لماذا استبعدت الولايات المتحدة تركيا من برنامج مقاتلات “أف-35” ولماذا ستزداد التوترات بينهما؟

سونر چاغاپتاي*

يُعتبر اتخاذ البنتاغون الخطوة غير المسبوقة بوقف مشاركة تركيا في مشروع تطوير مقاتلات “أف-35” الأمريكي الريادي في وقت سابق من الأسبوع الماضي رداً على قرار أنقرة شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية “أس 400”، خير دليل على الآفاق القاتمة للعلاقة الأمريكية-التركية. فمشروع أف-35 سيكون ركيزة لتعاون بين الولايات المتحدة وحلفائها لعقود مقبلة. وهو مستقبل من المستبعد أن يشارك فيه الجيش التركي.

فلنحو سبعة عقود منذ دخول تركيا حلف “الناتو” عام 1952، عقب التهديدات والمطالب الروسية بأن تسلّم أنقرة أراضيَ تركية إلى موسكو، كانت العلاقات العسكرية بمثابة داعم للروابط الثنائية بين أنقرة وواشنطن. وفي عام 2002، حين بدأتُ عملي كمحلل في واشنطن، كان الجيش الأمريكي من أشدّ المعجبين بتركيا في العاصمة الأمريكية. وكان البنتاغون يعتبر تركيا، التي تملك ثاني أكبر جيش في “الناتو” وتتميز بأكبر اقتصاد بين ألمانيا والهند، حليفاً موثوقاً به وقاعدة صلبة لهيكل أمني إقليمي يخدم مصالح الولايات المتحدة في أوروبا ومنطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط. واليوم، أصبح الجيش الأمريكي العدو الأكبر لأنقرة في واشنطن.

وعلى هذا النحو، يمثّل إنهاء مشاركة تركيا في مشروع تطوير “أف-35” بسبب امتلاكها منظومة روسية مؤشراً على المشاكل بين الولايات المتحدة وتركيا وليس مشكلة بحدّ ذاتها. وكانت الحروب في دولتين مجاورتين لتركيا، العراق وسوريا، هي التي ساعدت على تحفيز هذا التغيير وتدمير العلاقة. وبشكل خاص، أرادت الولايات المتحدة أن تقوم بالكثير في العراق في حين رغبت تركيا في القيام بالقليل، وفي سوريا كان العكس صحيحاً.

وبعد دعم حملة الولايات المتحدة عام 2001 ضد تنظيم «القاعدة» في أفغانستان في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 الإرهابية، مثّلت حرب العراق المرة الأولى التي توقف فيها تركيا دعمها غير المشروط للحروب الأمريكية. وأتى هذا التوقّف في عهد رئيس الوزراء الجديد رجب طيب أردوغان وفي إطار نسخة الإسلام السياسي الذي اعتمدها وحزبه حين تولى السلطة في عام 2003. وأصبح رئيس تركيا في عام 2015، ليكون بالإجمال قد أحكم قبضته على سياسة تركيا الخارجية للسنوات الست عشرة الماضية.

وقد اعترض أردوغان على الحملة التي شنتها أمريكا على العراق في 2003، محذراً، ما كان محقاً، من أن الحرب ستطلق شرارة الفوضى في الشرق الأوسط. فضلاً عن ذلك، ومن خلال إضعاف المؤسسات الرئيسية في العراق، بما في ذلك الجيش، ترك الصراع أنقرة أمام تحدي التعامل مع دولة فاشلة على حدودها.

وفي سوريا، كانت أنقرة الدولة التي لجأت إلى استخدام السلاح، متطلعةً إلى الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد من دون الحصول على إجماع دولي أو تحالفات إقليمية لتحقيق هذا الغرض. وكانت الانتفاضة العربية قد وصلت إلى سوريا في عام 2011 أي بالتزامن مع تقديم أردوغان نمواً اقتصادياً استثنائياً وحصوله على دعم شعبي هائل. وبتغطرس، اعتبر الثورة السورية فرصةً لاستبدال دكتاتورية الأسد – العلماني والقومي العربي بطبيعته – بقيادة أقرب إلى نموذجه الخاص من الإسلام السياسي.

لكن صديقيْ نظام الأسد – روسيا وإيران – نجحا في التصدي لرؤية أردوغان ووكلاء أنقرة في سوريا، الذين أثبتوا أنهم قوة ضعيفة. وبغية مواجهة الانتشار العسكري الروسي ووكلاء إيران، على غرار «حزب الله»، غضّت أنقرة الطرف عن المقاتلين المتشددين الذين يعبرون من تركيا إلى سوريا لمحاربة نظام الأسد وحلفائه.

غير أن تركيا لا تتعاون مع الجهاديين بل لديها حسابات تعتبر أنه في حال سقوط الأسد، سيتولى “الأشخاص الصالحون” (أي المتمردين المدعومين من أنقرة) زمام الأمور الذين سيطهرون بدورهم البلاد من “الأشرار” (أي الجهاديين). لكن هذا التصوّر كان خاطئاً إذ إن بعض “الأشرار” على الأقل ممن وصلوا إلى سوريا أصبحوا مقاتلين في تنظيم «الدولة الإسلامية» المسلح أمام أنظار أنقرة.

ولم تساهم هذه الرؤية القصيرة النظر وبروز تنظيم «الدولة الإسلامية» سوى في تعزيز الشعور السلبي داخل البنتاغون حيال أنقرة. في هذه الأثناء، استاء أردوغان من عدم تقديم أمريكا دعماً كافياً له للإطاحة بعدوّه في دمشق.

هذا وتدهورت نظرة أردوغان أكثر فأكثر إزاء الجيش الأمريكي في 2014 بعدما بدأ البنتاغون يتعاون مع “وحدات حماية الشعب لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا. يُذكر أن هذه الوحدات هي أحد فروع «حزب العمال الكردستاني» المصنّف جماعة إرهابية من قبل أنقرة وواشنطن على السواء والذي يحارب تركيا منذ عقود. وليس أردوغان وحده بل معه العديد من الأتراك ممن لن يسامحوا الرئيس باراك أوباما على قراره التعاون مع أحد فروع عدو تركيا اللدود بدعم من الجيش الأمريكي.

في الوقت نفسه، ساهمت المخاوف المتزايدة من أن تهاجم تركيا حلفاء الولايات المتحدة على الأرض، أي «وحدات حماية الشعب»، في حين لدى البنتاغون عناصر عسكرية تقاتل إلى جانب هذه القوات، في امتعاض الجيش الأمريكي أكثر من أردوغان.

للأسف، من المرجّح أن تزداد وجهات النظر هذه ترسخاً في الوقت الراهن. على سبيل المثال، ينظر بعض الضباط على الأقل من “القيادة المركزية”، الجناح المسؤول في الجيش الأمريكي عن المشاركة في النزاعات في الشرق الأوسط، إلى تركيا على أنها عدو في هذه المرحلة. فالعديد من ضباط “القيادة المركزية” ستعلو رتبهم خلال السنوات القادمة، ما يساهم في تنامي وجهة النظر السلبية هذه إزاء تركيا في واشنطن.

من جهته، لا يزال أردوغان يحكم قبضته على السلطة. كما أن لائحته للتجاوزات الأمريكية لا تنفك تكبر، ولا سيما الدور الذي اتهم الولايات المتحدة بالاضطلاع به في الانقلاب الفاشل ضده في عام 2016. فخلال هذه المحاولة الفاشلة، بدا أن الضباط المتحالفين مع رجل الدين فتح الله غولن – الذي يعيش في الولايات المتحدة ولم يتمّ ترحيله رغم طلبات تركيا – قد لعبوا دوراً رئيسياً.

وأخيراً، أرى مستقبل العلاقات الأمريكية-التركية قاتماً. فالتطورات خلال العقدين الماضيين قد ساهمت في انقسام وجهات النظر الاستراتيجية الأمريكية والتركية حيال بعضهما البعض، ومن المستبعد أن تلتقي هذه الوجهات ومن يطبقها في أي وقت قريب – ما لم تكرر روسيا بالطبع الخطأ نفسه الذي ارتكبته في بداية الحرب الباردة، مهددةً أنقرة ودافعةً بتركيا إلى أحضان واشنطن مجدداً.

سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن والمقال منشور في موقع المعهد.