يبدأ عصر الأسر الفرعونية بالنسبة لكثيرين في مصر القديمة من نحو 3100 عام قبل الميلاد، ويضم الأسرتين الأولى والثانية اللتين يبدأ بهما التاريخ المدون لعصر هذه الأسر، ولكن قبل ذلك بفترة طويلة ازدهرت شعوب العصر الحجري الحديث (نحو 9300-4000 قبل الميلاد)، غير أن هذه الشعوب لم تتم دراستهم مقارنة بخلفهم من قدماء المصريين.
واليوم تتواصل الاكتشافات المذهلة للآثار والقبور القديمة، التي تخبرنا بأساليب حياة القدماء، وبعض أسرار التطور الذي عرفته الإنسانية عبر العصور.
ويذكر موقع “سوبر كوريوسو” (Super Curioso) الإسباني أن من بين هذه الحضارات الأكثر إثارة للفضول لدى العلماء وعامة الناس الحضارة المصرية القديمة، التي كانت تتميز بمجتمع منظم بطرق مذهلة، وشيدت أبنية عملاقة تخطف الأبصار، وطورت نظم حياة فريدة من نوعها، إلا أن التساؤلات لا تزال مطروحة حول الأصول العرقية للمصريين.
من أين ينحدر المصريون؟
يقول الموقع إن العديد من الدراسات والاكتشافات أجريت في هذا الصدد، إلا أن العلماء لا يزالون غير متأكدين من الإجابة عن هذا السؤال، ولهذا فقد كثرت التخمينات، التي تراوحت بين نظرية المؤامرة والقصص الأسطورية والاختبارات الجينية.
واعتمد العلماء بشكل كبير على دراسة الكتابات الهيروغليفية ونبش القبور وفحص المومياوات؛ لتقديم إجابة مقنعة حول أصول المصريين، وحتى الآن لا تزال البشرية بعيدة عن معرفة الحقيقة الكاملة في هذه المسألة.
وكما في باقي الثقافات في العالم، فإن المصريين القدماء أيضا فسروا أصولهم حسب الأساطير الموجودة في معتقداتهم، ويعتقد هؤلاء أن “رع” (إله الشمس) هو الذي أوجد سكان مصر القديمة.
ولكن بعيدا عن الأساطير حول هذا الأمر، جرت أبحاث أكاديمية تستجيب للمعايير التاريخية والعلمية. وخلال القرن الأخير، كان يُعتقد أن أصول هذه الحضارة تعود إلى بلاد تسمى البنط، وهذا الاعتقاد جاء بناء على الكتابات الهيروغليفية القديمة، ولكن موقع هذه البلاد لم يتم تحديده بشكل دقيق، وربما يكون موجودا بين الساحل الأفريقي والمحيط الهندي.
ويشير هذا الاعتقاد إلى أن هؤلاء هم سكان أفريقيا القدامى، الذين استقروا على ضفاف نهر النيل، وبعد أن طوروا مجتمعاتهم المحلية، جاء غزاة من الشمال وسيطروا عليهم؛ وهو ما أعطى مجالا لظهور حضارة متطورة تحولت إلى سلالة كاملة من حكام مصر القديمة.
ما الذي يعتقده العلماء اليوم؟
إلى جانب النظريات والأساطير الشائعة، يواصل العلماء القيام بأبحاث وإحراز تقدم ملموس في بلوغ الحقيقة، أو على الأقل تقديم تفسيرات أكثر واقعية وصلابة. ويُعتقد حاليا أن أصول المصريين تعود إلى ما قبل ظهور الكتابة، وهي فترة في تاريخ البشرية تسمى “عصور ما قبل التاريخ”، وتقع بين العصرين الحجري والبرونزي.
ويعتقد أنه في حوالي عام 6 آلاف قبل الميلاد جاءت مجموعة من السكان للاستقرار على ضفاف وادي النيل، وهم في الأصل رعاة أغنام جاؤوا من ليبيا ونوميديا في شمال أفريقيا، وجاءت بعدهم مجموعات أخرى من الرُّحَّل من إثيوبيا وشبه الجزيرة العربية، وربما يكون اتحاد كل هذه الأعراق هو العامل الذي أدى إلى صعود الحضارة المصرية القديمة.
التحليل الجيني
للبحث عن أصول المصريين الجينية، يقول الموقع إن أغلب النظريات والتفسيرات المشار إليها أعلاه تم استخلاصها من الرسوم في الكهوف والكتابات على ورق البردي والحفريات في المواقع الأثرية، ولكن هناك مصدرا آخر مهما لحل ألغاز المصريين القدامى، وهو “المومياء”، وهي أجسام الموتى التي تم حفظها وقتا طويلا عبر عملية التحنيط.
وشاركت مجموعة من العلماء من مختلف التخصصات في مشروع، بدعم من جامعة توبنغن ومعهد ماكس بلانك في ألمانيا؛ في محاولة لتحليل بقايا المومياوات واستخراج حمضها النووي. وهذا الأمر مثّل تحديا كبيرا بسبب المواد والتقنيات المستخدمة لتحنيط الموتى، ودرجات الحرارة والرطوبة المرتفعة التي حُفظت فيها المومياوات، وهو ما صعّب عملية أخذ العينات. إلا أن هؤلاء العلماء تمكنوا من استخراج الحمض النووي “للميتوكوندريا” من 90 مومياء، وتمكنوا من تحديد تسلسل الجينوم الكامل لـ3 مومياوات.
وكان الهدف الأساسي من هذه الدراسة هو معرفة إذا كان المصريون مرتبطين بأعراق أخرى قد تبدو معزولة عنهم، مثل العرق القوقازي السائد في أوروبا وشمال أفريقيا وآسيا؛ ولهذا الغرض قاموا بمقارنة الحمض النووي الموجود في المومياوات المصرية مع الحمض النووي للسكان الحاليين لمصر، من أجل تحديد الفروق في تطور هذا العرق وتحديد الاختلاطات والتلاقح الذي حدث بين الأجناس بسبب الهجرة؛ والنتيجة كانت مذهلة.
حيث أصيب العلماء بالدهشة بعد أن تبين أنه رغم مرور 5 آلاف سنة من التطور، وهي مدة طويلة فصلت بين المصريين القدامى والحاليين، فإنه لم تحدث تغيرات كبيرة في الحمض النووي؛ وهذا يعني أن سكان مصر حافظوا على خصائصهم منذ تلك الفترة، رغم وجود فرق بسيط في الجينات التي تشير إلى الأسلاف؛ إذ وجد العلماء أن المومياوات القديمة ظهرت فيها جينات الشرق الأوسط بشكل واضح، في حين كان المصريون الحاليون أكثر ارتباطا بأفريقيا جنوب الصحراء.