سمير داود حنوش
أكثر من (700) شهيد وما يزيد عن (30) الف جريح ومعوق هو أغلى ثمن وأقسى ضريبة يدفعها شعب لمجرد أنه أراد وطن، ذلك الوطن الذي نحبه بالرغم من كل شيء، وندفع بالغالي والنفيس لأرضائه، ذلك الوطن الذي نزل من أجله الفتية الى ساحة التحرير من أجل إرجاعه عُراة يلتحفون العلم العراقي في علاقة حُب قلّ نظيرها بين عاشق ومعشوق.
“نازل آخذ حقي” شعارهم الذي صدحت به حناجرهم وهم يواجهون أعتى وأشرس عدو تحكمه القنّاصة والكواتم، إنها الثورة التي بشّرت بولادة عراق جديد يعيش أبنائه بكرامة وحرية دون خوف من كاتم صوت يغتال الكلمة أو طعنة سكين في ظلام دامس، لكن الحلم لم يستمر وأستيقظنا مفزوعين لاندري إن كان حلماً، كابوساً، أو أضغاث أحلام.
لم نعد نتذكر سوى جماجم الشهداء وهي تتناثر أشلاءاً على أرصفة الشوارع بفعل الدخانيات القاتلة، وعادت خيم المتظاهرين الى صمتها ووحشتها بعد أن احتضنتهم في ليالي شتاءٍ باردة وممطرة كانوا خلالها يصطفون في طوابير (السرة) للحصول على كاسة لبلبي تُدّفئهم وتحميهم من الرشح.
وأين ذهب أصحاب التُكتُك الذين كنا نغني لهم (أبو التُكتُك علم) وهل عادوا هائمين في شوارع بغداد، وأين أصبح ذلك الطفل الذي كانت تدمع عيناه وهو يسمع النشيد الوطني (موطني..موطني) وهل مازال يتذكر تلك اللحظات. وغادرت ساحة التحرير الى بيتها تلك العجوز التي كانت تطوف على جُرف نهر دجلة وهي تجمع نبات (الخُبّاز) لتطبخه غداءاً للمتظاهرين خاوية تنتظر من يتصدق عليها.
أما المطعم التركي (جبل أُحد) فقد أنطفأت أنواره وعاد مُهملاً ومكاناً لتجميع النفايات، ومن منكم يتذكر لوحات نفق التحرير التي إبتدعتها أنامل الثوار الفتية لتصبح مهجورة بعد أن حمل هؤلاء ألوانهم وفرشهم وغادروها.
لم يبق من الثورة غير الذكريات وصور الشهداء وهي شاخصة تنظر في وجوهنا وتسأل ماذا جنتْ دمائنا؟ وأين أصبحت تضحياتُنا؟ وليت هؤلاء الشهداء ينهضون من قبورهم ليروا كيف عادت نفس الوجوه المقززة وعادوا كما كانوا وظلوا لصوصاً وسُراقاً وقتلة.
لم يتغير شيء وظلت الطائفية والمحاصصة والفساد واللصوصية هي سيدة الموقف، بل لقد ذهبوا الى أبعد من ذلك عندما امتدت أياديهم الى المستنقعات والمياه الآسنة لتستخرج لنا قاذورات وأوساخ يتم تلميعها وتنظيفها وعرضها في واجهات زجاجية للعرض كوجوه مُنقذة، إستيقظوا يا شهداء تشرين لتروا أن ثورتكم لم يتبق منها سوى صوركم وهي تسأل بأي ذنبٍ قُتلنا؟.
يقولون بأن الثورة قادمة وبكل قوة لا محالة، قلنا لهم إذا كان تغيير وجه واحد من آل فرعون قد كلفنا آلاف الشهداء والجرحى فكيف ستكون القرابين عندما يُريد الشعب تغيير جميع وجوه هذه الطبقة السياسية الفاسدة..!