إيران والإخوان المسلمون .. الجذور المشتركة

ترجمة: مدني قصري*

قد يبدو أنّ الانقسام الطائفي التاريخي سيُبقِي رجال الدين الشيعة في إيران وجماعة الإخوان المسلمين السنّية منفصلين عن بعضهم البعض، لكن في الواقع هناك الكثير من القواسم المشتركة بين القوتين. إنّه ليس مجرد تحالف تكتيكي؛ إذ يرتبط هذان الكيانان بالأيديولوجيا وبعلاقات تاريخية أخرى على المستوى الشخصي وعلى مستوى السياسيين وغير ذلك.

قام مجتبى ميرلوحي، المعروف باسم نواب صفوي (1924-1956)، بتأسيس جماعة فدائيي الإسلام عام 1946، وهي أول جماعة إسلامية متشددة في إيران الحديثة، لعب الصفوي دوراً مهماً في ربط الإسلاميين الشيعة بالحركات الإسلامية من دول أخرى.

مجتبى ميرلوحي، رجل دين شيعي وزعيم منظمة “فدائيو الإسلام”، الأصولية الإيرانية، وكان يدعو إلى نبذ التفرقة الطائفية بين المسلمين. أعدِم نواب صفوي رمياً بالرصاص في 18 كانون الثاني (يناير)  1956بسبب معارضته لشاه إيران رضا بهلوي.

كان لصفوي لقاءات مع الشاه محمد رضا بهلوي والرئيس السوري أديب الشيشكلي، وياسر عرفات أيام دراسته في القاهرة، كما التقى سيد قطب، وسافر إلى القدس ودعا إلى مناهضة هجرة اليهود إليها. وزار القاهرة وألقى خطابات حماسية دعاهم فيها إلى طرد الإنجليز وتأميم القناة.

وأثناء زيارته للقاهرة، قوبل صفوي بحماس شديد وترحيب حار من قبل الإخوان المسلمين الذين رافقوه لزيارة مراقد أهل البيت في مصر. وفي خطاب له في إحدى جامعات القاهرة، انتقد صفوي، جمال عبدالناصر لاعتقاله عناصر الإخوان.

تأثير أيديولوجية قطب في صياغة الخطاب الثوري المناهض للشاه

على المستوى الأيديولوجي، ووفقاً لأدبياتهم، ليس من الصعب التعرف على النقاط المشتركة بين إيران الإسلامية والإخوان المسلمين، فهناك ثلاثة جوانب أيديولوجية مهمة: إقامة دولة إسلامية حيث يجب أن يسود القانون الديني والشريعة كنظام حكم عالمي للفرد والمجتمع؛ الترويج للإسلام الأوروبي الشامل في محاولة لتوحيد الأمة (الجالية المسلمة) واستبدال النظام الدولي للدول؛ وكراهية عنيفة تجاه الغرب، تدعمها نظريات التآمر، بما في ذلك معاداة السامية.
تعود الروابط بين رجال الدين الثوريين في إيران وجماعة الإخوان المسلمين إلى ما قبل تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران في عام 1979.

في عام 1954، سافر نواب صفوي إلى مصر للقاء سيد قطب، الأيديولوجي السامي في جماعة الإخوان المسلمين. يؤمن قطب وصفوي بنفس النهج الذي تتبعه الحاكمية والجاهلية، والجهاد، والحاجة إلى سد الفجوة الشيعية والسنّية، لتشكيل جبهة مشتركة ضد تغريب العالم الإسلامي.
أُعدِم صفوي في عام 1956 بعد محاولة اغتيالرئيس الوزراء الإيراني -وأرسِل قطب إلى حبل المشنقة بعد 10 أعوام بسبب مؤامرة مماثلة في مصر- ولكن التلاقح بين الأفكار الذي شرع فيه الرجلان ظلّ مستمراً. لقد تم استيعاب رجال الصفوي وأفكارهم التي تأثرت بالإخوان المسلمين من قبل الحركة الثورية في إيران التي قادها آية الله الخميني في سبعينيات القرن الماضي، وساهمت أيديولوجيا قطب بشكل كبير في صياغة الخطاب الثوري المناهض للشاه والذي سبق سقوط النظام الملكي.

خامنئي يترجم كتابين لسيد قطب قبل الثورة

تجدر الإشارة إلى أنّ المرشد الأعلى الإيراني الحالي، علي خامنئي، قد انجذب إلى السياسة بعد لقائه مع الصفوي واقتناعه بتمسك الصفوي بمفاهيم سيد قطب. لدرجة أنّ خامنئي خصص وقتاً طويلاً لترجمة كتابين لسيد قطب قبل الثورة، وما يزال خامنئي معجباً بمنظور قطب حول الإسلام باعتباره “نظاماً ثورياً للحكم السياسي والاجتماعي”. يمكن للمرء أن يرى تأثير قطب على الثيوقراطية الإيرانية بطرق أخرى، أصغر. على سبيل المثال، تم إصدار طابع بريدي عليه صورة سيد قطب في إيران بعد استيلاء الملالي على السلطة.

مفاهيم ماركسية في قلب العقيدة الدينية

في هذا السياق، ليس من المستغرب أن ترسل مختلف فروع الإخوان المسلمين العالمية، وفوداً إلى باريس لتهنئة آية الله الخميني عشية عودته المنتصرة إلى إيران (كان ذلك بعد رحيل الشاه، وفقط قبل انقلاب الإسلاميين ضد الحكومة الإمبراطورية). عمل عملاء الخميني في الغرب، مثل إبراهيم يزدي، لأعوام مع مسؤولي الإخوان المسلمين، وكذلك فعل العالم الإسلامي الإيراني البارز علي شريعتي، المقيم في بريطانيا، والذي لعب دوراً رئيسياً في خلق ما يسمى بنزعة “الملا الأحمر” في الثورة؛ اندماج المفاهيم الماركسية مع العقيدة الدينية.

عمر التلمساني يدعم الخميني سياسياً

في كانون الثاني (يناير) 1982، صرّح عمر التلمساني، المرشد الأعلى لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، لإحدى الصحف الأسبوعية المصرية قائلاً: “لقد دعمنا الخميني سياسياً، لأنّ الشعب المظلوم تمكّن من التخلص من حاكم قمعي، واستعادة حريته”. بالطبع، في ذلك الوقت، فرضت الحكومة الثيوقراطية في إيران نظاماً قمعياً أكثر مما سبق، وذبحت عشرات الآلاف من المعارضين السياسيين. باستثناء بيجان جزاني Bijan Jazani ورفاقه، وهم إرهابيون شيوعيون قُتلوا في سجن إيفين عام 1975. بالمقابل لم تلجأ حكومة الشاه مطلقاً إلى الإعدام من دون محاكمة ضد سجناء سياسيين. على العكس من ذلك، قام الشاه بتخفيف أحكام الإعدام بشكل روتيني، حتى بالنسبة للإرهابيين، وخاصة أولئك الذين استهدفوه شخصياً.

النظام الإيراني يحتفي بشخصيات الإخوان

استوعب النظام الديني الإيراني جوانب من أيديولوجية الإخوان المسلمين، ويحتفل ببعض شخصياته التاريخية، أمثال؛ خالد الإسلامبولي، الإسلامي المتأثر بسيد قطب، والذي قتل الرئيس المصري أنور السادات في عام 1981. لقد أشادت طهران بالإسلامبولي كبطل إسلامي وكرمته بشارع سمي باسمه لأكثر من عقدين، إلى أن أعيدت تسميته عام 2004 عندما سعت إيران لتحسين العلاقات مع مصر.

الثورة الإيرانية تحفّز إخوان مصر

على جانب جماعة الإخوان المسلمين، كان إغراء الثورة الإيرانية مصدر إلهام للاعتقاد بأنّ الثورة الإسلامية كانت ممكنة. فإذا سقطت إيران، التي كان زعيمها، الشاه، الأقوى في المنطقة والأقرب إلى الغرب، في أيدي الثيوقراطيين، فإنّ هذا يعني أنّ حلم الإخوان المسلمين في أن تكون لهم دولة إسلامية خاصة بهم في أماكن مثل مصر، أمر واقعي وليس مستحيلاً.

حركة النهضة التونسية تتبنى لغة الثورة الإيرانية 

علاوة على ذلك، فالإخوان المسلمون، وهم حركة ولدت جزئياً استجابة للنفوذ البريطاني في مصر في عشرينيات القرن العشرين، يرون أنّ الثورة الإيرانية كانت جذابة للغاية؛ لأنها تبنّت خطاب المظلومين والمحرومين، من خلال الوقوف ضد دمية تابعة للإمبريالية الغربية.

ليس مهمّاً إن كان هذا خطأً، -كان الشاه في ذلك الوقت أكثر استقلالية عن الغرب مما كان عليه- فالأهم من ذلك، كما أوضح زعيم جماعة الإخوان المسلمين التونسية راشد الغنوشي لاحقاً، هو اللغة التي أعطتها الثورة الإيرانية للإسلاميين من أجل “أسلمة  بعض المفاهيم الاجتماعية اليسارية ومن أجل استيعاب الصراع الاجتماعي في سياق إسلامي”.

مع مرور الوقت، تطورت جماعة الإخوان المسلمين، على الأقل على السطح؛ حيث أبعدت نهجها عن نهج رجال الدين الثوري الإيراني.

ومن الأسباب الهامة لهذا الوضع هو إدراك الإخوان أنه من دون موافقة الغرب، لن يتمكنوا من الاستيلاء على زمام السلطة. وقد تجلى هذا في الجزائر في عام 1992، عندما قام المجلس العسكري، بدعم ضمني من الغرب، بإلغاء الانتخابات التي فاز بها الإسلاميون، وهو ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية مروعة، انتهت بهزيمة وتشويه الإسلاميين.
وقد تجلى هذا مرة أخرى في غزة في عام 2006 عندما فاز الجناح الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، أي حماس، في الانتخابات، ولكن بسبب تطرفها.. تم عزلها وتحييدها تحت راية الحرب العالمية ضد الإرهاب.
وحتى تفلت من هذا الوضع، تبنّت جماعة الإخوان المسلمين نهجاً جديداً، بادعائها أنّها مختلفة كل الاختلاف عن الجهاديين، مع اعتمادها لغة الديمقراطية والإصلاح وحتى الليبرالية، وهو الطريق الذي لا يمكن للقادة الإيرانيين، مع عدائهم الشديد تجاه الغرب، أن يدعموه.

دور الجغرافيا السياسية في انفصال الإخوان عن الثيوقراطية الإيرانية

هناك عامل مهمّ آخر وهو الجغرافيا السياسية. سرعان ما انفصل الإخوان المسلمون عن الثيوقراطية الإيرانية في أوائل الثمانينيات. وكما يوضح ذلك المحلل رافائيل ليفيفر في كتابه، “رماد حماة” Ashes of Hama، فعندما وقفت جماعة الإخوان المسلمين السورية ضد النظام السوري في عهد حافظ الأسد، تلقت دعماً واسعاً من منافس الأسد البعثي في بغداد، صدام حسين. كما قام رجال الدين الإيرانيون، الذين انخرطوا آنذاك في حرب وحشية ضد نظام صدام، بدعم الأسد في قتاله ضد الإخوان المسلمين في سوريا. وقد تم قمع انتفاضة الإخوان المسلمين في سوريا في مدينة حماة في شباط (فبراير) 1982 في مذبحة أسفرت عن مقتل 20000 شخص.

تأثير الحرب السورية على العلاقة بين الإخوان وإيران

الإخوان المسلمون في سوريا لم يغفروا أبداً للحكام الإيرانيين. ومع ذلك، تمكنت معظم فروع الإخوان المسلمين من تجاوز هذه الحلقة، ومن خدمة هدف إيران المتمثل في بناء “جسر لتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي السنّي”. انتهى ذلك مع الجولة الثانية في سوريا: اندلاع التمرد ضد بشار نجل حافظ، في عام 2011، والذي تحول إلى اشتباك طائفي إقليمي مع إيران المنخرطة إلى جانب الأسد، مع توفير معظم القوات البرية التي أبقته في السلطة.

تسببت الحرب السورية في أضرار لا يمكن إصلاحها -على الصعيدين السياسي والتنظيمي- للعلاقات بين النظام الإيراني والإخوان المسلمين، على الرغم من أنّ التعاون التكتيكي سيستمر بلا شك عند الاقتضاء بين كلا الطرفين.

نهج الإخوان بعد “الربيع العربي”

تم اختبار النهج الجديد للإخوان المسلمين في الميدان بعد ما يسمى بـ “الربيع العربي” في تونس ومصر بشكل خاص. حزب النهضة، وهو الفرع المحلي للإخوان المسلمين في تونس، انتقل بعد محاولته الحكم بمفرده، في أوائل عام 2014 إلى نهج أكثر توافقياً؛ حيث توصل إلى اتفاق قابل للتطبيق مع القوى العلمانية الوطنية. فمن المحتمل أنّ قرار النهضة قد تأثر بما حدث في مصر؛ حيث حاول الإخوان المسلمون الحكم بمفردهم فطردهم الجيش في تموز (يوليو) 2013 بعد أن انقلبت احتجاجات الشوارع ضدهم.

في العام الذي كانت فيه جماعة الإخوان المسلمين في السلطة في مصر، قام رئيسهم محمد مرسي بتحسين علاقات مصر مع إيران. ففي آب (أغسطس) 2012، ذهب مرسي نفسه إلى إيران، وهي أول زيارة يقوم بها زعيم مصري لإيران منذ الثمانينيات، عندما قطع البلَدانِ العلاقات الدبلوماسية بينهما. وقد حضر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قمة إسلامية في القاهرة في شباط (فبراير) 2013.

سعت إيران إلى تعزيز العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، من خلال دعم الاقتصاد المصري، وخاصة برنامجها لترويج السياحة المصرية لدى الإيرانيين، وتوفير النفط وتفعيل اتفاقيات تجارية مختلفة. من جانبه، وجّه الرئيس المصري المعزول الراحل الدبلوماسية المصرية لصالح إيران في مواجهتها مع المجتمع الدولي حول برنامج طهران النووي..

حماس أقرب صلة بين إيران والإخوان

في الوقت الحالي، أقرب صلة وثيقة بين النظام الإيراني والإخوان المسلمين، هي بلا شك، حماس، التي تتلقى أيضاً الدعم، بتسيير من إسرائيل، من قطر، الدولة الإقليمية الرئيسية التي ترعى الإخوان المسلمين. كما أنّ لطهران علاقات وثيقة مع حركة الجهاد الإسلامي، وهي حركة كان يقودها في السابق زعيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري.

ويواصل القادة الإيرانيون الاحتجاج على سقوط سلطة الإخوان المسلمين في مصر ويعارضون علانية الجهود المبذولة للحد من تأثير الإخوان المسلمين بشكل قانوني. فيما وراء هذا الدعم الخطابي، ليس من المستحيل أن نتخيل أنّ إيران يمكنها إقامة علاقات من نوع علاقتها بحماس مع فصائل أخرى من جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة الجماعات المنشقة العنيفة في مصر.. بعد كل هذا، سيصبح هذا مطابقاً لـ”نموذج حزب الله” لجمهورية إيران الإسلامية، مع وكلائها وأدواتها الإرهابية، والتي كانت السمة المميزة لبراعتها السياسية منذ عام 1979.


المصدر: eeradicalization.com/fr

*عن موقع “حفريات”