وجد مبدعون مغاربة في جائحة كورونا، وما رافقها من تباعد وإغلاق وتقوقع، مصدر إلهام ودافع إبداع أعمال جديدة، ولم يقف هؤلاء مصدومين أمام دهشة الحدث، بل أطلقوا العنان لخيالهم وأقلامهم للتفاعل مع هذا الضيف الثقيل وفك أحجياته.
وبدأت الكاتبة والأستاذة الجامعية المغربية مريم آيت أحمد مغامرتها الإبداعية بعد أقل من شهر من إعلان ظهور الوباء، لتسجل روايتها “تنين ووهان: رحلة حب في جزر كورونا” كأول رواية عربية عن الجائحة.
الشهود الأدبي على العصر
تقول الكاتبة، المتخصصة في الحوار بين الثقافات والأديان، للجزيرة نت، إنها حاولت في سرديتها التعبير بصوت عال عن أحاسيس استشعرها الإنسان في كل مكان وفي نفس الزمان: حصار موحد.. إغلاق موحد للحدود، خوف موحد.. صراع حياة وموت عابر للقارات، مشاهد وأحداث درامية.
كل ذلك دفع مريم آيت أحمد لاستلهام مخيلتها والمضي قدما نحو صفوف الدفاع الأمامي للمساهمة بالتأريخ للحدث في معركة الشهود الأدبي على العصر، وسرد أحداث مشوقة بوقائع اختلطت فيها مشاعر الفراق واللقاء، الارتباك والأمل، المغامرة من أجل البقاء، وقد جسدت محطاتها شخصيات الرواية.
حكاية تنين ووهان -حسب الكاتبة- يتداخل فيها صراع الخير والشر، مكر الإنسان بالقيم، تعيش بطلتها مغامرة الهروب وصراع البقاء والفناء داخل مستشفيات ووهان، مستمدة عناصر تيمتها وشخوصها من بنيات اجتماعية مختلفة، تداخلت فيها قيم عوالم الشرق بالغرب لتحدد مصير العلاقات الإنسانية السائلة الهشة.
حلقات تفاعلية قبل الطبع
الكاتبة التي لها إصدارات فكرية متعددة، استسلمت هذه المرة لسحر الأدب، وحلقت بقلمها في عوالم متعة السرد، وسافرت بأفكارها وخيالها لتواكب أحداث واقع مستجد.
ونشرت مريم آيت أحمد روايتها عبر حلقات تفاعلية في وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تقرر طبعها بعد أن وضعت نقطة النهاية.
توضح أن الناس كانوا خلال ضغط الحجر الصحي في حاجة إلى ما يلبي رغبتهم في الاستماع بلغة السرد الأدبية الروائية، لما يخالج أنفسهم، ويعبر عن مكنونات دواخلهم. لذلك استلهمت فكرة الكتابة السردية التشاركية مع اللحظة، وزعتها بين فصول مكتوبة، وأخرى مجزأة في يوتوب.
تقول “هذا التقسيم تعمدت فيه مواكبة محطات الأحداث، إلى حين اكتمال آخر فصولها. فسجلت فقرات من فصول الرواية بالصوت والصورة، ألقت استحسانا كبيرا لدى جمهور المتابعين لها”.
الإنسان داخل معركة غير مرئية العدو -وفق الكاتبة- يحتاج إلى نبض صوت معبر عن رمزية إرادة التعلق بالحياة وبالأمل، يتابع بشغف كل ما يعبر عن حالاته النفسية، قلقه، تساؤلاته داخل ملحمة صراع البقاء والفناء، بموازين غير متكافئة لحصار فيروس شرس غادِر، يبتلع أمل العيش بسلام رفقة من نحب.
قررت الكاتبة ترجمة روايتها للإنجليزية لنقل أفكارها إلى العالم، والتي بدأت مع آخر ترتيبات النشر، حين أرسلت الرواية لصديقة إنجليزية مستعربة، فأعجبت بجمالية سردية النص وقوة إشاراته الروحانية، فأشارت عليها بضرورة ترجمة النص للإنجليزية، وشجعتها على عدم حصره بالعالم العربي، والسفر به نحو القارئ الذي شارك في ملحمة الوباء حول العالم.
التأمل في اليقينيات المتهدمة
أما الكاتب والإعلامي المغربي عبد العزيز كوكاس، فوجد نفسه خلال فترة الحجر الصحي -كما حكى للجزيرة نت- دون مصدر إلهام، خارج المواضيع التي كان يحتك بها يوميا من الطبيعة والعلاقات الدافئة وصراع الناس وعللهم وأزماتهم، فكان لابد من الانكفاء على الذات.
وكانت تلك الفترة مناسبة ليتأمل في التغييرات والمفارقات التي شهدها العالم واليقينيات التي تهدمت، فكانت ولادة كتابه “في حضرة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر”.
في تقديمه للكتاب، يقول المفكر المغربي محمد سبيلا “الأسلوب المرح الذي يتحفنا به الكاتب والإعلامي كوكاس والذي يأخذنا بعذوبته اللفظية، ويقذف بنا ضمن مراوحاته الدلالية المستطابة، بين مراوغة الموت ومفاكهة العدم، قادر على أن يجعلنا نقتنص لحظات من ظلال المتعة الدفينة في أعماق المأساة”.
حاول صاحب “ذاكرة الغياب، سطوة العتمة، اللعب في مملكة السلطان.. في امتداح النص” في كتابه الجديد أن يلامس “قضايا شائكة ومتشعبة ما يشبه المسودة الأولى للتفكير العميق” حسب ما جاء في مقدمته.
تأملات من وحي الجائحة
يقول كوكاس للجزيرة نت إنه لم يكن يهمه التأريخ لهذه المرحلة بالمعنى الذي يضع حكاية مرض وتاريخه في سياق معين، بل كان همه أساسا التأمل في الأبعاد الجوهرية لهذه الجائحة، فقد تساءل في كتابه عن معنى الموت في غياب طقوس الدفن والحزن، وعن معنى الحياة حين حرم مواليد كورونا من حقهم في الفرح والابتهاج الجماعي بقدومهم، وتساءل عما حدث على مستوى القيم الاستهلاكية الكبرى.
ويضيف أن الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر جعل البشرية تعي معنى دكتاتورية الوباء، وأن تكون تحت سلطة قاهرة لشيء دقيق ورمزي وفيروس لا يرى بالعين المجردة، فالإنسان الذي كان يعتقد نفسه سيد الكون ومستسلما لاطمئنان كسول بقدرته على تطويع الطبيعة، أصبح يعيش حالة من الرعب ويتقوقع على نفسه بعد أن غير جزء من الطبيعة حياته ويقينياته ولا زال يغيرها.
خلص كوكاس من تجربته إلى أن الكتابة خارج الطبيعة والواقع وضجيج العالم لا تعني شيئا، فهي بمثابة قبر من رخام بارد بدون حياة، وإذا كان قد رصد تأملاته المنشورة في كتابه ما غيره الوباء في العالم والناس، فلم يسلم بدوره من التغيير.
فالجائحة، كما يقول، حبسته عن مصادر إلهام كثيرة، لكنها بالمقابل أيقظت الكاتب المبدع فيه، بعدما كانت الصحافة قد ابتلعت وقته، إذ عاد الكاتب وتراجع الصحفي قليلا عن سطوته.