تحتل البومة مكانة فريدة في عالم الطيور بوصفها الطائر الوحيد الذي يتمتع بنمط افتراس ليلي. ولكي تقوم البومة بهذه المهمة فقد جمعت العديد من الميزات بدءا من الرؤية الثاقبة والمخالب الحادة، وانتهاء بامتلاكها بعض مظاهر التكيف الليلي من سمع حاد وقدرة على الرؤية ليلا. إلا أن صيد الفريسة ليلا لا يخلو من التحديات.
صفات مشتركة
تتمتع غالبية الطيور بأسلوب حياة نهاري، مما يعني أنها نشطة بشكل أساسي خلال النهار. إلا أن البوم -الذي ينتمي إلى صنف البوميات (Strigiformes)- احتفظ بصفات افتراس مشتركة مع الطيور الجارحة الأخرى كالنسور والصقور، إذ يصطاد البوم الحيوانات الصغيرة والأرانب والفئران ليلا.
وفي الوقت ذاته، فقد طور البوم بعض السمات الليلية كما لدى طائر الكيوي (Kiwi) وطائر الزيت الكاريبي (Oilbird). فعلى سبيل المثال، فإن شبكية العين لهذه الطيور الليلية غنية بالخلايا التي تعزز من رؤيتها الليلية، وذات أذن غير متماثلة لتحسين السمع.
كما أن امتلاكها ذلك الريش الناعم يمكنها من الطيران الهادئ. ولطالما تساءل العلماء عن الآليات التي تمنح المفترسات الليلية -من أمثال البوم- رؤية أفضل في الليل الدامس.
يذكر أن الشبكية تعتبر من أبرز خصائص الكائنات الفقارية والتي تبطن النسيج الداخلي للعين. وتغطي المستقبلاتُ الضوئية شبكيةَ العين، وتتكون من نوعين رئيسين: الخلايا العصوية التي تساعد في الرؤية الليلية وتمييز اللونين الأبيض والأسود، والخلايا المخروطية المسؤولة عن الرؤية في وجود الضوء -أو النهار- والتي تستطيع تمييز بقية الألوان.
فبمجرد وصول الضوء إلى الشبكية، تحدث سلسلة من التفاعلات الكيميائية والكهربية التي تنتهي بالرؤية.
نتائج متوقعة
ففي دراسة حديثة نشرتها دورية “جينوم بيولوجي آند إفوليوشن” (Genome Biology and Evolution) في عددها الصادر في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أجرى علماء من معهد ماكس بلانك (Max Planck Institute) بألمانيا وجامعة بابلو دي أولابيدي (Universidad Pablo de Olavide) في إسبانيا، مسحا واسع المدى للكشف عن الآليات الجينية التي تمنح البوم هذه السمات الخاصة.
ووفقا للبيان الصحفي الصادر عن جمعية البيولوجيا الجزيئية والتطور (Society for Molecular Biology and Evolution)، فقد قارنت باميلا إسبيندولا هيرنانديز وزملاؤها المحتوى الوراثي لـ20 نوعا من الطيور، ومن بينها 11 بومة.
وأظهرت البيانات الأولية نتائج متوقعة مثل تزايد التعبير الجيني لبعض الجينات المسؤولة عن الإدراك الصوتي والضوئي، وكذلك تلك المسؤولة عن استقبال ونقل الضوء، وتلك المسؤولة عن الرؤية في الضوء الخافت.
إضافة إلى ذلك، فقد لاحظ العلماء تطوّر شبكية العين والأذن الداخلية. كما ارتفع التعبير الجيني للجينات المنظمة للساعة الداخلية للجسم وكذلك الجينات المسؤولة عن تكوين الريش.
يشار إلى أن زيادة التعبير الجيني تعني -في غالب الأحيان- حصول الخلية على المنتج النهائي اللازم لأداء مهمة ذلك الجين.
خصائص فريدة
وعلى الجانب الآخر، فقد جاءت بعض النتائج بملاحظات جديدة وغير متوقعة. وهو ما خلصت إليه الدراسة من وجود تكيّف فريد لم يلاحظ من قبل في أي نوع من الطيور.
إذ وصف العلماء وجود آليات فوق جينية عملت على كَنْزِ الحمض النووي في خلايا الشبكية بطريقة جعلته يعمل كعدسة موجهة للضوء ومعززة من الاستقبال الضوئي.
وارتبطت بعض الجينات -وعددها 32 جينا- بتكديس الحمض النووي وتكثيف الكروموسوم. منح ذلك عين البومة ميزة فريدة جعلتها قادرة على التقاط المزيد من الضوء بشكل لم تتم ملاحظته في أنواع الطيور الأخرى حتى الآن.
ليست هذه النتائج سوى مؤشرات أولية، لا سيما فيما يتعلق بالكيفية التي تعمل بها المستقبلات الضوئية لعين البومة. وهو ما سيبنى عليه المزيد من الأبحاث في المستقبل.