“أجازه” فقيه حنبلي قبل قرنين ومنعته كنائس الغرب.. كيف أهدى العثمانيون التطعيم إلى العالم؟

قبل أكثر من مئتيْ عام؛ اكتفى الفقيه الحنبلي الشيخ حمد ابن مُعمّر النجدي (ت 1225هـ/1810م) بالإفتاء بكراهة نوع من التطعيم التقليدي ضد الجُدَري كان يفعله الناس في منطقة نجد وسط السعودية اليوم، في وقت كانت تتحرك فيه مظاهرات عارمة في شوارع بريطانيا ضد ممارسة التطعيم بنمطه الحديث بعد أن قاومه رجال الدين المسيحيون.

وبقدر ما تستوقف المرءَ تلك المفارقةُ اللافتة؛ فإن من المدهش جدا أن نجد أن تراث تلقيح الأبدان بالداء -لتقويتها أمام مخاطر الأمراض- عريق في تريخ البشرية، ومن العجب أيضا أن تلك الخبرة سُجّلت في الأدب العربي وخاصة الشعر الذي هو “ديوان العرب” المعرفي والتجاربي، مما ينم عن معرفة سابقة لهذا النمط من التداوي.

وإذا كان فقيه مسلم يسكن في عزلة عن العالم قد استوعب -كما سنرى لاحقا- العلاقةَ الغريبة بين الداء كخطر وفاة والداء كفرصة نجاة؛ فإنه لن يكون مستغرَبا أن نرى الدولة العثمانية أيامها قد ذهبت بالتطعيم -بنمطه التقليدي المتوارث الذي طوّرته واعتمدته رسميا ونوعه الحديث حين اكتُشِف- إلى آماد أوسع وآفاق أرحب، فقد كانت أرضُها هي المعبرَ الأول الذي انتقل منه التطعيم إلى أوروبا ثم منها إلى بقية العالم بصيغة أكثر حداثة وفعالية.

ويبدو أن الأتراك ما زالوا -حتى اللحظة- قادرين على الإسهام الرائد في مجال التطعيمات الطبية؛ إذ يتصدر المشهدَ العالمي اليوم اثنان من حفدة العثمانيين يحملان الجنسية الألمانية، وهما البروفيسور أوغور شاهين وزوجته الدكتورة أوزليم توريتشي اللذان طوّرا أهمّ لقاح -حتى الآن- مضادّ لفيروس كورونا (كوفيد 19).

إن هذا المقال يقدم محاولة لتقفي رحلة التطعيم الطبي في مسارها المتعلق بالمسلمين، وخاصة في حقبة الدولة العثمانية وإسهامها في نشره بين رعاياها ونقله إلى أوروبا باعتراف الغربيين أنفسهم، كما يرصد المواقف الإسلامية والمسيحية الغربية من هذا الأسلوب الطبي الوقائي، وكيف تبنّت رفضه برلماناتٌ ومؤسساتٌ علمية يُفترض فيها الانحياز الصارم إلى المنطق العلمي.

نظرة تاريخية
لعلّ فكرة التطعيم من أكثر الأفكار ثورية في التاريخ، وبقدر ما يُعدُّ تعبيرُ “التفكير خارج الصندوق” مبتذلًا فإنّه يبدو بالغ الصّدق إذا وصفنا به التطعيم، إذ العثور على الحلّ الشافي والظفرُ به من داخل المرض نفسه سيبقى -مهما تعوّده الناسُ- فكرةً باهرةً وجديرةً بإعجابٍ لا يخبو.

ومن العجيب في شأن التطعيم قِدمُ اكتشافه في مقابل حداثة انتشاره نسبيًّا؛ إذ يذكر مؤرّخ الحضارات الأميركي ويل ديورانت (ت 1402هـ/1981م) -في فصل “العِلم الهنديّ” من كتابه ‘قصة الحضارة‘- أن “الهند [عرفت] التطعيم منذ سنة 550م، مع أن أوروبا لم تعرفه إلا في القرن الثامن عشر”!

وقد استشهد ديورانت بما قال إنه “نصٌّ يُعزَى إلى ذانوانتاري (توفي في القرن 2م) وهو طبيب من أقدم أطباء الهنود، وهذا هو: خذ السائل من البُثور التي تراها على ضرع البقرة…، خذه على سِنَان المِشْرَط ثم طَعِّم به الأذْرِعَة بين الأكتاف والمَرافق حتى يظهر الدم؛ عندئذ يختلط السائل بالدم فتنشأ عن اختلاطه حُمَّى الجُدَرِيُّ”.

ويعود المؤرخ الأميركي بعد ذلك ليؤكد فضل الهند في هذا المجال، فيقول: “وعلمتنا الهند -بواسطة العرب- أعدادها البسيطة، وكسورها العشرية السحرية، كما علَّمت أوروبا دقائق التنويم المغناطيسي، وفن التطعيم”. كما يفيدنا بأن الصينيين “استخدموا اللقاح في معالجة الجُدَرِيُّ وإن كانوا لم يستخدموا التطعيم للوقاية منه، ولعلهم قد أخذوا هذا عن الهند”.

ورغم اتصال العرب بالهنود ونقلهم علومهم إلى أوروبا وسائر الدنيا، كما أسلفنا نقلًا عن ديورانت؛ فإننا لم نجدهم عُنوا باللقاح الطبي أو التطعيم فيما نُقل إلينا من طبّهم في كتب التراث العربي الإسلامي، ولعلّ ذلك كان أحد أسباب تأخّر انتشاره في أرجاء الدنيا.

ملمح أدبي
على أنّ الخزانة الأدبية العربية لم تخلُ من دليل على معرفتهم معنًى قريناً لفكرة استخلاص الدواء من الداء عموما، واكتساب المناعة بالضربات المتتابعة؛ فهذا الشاعر العباسي أبو نواس (ت 198هـ/814م) يقول:
دع عنك لومي فإنّ اللوم إغراءُ ** وداوني بالتي كانت هي الدّاءُ!
ولئن كان دواء الخمر بالخمر من قبيل الاستجارة من الرمضاء بالنار؛ فإنّ أبا نواس قد أبدع في فكرته على الأقل، وإن أبعد وزاغ في تطبيقها!

أما أبو الطيب المتنبّي (ت 354هـ/965م) فكان له قصبُ السبق في الإشارة عموما إلى اكتساب الجسد قّوة المناعة بفعل الإصابات السابقة؛ إذ قال:
رماني الدّهرُ بالأرْزاءِ حتى ** فــــؤادي في غــشاءٍ من نِبَـال
فصــرتُ إذا أصابتني سهامٌ ** تكسّرتِ النِّصالُ على النصال!
فالمتنبي هنا يُشبّه المصائب التي تتابعت على جسده بسهامٍ أصابت قلبه، ثم إنّ السهام لما تكاثرت عليه صارت مثل غشاء أو درعٍ يحمي قلبه من السهام الجديدة، فتتكسر نصالُها الجديدة على النصال القديمة!

بيد أن المتنبّي لم يكتف بالتصريح بالمناعة الناشئة عن الإصابة المادية حتى كاد يتنبّأ بالمبدأ الذي قام عليه التطعيم الطبي الحديث، وذلك حين قال:
لعلّ عَتبَك محمودٌ عواقبُه *** فرُبّما صحّت الأجسادُ بالعِلَل!!

وقد علق الشاعر العراقي الشهير معروف الرصافي (ت 1365هـ/1945م) -في مقال بعنوان “عالم الذباب” كتبه سنة 1363هـ/1943م ونشرته لاحقا مجلة ‘الرسالة‘ المصرية في عددها رقم 971- على بيت المتنبي، ملاحِظا ذلك التنبؤ الغريب الكامن فيه؛ فرأى في ذلك ما يشبه المعجزة لأن المتنبي “قد قال هذا [البيت] في الأيام التي كان التطعيم فيها بجراثيم الأمراض غير معلوم، وفنّ البكترويولوجيا (= علم الجراثيم) غير موجود”!

ولا نعلمُ إن كانت هذه الفلسفة العربيّة بشأن التطعيم قد غادرت المرّبع الأدبيّ لتأخذ مجراها العمليّ في المجال الطبّي؛ فما عثرنا عليه متعلقا بهذا الجانب -في المصادر العربية الطبية التاريخية- شحيحٌ جدًّا، لكنه معبر عن وجود تطبيقات عملية -من نوع ما- لفكرة استخلاص الدواء من الداء لمكافحته.

خبرة مرصودة
ومن نماذج ذلك ما أشار إليه ابن سينا (ت 428هـ/1038م) -في كتابه ‘القانون في الطب‘- من إمكان اكتساب المناعة بأخذ ما يسبّبُ المرض والأذى؛ فقد قال ضاربا المثل على قدرة الجسم على اكتساب مناعة من السموم إذا تعوّد استعمالها بالتدريج: “وقد كانت بعض العجائز تناولت في أول الأمر من البيش (= مادة سامّة) شيئا قليلا جدا، ثم لم تزل تلازمه حتى ألِفته الطبيعة (= طبيعة جسمها) وتجرأت عليه، وما ضرها شيئا”!

وقريب من ذلك أيضا ما ذكره ابن أبي أصَيْبِعة (ت 668هـ/1269م) -في ‘عيون الأنباء في طبقات الأطباء‘- من قصص واقعية -تواترت منذ زمان اليونان- تعدّ “دليلا على أن لحوم الأفاعي تنفع من نهْش الأفاعي والحيات”، ومن هنا جاءت فكرة “الترياق” الذي تعالج به السموم بمكوّنات تستخلص أحيانا من مصدر تلك السموم نفسها.

وربما تكون “ثقافة الترياق” هذه أحدثت أثرا عمليا في الممارسة الطبية تجاوز مجال معالجة السموم والوقاية من ضررها إلى جوانب أخرى من أنواع العلاج الوقائي للإصابة والمرض. وقد يشهد لصحة هذا الاستنتاج ما ذكرته مصادر حديثة من أن العرب كانوا يعرفون -من قديم الزمان- التطعيم الذي نمارسه اليوم، ومن ذلك ما ذكرته المستشرقة الألمانية الشهيرة زيغريد هونكه (ت 1420هـ/1999م) في كتابها ‘شمس العرب تسطع على الغرب‘.

فقد قالت هونكه إن “محاولة إدخال مبدأ التطعيم ضد الجُدَريّ في أوروبا -في أواخر القرن الثامن عشر- حققها العرب في العصور الإسلامية الأولى، مُتّبِعِين فيها نفس التفكير والأسلوب المُتَّبَعَيْن في عصرنا اليوم بالتلقيح بواسطة جراثيم ضعيفة وخلق المناعة بطرق اصطناعية. وكان الصينيون يضعون ضمادة مبلولة بقيح الجُدَريّ في أنف ولدهم؛ وأما العرب فقد اتبعوا طريقة أخرى في التلقيح، إذ عمدوا إلى جرح راحة اليد ما بين المعصم والإبهام ووضع قليل من بثور غير ملتهبة فوق الجرح يحفونه بها جيدا”.

وأكّد هذا القولَ معاصرٌ آخر هو الباحث في تاريخ العلوم الدكتور أسامة الصيادي في كتابه ‘أهم الاختراعات والاكتشافات في تاريخ الإنسانية‘؛ فقال: “وكان الأطباء العرب يتبعون الطب الوقائي في الأمراض المعدية؛ فقد كانوا… يصنعون نوعا من التطعيم ضد الجدري، إذ يأخذون بعض البثور من مريض ناقهٍ ويطعّم به الشخص السليم بأن توضع (= البثور) على راحة اليد وتُفْرَك جيدا، أو يحدثون خدشا في مكانها؛ وهي فكرة التطعيم نفسها التي نُسبت فيما بعد إلى أوروبا”.

موقفٌ محمودٌ
لم أجد لما ذكره هذان الباحثان شاهدًا من الكتب التراثية؛ لكن لدينا فتوى صدرت قبل أكثر من مئتيْ سنة عن أحد مشايخ نجد وسط الجزيرة العربية، وهو الشيخ حمد بن ناصر بن مُعمّر النجدي الحنبلي. وتوحي هذه الفتوى بأن التلقيح -بالصورة التي ذكرتها المستشرقة هونكه والدكتور الصيادي- كان ممارسةً قديمة دارجة شعبيا بين عوامّ الجزيرة العربية، وكان يُسمّى عندهم “التَّوْتِين”.

ومن الواضح أن هذا التلقيح الشعبي -الذي كان معروفا بين أهل نجد- لا صلة له بالتطعيم الرسميّ الذي كانت تُعنى به الدولة العثمانية وتنشره في بعض مناطقها، ناهيك عن أن يكون ممارَسا على الطريقة الإنجليزية التي عُرفت بالتزامن مع وقت صدور الفتوى أو قبله بقليل.

ففي فتواه المذكورة -والتي تضمَّنها كتاب بعنوان ‘عدة رسائل في مسائل فقهية‘ أشرف على طبعه الشيخ محمّد رشيد رضا (ت 1354هـ/1935م)- سُئل الشيخ ابن مُعمّر الحنبلي عن الحكم الشرعي في “التَّوْتِين (= التطعيم) الذي يفعله العَوَامُّ، أي يأخذون قَيْحاً من المَجْدُور ويَشُقّون جلد الصحيح ويجعلونه في ذلك [الموضع] المشقوق، يزعمون أنه إن جُدِر (= أصيب بالجُدَريّ) يخفف عنه”.

وقد أجاب الشيخُ سائلَه بأن هذا العلاج الوقائي نوعٌ “من التداوي عن الداء قبل نزوله..، فـهؤلاء يزعمون أن التَّوْتِين من الأسباب المخفِّفة للجُدَري. والذي يظهر لنا فيه الكراهة لأن فاعله يستعجل به البلاء قبل نزوله، إلا أنه في الغالب إذا وُتِّنَ ظهر فيه الجُدَري فربما قتله، فيكون الفاعل لذلك قد أعان على قتل نفسه، كما قد ذكره العلماء فيمن أكل فوق الشبع فمات بسبب ذلك؛ فهذا وجه الكراهة” الشرعية في ممارسة “التَّوْتِين” أي التطعيم الشعبي.

والمُلاحظ أن الشيخ ابن معمّر إنّما كره “التَّوْتِين” من جهة الأخطاء التي كانت تشوبُ إجراء هذا النوع التقليدي من التطعيم، والمضاعفات التي جرت بسببه لمن أجرِي لهم. وقد عقّب الشيخ رشيد رضا على هذه فتوى الشيخ ابن معمّر عندما نشرها بعد انتشار التطعيم الحديث، مدركا التطابق بينه وبين “التَّوْتِين”؛ فقال: “يظهر أن هذا التَّوْتِين -الذي يُسَمَّى الآن التلقيح أو التطعيم- لم يكن في عصر هذا المفتي أو في بلاده قد نجح كنجاحه المعروف الآن، حتى في أمراض أخرى غير الجدري، ولذلك أثبتَ أنه مَظَنَّة الضرر فيكون مكروها”.

وقد ثمَّن الشيخُ رضا للفقيه الحنبلي اكتفاءَه فقط بإصدار حكم الكراهة التنزيهية -التي هي أقرب فقهيا إلى الإباحة- على التطعيم غير الاحترافي، في الوقت الذي “حرَّمه -في أول ظهوره- كثيرٌ من أهل البلاد والمِلَل (= الأديان) المختلفة حتى الإنكليز، وقد ثبت من عهد بعيد أنه يقي من هذا الداء الفتّاك المشوِّه (= الجُدَريّ)، وأن تأثير التلقيح الواقي خفيف جدا يتحمله الأطفال بسهولة؛ فالقول بوجوبه (= التطعيم) غير بعيد” من الناحية الفقهية.

موقف مؤصَّل
كما لم يجد المسلمون -فيما رُوي عن نبيهم ﷺ- بأسًا في أخذ العلاج قبل وقوع المرض، ولم يروا فيه أدنى معارضة للقَدَر؛ فقد جاء في ‘صحيح البخاري‘: عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَات عَجْوَةٍ (= نوع من التمر) لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ».

وعلى هذا اعتمد الفقهاء المعاصرون في فتاواهم بجواز التطعيم الحديث، ورأوا أن ذلك من “باب دفع البلاء قبل وقوعه”، ولم يكن عندهم فيه من بأس إذا لم يأت يقينا بضرر أعظم منه. وقد حُفظ عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (ت 23هـ/645م) قوله عندما رجع بجيش المسلمين دون أن يدخل الشام لانتشار وباء الطاعون فيه حينها: “نفِرُّ من قَدَر الله إلى قَدَر الله”؛ كما جاء في الصحيحين.

ولذلك لم يكن مستغرَبًا أن يقرِّع الإمامُ محمد عبده (ت 1323هـ/1905م) الكاتب المسيحي فرح أنطون (ت 1340هـ/1922م) في نيله من مكانة العلوم التجريبية في الإسلام، ويذكّره بموقف أوروبا المسيحية المعارض للتطعيم، وذلك في مقالة له منشورة في مجلة ‘المنار‘ -بتاريخ 1 جمادى الآخرة سنة 1320هـ/1902م- بعنوان: “الاضطهاد في النصرانية والإسلام”.

يقول الإمام عبده: “هل تدري ماذا حصل من المقاومة [المسيحية] لإدخال الحقن تحت الجلد بمادة المرض (= التطعيم)؟ اكتشفت هذه الطريقة الطبية عند المسلمين في الآستانة، ثم نقلتها إلى أوروبا امرأة تسمى ماري مونتاغو سنة 1721م؛ فقامت قيامة القُسُوس (= جمع قَسٍّ) وعارضوا في استعمالها، واحتيج في تعضيدها إلى التماس المساعدة من ملك إنكلترا، وعادت هذه الشدة في المعارضة عندما اكتُشفت طريقة تطعيم الجُدَري” على طريقة الطبيب الإنجليزي جِينّر.

وقد كانت التوصية بالتطعيم مدرجة في التعليمات الصحية التي انتشرت الدعوة إليها أيام الأوبئة في بعض الأقطار العربية قبل قرن على الأقل؛ فقد حفظت لنا مقالةٌ نشرها الطبيب اللبناني أمين الجميّل (ت 1354هـ/1935م) -في عدد مجلّة “الزهور” المصرية الصادر مطلع أكتوبر/تشرين الأول سنة 1910 الموافقة 1228هـ- نسخةً من الإجراءات الاحترازية الموصَى بها طبيا أيامها لمواجهة وباء كوليرا اجتاح أوروبا وجوارها، وهي تُشبه كثيرًا إجراءات مواجهة وباء كورونا (كوفيد 19) المطبقة في دول العالم في أيامنا هذه.

وقد بدأ الكاتب مقالته بقوله: “تحمل إلينا التلغرافات يوميًّا أنباء مزعجة عن فتكات الكوليرا في أنحاء أوروبا، وقد بات الوباء على الأبواب يتهددنا فيجب علينا -اتقاءً لشره وردًّا لغاراته- أن نتدرع بقانون الصحة، فيكون لنا حرزاً حريزاً”. ثم ذكر الإجراءات الاحترازية واحدًا تلو الآخر، مطنبًا في شرحها وبيان فوائدها، غير أن أهم ما جاء فيها وأكثره إثارة للعجب دعوة الكاتب الناس إلى:

– النظافة هي ركن القانون الصحي، وفضل النظافة على التنظيف كفضل الوقاية على المعالجة.
– التطعيم وتجديده لبعض الأمراض لاسيما الجدري لأنه الواقي العجيب من هذا الداء الوبيل، ونحن بانتظار اكتشاف لقاح لباقي الأمراض المعدية.
– عزل المصاب بمرض مُعْدٍ عن السُّلَماء (= الأصحّاء).
– التطهير: أي ملاشاة (= إبادة) الجرثومة في مصدرها وينبوعها بالمستحضرات التي تقتل الميكروبات، أو بالمطاهر والمخانق البخارية، أو بالهواء السخن الذي يطهر الثياب والفرش والأثاث بقوة الحرارة.

المصدر : الجزيرة