عماد حجاج.. خارج النص

معن البياري*

يستحق برنامج “خارج النص” في قناة الجزيرة أن يوصف بأنه من أفضل الأعمال التلفزيونية على الفضائيات العربية. نوعُه شحيح الحضور على الشاشات، ولا تتحمّس له مؤسسات إنتاج الأعمال التلفزيونية، ذلك أنه يضيء على إبداعاتٍ وتجارب فنيةٍ وأدبيةٍ، وعلى طروحات فكرية، تعرّضت للمنع أو للرقابة المشدّدة أو لجدل عاصف. اعتنت الحلقة الجديدة من البرنامج، الأسبوع الحالي، بما عانى منه زميلنا في “العربي الجديد”، رسّام الكاريكاتير الأردني، عماد حجاج، من مكابداتٍ مع الرقابة، وما يحاوله دائماً في الاحتيال عليها، منذ بداياته في الصحافة الأردنية، مطالع التسعينيات. وأضاءت الحلقة على تجربته الفنية، ومساراتها، وما انشغلت به من قضايا وهمومٍ أردنية، ومضامين عربية وإنسانية، ظلت السخرية جوهرها الأهم، مع انحيازٍ مؤكّدٍ للإنسان وكرامته، ولقيم الحرية ونبذ الاستبداد. ومع تثنيةٍ مستحقةٍ على الحلقة التلفزيونية هذه (نصف ساعة)، كان في الوسع أن تكون أكثر توفيقاً في الأمريْن معاً، أي بشأن نوبات المنع والحجب التي تعرّضت لها رسومٌ عديدة لحجاج في غير صحيفةٍ عمل فيها، أردنية وعربية، وبشأن تجربته عموماً، والتي لا تزيّد في الزعم هنا إنها، في مطارح محدّدة، كانت نوعيةً عربياً.

كان إنهاء عمل عماد حجاج رسامَ كاريكاتيرٍ يوميٍّ في صحيفة الرأي الأردنية، في العام 2002، بسبب احتجاج شركةٍ على رسم له يخصّها، الحدث الأبرز في محطّات صديقنا مع الحجب والرقابة، وجاء طيّباً من “خارج النص” أن حلقته أضاءت على تلك الواقعة، وأدلى فيها رئيس تحرير الصحيفة في حينه، الزميل طارق المومني، بقولٍ في هذا الموضوع. غير أن وقائع وحوادث أخرى غير قليلةٍ شاكست فيها رقاباتٌ كثيرةٌ رسوماً عديدة أنجزها عماد حجاج، ولم يكن في باله أنها على حساسيةٍ قد “تسوّغ” الارتياب منها. وإذا كانت الحلقة قد اكترثت جيداً بدعوى أقيمت على زميلنا لرسمه السيد المسيح في كاريكاتير ينتقد بيع أوقافٍ وأراضٍ في فلسطين المحتلة، فإن من كثيرٍ غاب عنها أن منظمتين صهيونيتين، مقرّهما نيويورك، استهدفتا في العام 2012 عماد حجاج بهجومٍ كبير، بزعم معاداته اليهود وديانتهم، في رسماته المناهضة طبعاً للوحشية الإسرائيلية. وعملتا على خلط نابلٍ بحابل، لمّا اخترعتا له تهمتي التحريض العنصري ضد اليهود، ومعاداة السامية. وكانت القصة افتعالاً مفضوحاً، نجح حجاج، وأصدقاء له رسامو كاريكاتور في العالم، في تطويقِه، وفي فضح لعبة التشهير المسيئة له. ومن طرائف تخصّ مسألة المنع أن رئيس تحرير صحيفة أردنية عمل فيها بعد فصله من “الرأي” (الصحيفة الأولى في حينه، وكان لها الإسهام الأول في إشهار اسم حجاج)، منع نشر رسم له يتضمّن انتقاداً لمسؤول كبير في الدولة، غير أن هذا المسؤول كان رحب الصدر، وطلب من الصحيفة نشر الرسم.

ويعرف صاحب هذه الكلمات وقائع كثيرة، ووجهت في أثنائها بمنعٍ من النشر، مستهجنٍ، رسوماتٌ أنجزها عماد حجاج، في غير موضوع، بشأن الفساد والسياسة الأميركية مثلاً. وهي رسوماتٌ كثيرةٌ في أرشيفٍ مديد للفنان المعروف، يمكن إذا ما اعتنى دارسٌ مجتهدٌ به أن يلحظ مقاديرَ مهمةً من النضج والتطور والحذاقة كان يعْبُر إليها صاحبُنا في تعبيراتِه عن أفكاره بخصوص موضوعاتٍ أردنيةٍ وأخرى عربية، على المستوى الفني، والمضمون الضاحك الساخر، والذي عاونه فيه أبو محجوب، الشخصية التي ابتكرها حجاج، وصارت شهيرة في المجتمع الأردني. وهذا النضج في التعبير الساخر، وفي الضربات اللمّاحة، وفي الحمولات الاجتماعية والسياسية الناقدة والساخطة، هو ما جعل للفنان عماد حجاج الاحتفاء الطيب به في معارض وتظاهرات عربية ودولية للكاريكاتير، شارك فيها، في لبنان والخليج والمغرب العربي وبلدان أوروبية والولايات المتحدة وغيرها، ويسرت له جوائز عربية مقدّرة (رفض جائزةً أردنيةً حكوميةً بالمناصفة). وكان حسناً من “خارج النص” لو أنه جاء على إفادة حجاج المبكّرة، والبالغة الاحترافية، من الممكنات المهولة للحاسوب، ومن الفضاء الرقمي، وأظنّني لا أبالغ لو زعمت هنا إن حجاج هو فنان الكاريكاتير العربي الأكثر استثماراً لمنصّات التواصل الاجتماعي وهذا الفضاء، حرصاً منه على تواصلٍ دائم مع جمهور متنوع ومتعدّد، وعلى توظيف الانتقالة من الصفحة الأخيرة من الصحيفة إلى الشاشات الرقمية في رفض الرقابات البليدة، وفي إشاعة ثقافة الاحتجاج والسخرية.

.. ما سبق أعلاه موجزٌ من كثيرٍ وغزيرٍ عن عماد حجاج.

 

*كاتب أردني والمقال عن موقع “العربي الجديد”