بقلم بول هاندلي
خلُص تقرير استخباري أميركي حول اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في 2018 نشر الجمعة، إلى أنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “أجاز” العملية.
وجاء في التقرير أنّ الأمير محمد بن سلمان الذي يعدّ الحاكم الفعلي في السعودية “أجاز عملية في اسطنبول، بتركيا، لاعتقال أو قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي”.
وأشار التقرير إلى أنّ ولي العهد كانت لديه “سيطرة مطلقة” على أجهزة الاستخبارات والأمن في المملكة منذ عام 2017 “ما يجعل من المستبعد جداً أن يكون مسؤولون سعوديون قد نفذوا عملية كهذه من دون الضوء الأخضر الصادر عن الأمير”.
وبحسب التقرير الواقع في أربع صفحات والذي رفعت عنه السرية الجمعة فإن نمط العملية يتماشى مع “تأييد ولي العهد لاستخدام العنف وسيلة لإسكات المعارضين في الخارج”.
وبعد نشر التقرير، قال الرئيس الأميركي جو بايدن “سنحاسب (السعودية) على انتهاكات حقوق الإنسان … ما حدث أمر شائن”.
كما أعلنت واشنطن الجمعة فرض قيود على منح تأشيرات إلى 76 سعوديا متهمين بـ”تهديد معارضين في الخارج”.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان إن هذه العقوبات تندرج في إطار قاعدة جديدة أطلقت عليها الخارجية الأميركية اسم “حظر خاشقجي” وترمي إلى منع دخول أي شخص يُتّهم بالتعرض باسم سلطات بلاده لمعارضين او صحافيين في الخارج.
ولم تُكشف أسماء السعوديين المستهدفين بسلسة التدابير هذه أو وظائفهم.
وقال بلينكن “قلنا بوضوح إنه يجب وضع حد للتهديدات والهجمات خارج حدود السعودية على ناشطين ومعارضين وصحافيين”. وحذر من “أن الولايات المتحدة لن تقبل بذلك بتاتا”.
وأعلنت واشنطن الجمعة فرض عقوبات مالية على وحدة تدخّل خاصّة وعلى الرجل الثاني سابقاً في الاستخبارات السعودية أحمد عسيري القريب من وليّ العهد السعودي لدورهما في مقتل خاشقجي.
وأكّد بلينكن أنّ بلاده تريد تغييراً وليس “قطيعة” في العلاقات مع السعودية بعد نشر التقرير.
ورغم توجيه أصابع الاتّهام إليه بشكل مباشر، إلا أنّ محمد بن سلمان ليس من بين الأشخاص المشمولين بالتدابير الأميركيّة.
وقالت وزارة الخارجيّة الأميركيّة “لا تفرض الولايات المتحدة بشكل عام عقوبات على كبار قادة الدول التي تربطهم بها علاقات دبلوماسية”.
وقالت المُقرّرة الخاصّة للأمم المتّحدة المعنيّة بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أغنيس كالامار إنّه يجب على واشنطن فرض عقوبات على بن سلمان.
في المقابل، رفضت السعودية “قطعاً” ما ورد في التقرير الاستخباري الأميركي.
وأكّدت الخارجيّة السعوديّة في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسميّة أنّ “حكومة المملكة ترفض رفضاً قاطعاً ما ورد في التقرير من استنتاجات مسيئة وغير صحيحة عن قيادة المملكة ولا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال، كما أنّ التقرير تضمّن جملة من المعلومات والاستنتاجات الأخرى غير الصحيحة”.
وسبق أن أقرّ ولي العهد السعودي بمسؤولية بلاده في جريمة قتل خاشقجي لكنّه ينفي ضلوعه شخصيّاً فيها.
وأمر بايدن برفع السرية عن التقرير الذي أُعِدّ في عهد سلفه دونالد ترامب، وبنشره في إطار مساعي الإدارة الأميركية الجديدة إلى إعادة ضبط العلاقات مع المملكة وسلوك مسار عكسي لسياسة التقارب مع ولي العهد السعودي التي كانت الإدارة السابقة تنتهجها.
وأجرى بايدن الخميس أوّل محادثة هاتفيّة مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، منذ توليه منصبه قبل خمسة أسابيع. وقد أعلن البيت الأبيض صراحة أنّ بايدن لا يعتزم التحدّث مع ولي العهد السعودي.
وأعلن البيت الأبيض أنّ بايدن والعاهل السعودي شدّدا على التعاون الأمني بين واشنطن والرياض. وقد أكّد الرئيس الأميركي “التزام الولايات المتحدة دعم السعودية في الدفاع عن أراضيها في مواجهة هجمات تشنّها جماعات متحالفة مع إيران”.
لكن في تحوّل يُخالف النهج الذي كانت تعتمده الإدارة السابقة، شدّد بايدن على “الأهمّية التي توليها الولايات المتحدة على صعيد حقوق الإنسان ودولة القانون”.
– القنصلية وجهة نهائية –
كان خاشقجي مقيماً في منفى طوعي بالولايات المتحدة حيث كان يكتب مقالات في صحيفة واشنطن بوست إلى أن قتِل في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2018 في قنصلية بلاده في اسطنبول.
وأخطر سفير السعودية لدى الولايات المتحدة الصحافي البالغ من العمر 59 عاما بأن يذهب إلى القنصلية السعودية في اسطنبول إذا كان يريد الحصول على وثائق لزواجه من خطيبته التركية خديجة جنكيز.
وهناك، قتِل وقطّعت جثته على يد فريق أرسِل من الرياض بتوجيه من كبير مساعدي الأمير محمد، سعود القحطاني.
وبعد شهر واحد فقط على الجريمة، خلُصت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بثقة إلى أن الأمير محمد أمر بعملية الاغتيال وفقا لصحيفة “واشنطن بوست”. وخلص مجلس الشيوخ الأميركي بعد اطلاعه حينها على التقرير إلى “مسؤولية” ولي العهد عنها.
لكنّ ترامب تجنّب اتّهام ولي العهد السعودي علنا، حفاظا على التحالف مع السعودية التي تعدّ إحدى دعامات استراتيجيته المضادة لإيران، علما أن المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم وأكبر سوق للأسلحة الأميركية.
وأكد التقرير الذي نشر الجمعة أنّه تمّ إيفاد 15 شخصا لاستهداف خاشقجي في تركيا، بينهم عناصر “نخبة في فريق الحماية الشخصية” لولي العهد، أي قوات التدخل السريع.
ووفقا للصحيفة الأميركية، عثرت الاستخبارات الأميركية على أدلة رئيسية تشير إلى تورّط الأمير محمد.
وبين تلك الأدلة، مكالمة هاتفية للأمير محمد مع شقيقه خالد بن سلمان السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، وقد رصدتها وكالة الاستخبارات الأميركية.
خلال تلك المكالمة، أمر الأمير محمد شقيقه بإخبار خاشقجي بالذهاب إلى اسطنبول للحصول على الوثائق التي يحتاج إليها لزواجه.
ومن الأدلة الأخرى، مقطع فيديو سجّلته الاستخبارات التركية لجريمة القتل من داخل قنصلية اسطنبول، أوضح ما حصل وساعد في التعرّف على الفاعلين وأظهر اتصالات بينهم وبين الرياض.
– المحاكمة –
تعتقد قلّة من المراقبين في السعودية أن الجريمة يمكن أن تكون قد نُفّذت دون علم الأمير محمد، الرجل القوي الذي سجن عدداً من المنتقدين واحتجز عدداً من الأمراء المسؤولين ضمن العائلة الملكية.
وبضغط شديد من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، حاكمت السعودية بعض المشاركين في عملية قتل خاشقجي.
وبرّأت المحاكمة التي أُجريت خلف أبواب مغلقة المسؤولَين اللذين يُنظر إليهما على أنهما العقل المدبر للجريمة: القحطاني وهو المستشار الإعلامي في الديوان الملكي ونائب رئيس الاستخبارات أحمد العسيري. وكلاهما جزء من الدائرة المقربة من الأمير محمد.
لكن حُكِم على خمسة متّهمين لم تُكشف أسماؤهم، بالإعدام. وحُكم على ثلاثة آخرين بعقوبات طويلة بالسجن. وبعد تسعة أشهر، ألغت المحكمة أحكام الإعدام واستبدلتها بعقوبات تصل إلى السجن عشرين عاما.
ووصفت منظمة العفو الدولية ومنظمة مراسلون بلا حدود القضية بأنها “محاكاة ساخرة للعدالة”.
في 15 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت واشنطن عقوبات بحق 17 سعوديا يُشتبه بتورّطهم في اغتيال خاشقجي، بينهم القحطاني، لكنها لم تشمل العسيري.
المصدر: © AFP