة.
وتحدثت تقارير صحفية عن بيع زهرة الخشاش في مزاد سري بإنجلترا، كما قالت صحف محلية. واللافت أن زهرة الخشخاش تعرضت لحادث سرقة آخر، لا يقل غموضا، قبل أكثر من 40 عاما.
إهمال وعقاب
في يناير/كانون الثاني 2011، مثل مسئولون عن المتحف وعدد من قيادات قطاع وزارة الثقافة، أمام جهات التحقيق الرسمية على خلفية سرقة زهرة الخشخاش.
وفي أبريل/ نيسان من العام نفسه، قضت المحكمة المختصة بسجن وكيل أول وزارة الثقافة ورئيس قطاع الفنون التشكيلية لمدة عام، وحبس كلا من المدير العام للأمن في قطاع الفنون التشكيلية، ومديرة المتحف، ونائبتها ومدير أمن المتحف لمدة 6 شهور، الإهمال الذي تسبب في سرقة اللوحة.
سرقات متعددة
سرقة زهرة الخشخاش لا يعد حادثا سابقا من نوعه في مصر؛ فعلى مدار 60 عاما ماضية تعددت الاختفاءات والسرقات للوحات فنية شهيرة دون النجاح في استعادتها.
بعد نحو 30 عاما من حصول لوحة الراهبة لرائد فن البورتريه في مصر، أحمد صبري، علي ميدالية الشرف من صالون باريس الدولي عام 1929، اختفت اللوحة عام 1960 خلال رحلتها من القاهرة إلى واشنطن للعرض هناك ولم تظهر حتى الآن.
وفي عام 1967 سُرقت لوحة ذات الوجهين للفنان البلجيكي روبنز من متحف الجزيرة بالقاهرة عام 1967، كما اختفت 71 لوحة للفنانة إنجي أفلاطون في ظروف سادها الإهمال.
أهدت عائلة أفلاطون ألف لوحة للفنانة الراحلة لوزارة الثقافة من أجل إقامة متحف دائم لها، وحدث خلاف بين الجانبين أدى لمطالبة العائلة باستعادة اللوحات ولكن عند مراجعتهم لها اكتشفوا اختفاء 71 لوحة.
وفي عام 2008، اختفت لوحتان للفنان حامد ندا من معرض داخل دار الأوبرا المصرية، قبل استعادتها ليس بفضل الجهود الأمنية ولكن لأن من قام بشرائهما من السارق قرر إعادتهما.
وسرقت 9 لوحات أثرية ترجع لعصر أسرة محمد على (1805-1952) في مارس/آذار 2009 من قصر محمد علي بمنطقة شبرا الخيمة شمال القاهرة، ثم عثر عليها بعد 10 أيام.
زهرة الخشخاش
رسم فان غوخ زهرة الخشخاش في عام 1878، ويرى المختصون في الفن التشكيلي أن الفنان الهولندي تأثر بالفنان الفرنسي، أدولف مونتيشيلى، الذي اتسم ببراعته في رسم الزهور.
وانتقلت اللوحة الشهيرة من أوروبا إلى مصر من خلال زوجة السياسي المصري، محمود خليل، حيث اشترتها عام 1922 من قاعة برنهايم بباريس بمبلغ 175 ألف دولار.
وشيد محمود خليل قصره، الذي تحول بعد ذلك إلى متحف عام 1920، على مساحة 8450 مترا مربعا، وأوصى قبل وفاته عام 1953 أن يتحول منزله بعد رحيل زوجته إلى متحف يتبع الحكومة المصرية.
وكان خليل متذوقا للفنون وحرص طيلة حياته على اقتناء التحف الفنية القيمة، خاصة تلك التي أبدعها فنانون أوروبيون خلال القرنين الـ18 والـ19.
ويعتقد أن فان غوخ رسم لوحته التي لا تقدر بثمن عام 1887 قبل 3 سنوات من وفاته (منتحرا على الأغلب)، وكانت اللوحة نفسها تعرضت لسرقة غامضة عام 1978 ثم أعيدت بعدها بقليل إلى المتحف بطريقة أكثر غموضا، وهو ما جعل البعض يردد أن الغرض من السرقة كان نسخ اللوحة وأن الموجودة في المتحف هي النسخة المقلدة بينما اللوحة الأصلية تم تهريبها إلى الخارج.
وأثيرت حول “زهرة الخشخاش” ضجة كبيرة عام 1988 حين أعلن الكاتب المصري الراحل يوسف إدريس في صحيفة “الأهرام” الرسمية أن اللوحة الموجودة بالمتحف نسخة مزيفة وأن الأصلية بيعت في إحدى أكبر قاعات المزادات في لندن بمبلغ 43 مليون دولار.
المصدر : الجزيرة