ما الذي يعيق السياحة الأثرية في العراق؟

كان العراق في السبعينيات والثمانينيات يستقبل أعدادا كبيرة من السياح سنويا إلا أن الحروب والحصار قد أدت إلى تراجع الإقبال على زيارته، ورغم وفرة المواقع التاريخية التي يزخر بها العراق في مختلف محافظات البلاد، إلا أن السياحة الأثرية تكاد تختفي من البلاد التي تعتبر مهد الحضارات القديمة، في حين يتحدث خبراء عن جملة عوامل تقف حائلاً دون تطوير هذا القطاع الحيوي.

وأحيت زيارة بابا الفاتيكان التي أجراها إلى العراق، مطلع الشهر الجاري، ملف السياحة الأثرية، وأنعشت الآمال، بأن ينعكس هذا الحدث البارز إيجابياً على هذا الملف، الذي ظل يعاني إهمالاً لعقود من الزمن، بسبب الحروب والصراعات الداخلية، فضلاً عن التباطؤ في الإجراءات الحكومية، التي ترتبط دائماً بالتنافس السياسي والروتين الإداري.

ثراء في التاريخ والطبيعة
وتتوزع المواقع الأثرية في العراق، على طول البلاد وعرضها، وهي تعود إلى حقب زمنية مختلفة، بدءاً من حضارة السومريين الأولى في العالم، وصولا إلى معالم نشوء الدولة العراقية الحديثة عام 1921.

وأبرز تلك المواقع هي مدينة أور مهد النبي إبراهيم عليه السلام، -بحسب آثاريين- في محافظة ذي قار، جنوبي العراق، ومدينة نمرود في محافظة نينوى، وهي عاصمة الآشوريين، فضلاً عن بابل الأثرية ونفّر في محافظة الديوانية، بالإضافة إلى الملوية في سامراء، وغيرها من المواقع الأثرية.

ويقول المتحدث باسم وزارة الثقافة العراقية، الدكتور أحمد العلياوي، إن عدد المواقع الأثرية، في العراق يبلغ نحو 15 ألف موقع أثري مسجل بشكل رسمي، وهي تحتضن حالياً عدداً من عمليات التحريات والتنقيبات الأثرية، وكثير منها مواقع سياحية مهمة، مثل مدينتي أور وبابل، وهناك مناطق يمكن أن تتحول إلى سياحية بشكل سريع في غرب العراق.

ويضيف العلياوي، للجزيرة نت أن هناك نوعاً من القلق والريبة، تكون لدى بعض شرائح المجتمع العراقي، من زيارة الأجنبي، وهذا يعود إلى تراكمات الحقب الماضية، حيث انعزل العراق عن العالم نحو 40 سنة، وعاش حروباً، وهو ما يستوجب توفير الاستقرار الأمني لمحو تلك الصورة، وتحسين بيئة الخدمات في المناطق السياحية، بحسب تعبيره.

ولفت إلى أن المجتمع العراقي مضياف بشكل كبير، وأبرز مثال على ذلك المناسبات والزيارات الدينية، لكن الوفود الأجنبية والبعثات، ربما لأنها لم تدخل العراق منذ زمن طويل فتولد نوع من القلق، وهذا ليس عائقاً في مسألة السياحة.

وبالإضافة للمواقع التاريخية، يتميز العراق بوجود تنوع بيئي كبير يمتد من الشمال إلى الجنوب كان يمكن أن يستغل في إنشاء منتجعات ضمن ما يعرف بالسياحة البيئية.

نكبات على طول الزمن
وتعرضت المواقع الأثرية العراقية، على طول الحقب الماضية، لعمليات سرقة منظمة، خاصة في أوقات الحروب والصراعات، حيث تعرض المتحف الوطني في أبريل/ نيسان 2003 للنهب بأكمله، وسُرقت منه أكثر من 15 ألف قطعة، ورغم استعادة 7 آلاف قطعة، لا يزال هناك ما يزيد على 8 آلاف قطعة مفقودة، من بينها قطع أثرية تعود لآلاف السنين من بعض أقدم المواقع في الشرق الأوسط.

كما حصلت نكبة أخرى للمواقع الأثرية عام 2014، حيث سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة من البلاد، بما في ذلك آلاف المواقع الأثرية والمتاحف، فضلاً عن تدمير العديد من التماثيل وتهريب الباقي للحصول على مبالغ مالية.

وفي تقرير سابق للجزيرة نت قال الصحفي الاقتصادي بكر العبيدي إن هناك إهمالا واضحا في استغلال بعض المناطق سياحيا، رغم ما تحتويه من أماكن طبيعية ساحرة وآثار تعود إلى آلاف السنين، وأشار إلى تردي الخدمات فضلا عن تدمير بعض المواقع مؤخرا في ظل الاضطرابات الأمنية.

وأضاف أن العراق استقبل 5 ملايين سائح في عام 1989، وهو الرقم الأعلى في تاريخه، وذلك بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية، لكن هذه الأرقام سرعان ما تراجعت بعد حرب الكويت والحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق.

واعتبر العبيدي أن على الحكومة الاستفادة من تجربة إقليم كردستان في المجال السياحي، حيث تحولت مدنه إلى وجهة يقصدها مئات آلاف العراقيين والأجانب كل عام، حتى أصبحت أربيل عاصمة للسياحة العربية في موسم 2014-2015 بسبب جودة البنى التحتية للمنتجعات السياحية هناك، ونجاحهم في توظيف جمال الجو والطبيعة بجعل الإقليم وجهة سياحية مفضلة للكثيرين.

عيون الجيران
ويقول مختصون في الآثار العراقية، إن المواقع الأثرية لم تغب عن عيون الدول الأخرى، سواءً في محاولات إضعاف السياحة، أو عدم المساهمة الفاعلة في إحيائها، فضلاً عن إشاعة مسائل الخوف من الأجانب، ويرى أستاذ علم الآثار في جامعة بغداد، حيدر الصبيحاوي، أن الكثير من دول العالم تتدخل لإضعاف السياحة العراقية، للبحث عن مكاسبها، لكن المشكلة تتعلق في الداخل، الذي يجب عليه أخذ موقف حازم، ليكون منافساً قوياً، أما الاستسلام لطموحات خارجية، من أي بلد سيكون أمراً مرفوضا.

يضيف الصبيحاوي للجزيرة نت، أن الجانب الأمني، هو الأبرز في مسألة إحياء سياحة الآثار في العراق، وإنعاشها، بالإضافة إلى توفير عوامل الجذب السياحي والاستثنائية والفرادة في إيجاد كل متطلبات العملية السياحية، والابتعاد عن التقليد سواءً في المباني أو غيرها.

ولفت إلى أن العراق لا يمتلك آلية التنافس، رغم امتلاكه مقومات هذا التنافس.

من جهته، يرى وزير الثقافة العراقي، حسن ناظم، أن تأسيس سياحة آثار يبدأ من خلال تأسيس وعي في المجتمع يدرك أهمية هذه الآثار، في حين دعا وزارتي التعليم العالي التربية إلى الاهتمام بصناعة جيل يدرك أهمية هذه الآثار.

ويرى الباحث والمؤرخ العراقي، علي النشمي، أن العراق هو أكثر بلدٍ يتقبل الأجانب، مؤكدا أن هناك رغبة لدى العراقي بالخدمة والمساعدة وإظهار أجمل الأشياء للأجنبي.

ويضيف النشمي، خلال حديثه للجزيرة نت، أن إحدى المشكلات هي تحدث المسؤولين بمثل تلك الصيغة، مما يعني أنهم لا يعرفون شعبهم جيداً، ومن يقول ذلك، فهو جاهل، بحسب تعبيره، مشيرا إلى أن زيارة البابا الأخيرة حققت مكسبا إعلاميا كبيرا، لكنها “لم تُستغل بشكل جيد، كما لم تتحقق الاستفادة سابقاً من وضع مواقع أثرية عراقية ضمن لائحة التراث العالمي خلال السنوات الماضية”.

وتأمل أوساط عراقية أن تفتح زيارة البابا ملف السياحة نحو العالمية، لو تم استثمارها بصورة صحيحة، لتصبح البلاد قبلة للراغبين بالإطلاع على الإرث الإنساني والحضاري، التاريخي والطبيعي.

المصدر : الجزيرة