سمير داود حنوش
تعوّد الرأي العام في الدول المتقدمة أن يكون المؤتمر الصحفي للمسؤول أو السياسي في تلك الدول ذات الأنظمة الديمقراطية الحقيقية فرصة سانحة للرأي العام للإلتقاء المباشر بهذا المسؤول والمواجهة وجهاً لوجه لطرح الأسئلة عليه والتي ربما يكون بعضها مُحرجاً للمُجيب، للتعرف على مقدرة هذا السياسي الفكرية ومدى إستيعابه لردود أفعال السائلين، بل وإن هناك بعض الدراسات النفسية التي تؤكد أن تعابير وجه المسؤول وحركاته قد تفضح الجواب قبل الإجابة على السؤال.
أما عن مكان المؤتمر الصحفي فلا يُحدده أي مكان فمن الممكن أن يقام المؤتمر الصحفي في حديقة أو في تجمع أو حتى في ساحة. أما نحنُ البلدان الفتية في الديمقراطية فالوضع مختلف فغالباً مايكون المؤتمر الصحفي عبارة عن قاعة تتوسطها منصة يقف أمامها مُتحدّث بأسم رئيس الوزراء ليستعرض إنجازات الحكومة وكأنه يُلقي خطبة عصماء لشاعر من شعراء الجاهلية في أسواق المدينة والغريب أن تعدد أنواع المتحدثين لايحدث إلا في العراق، حيث نجد مُتحدّث بأسم رئيس الحكومة ومُتحدّث بأسم مجلس الوزراء وربما مُتحدّث بأسم الحكومة وهو وضع مُتخلف يدل على مدى الجهل الإعلامي وترهل في الحلقات الوظيفية (الفضائية) فلم نسمع يوماً أن هناك مُتحدّث رسمي بأسم (ترامب مثلاً) وهذا يعكس عدم وعي وشجاعة المسؤول عندنا في مواجهة الرأي العام. إضافة الى جهل الكثير من المُتحدثين أبجديات النقاش والحوار.
والصورة لا تكتمل إلا بوجود مجموعة من الصحفيين مثل (الكومبارس) مع الإعتزاز لزملاء المهنة لكي يزداد يقين الرأي العام أن الديمقراطية لم ترحل عن هذا البلد بالرغم من القتل والتشريد وتكميم الأفواه.
بعد الشرح الحكومي للمُنجزات والمُقررات يبدأ هؤلاء الصحفيون بطرح الأسئلة على المُتحدّث وأكاد أُجزم أن أغلب الأسئلة يعرف سائليها الأجوبة مُسبقاً لكن السؤال قد يكون مفروضاً على الصحفي مِن قبل مؤسسته الإعلامية التي يعمل فيها، أو عدم دراية إعلامية بنوعية الأسئلة الواجب طرحها أو ربما لجهل بنوعية السؤال الذي يدور في ذهن المواطن البسيط.
إستوقفتني حادثة وأنا أكتب هذه السطور لأحد وزراء حكومة الجعفري السابقة عندما أراد أن يُقيم مؤتمراً صحفياً يستعرض فيه إنجازات وزارته حيث تفاجئ الحاضرين قيام المكتب الإعلامي للوزير بتوزيع قصاصات ورقية عليهم تتضمن أسئلة من المُفترض طرحها على الوزير، وللأمانة فأن البعض من هؤلاء الصحفيين إستهجن هذه الطريقة في مبدأ الحوار بل ورفضها فيما غادر القسم الآخر قاعة المؤتمر.
المشكلة في مؤتمراتنا الصحفية أن هناك هوّة أو فرق شاسع بين السائل والمسؤول وهو التناقض المتمثل في أن المسؤول يرى نفسه أنه ذلك المقدس الذي يجب أن لايُحاسب أو يُناقش لأنه فوق الجميع بما في ذلك القانون، بينما لازال الكثير من الصحفيين يعيشون حالة من الجهل من أن سلطتهم الرابعة لا تقل شأناً عن سلطة المسؤول أو أن عقول البعض لازال يقبع في مُخيلتها ذلك الإعلام الحكومي الذي كانت تمتاز به الأنظمة الشمولية بحيث تجعل الصحفي يقف بكل ولاء وطاعة أمام المسؤول ويتناسى هذا الصحفي أن السؤال كلما كان جريئاً أو شُجاعاً كلما نجحت مهنية ومصداقية هذا الإعلامي أو ذاك (هذا على الأقل ماتعلمناه من أبجديات الإعلام في كُلياتِنا) ولذلك ستبقى مؤتمراتنا الصحفية عبارة عن تجمعات بروتوكولية أو هامشية لاتُغني ولاتُسمن مادامت هناك فوارق مُصطنعة بين السائل والمسؤول لأن كلاهما ينتمي الى عالم مُختلف فالمسؤول لازال يُفكر بعقلية القائد الشمولي الذي لايُخطئ، فيما لم تُغادر عقلية الكثير من الصحفيين ذلك الدور (الببغاوي) الذي إمتاز به الإعلام الشمولي ولازال يسيطر على تفكيرهم. ولذلك أصبحت أكثر المؤتمرات الصحفية للمسؤولين عبارة عن وقت مُستقطع أو ضائع لا يتعدى أن يكون دعاية حكومية أو ظهور إعلامي لايستطيع تقديم أي جواب أو حلّ لمشاكل المواطن اليومية.