بعد قرابة 3 أسابيع من التكتم أعلنت السلطات الألمانية عن تعرض جزيرة المتاحف في برلين لهجوم تخريبي استهدف قرابة 70 قطعة أثرية وفنية في الموقع الذي يضم 5 متاحف شهيرة وتصنفه منظمة اليونسكو أحد مراكز التراث العالمي، مما تسبب في أضرار ربما لا يمكن إصلاحها.
وتخمن مصادر صحفية ألمانية بأن الهجوم -الذي وقع في 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري- ربما قام به مؤيدون لنظريات المؤامرة وعناصر من اليمين المتشدد الألماني الذي ينظر لجائحة كورونا على أنها مؤامرة شريرة مخطط لها.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولي المتحف قولهم إن محاولات لإزالة البقع التخريبية كانت ناجحة على الرغم من بقاء آثار واضحة.
دوافع غامضة
كانت المتاحف -التي تقع على مرمى حجر عبر النهر من منزل المستشارة أنجيلا ميركل في وسط المدينة- في قلب جدل المؤمنين بنظريات المؤامرة في الأشهر الأخيرة، وكانت محور نقاشات أشخاص رافضين ارتداء الكمامات وإجراءات الوقاية من كورونا.
كتب أتيلا هيلدمان -وهو طاه نباتي مشهور ينشر نظريات المؤامرة حول فيروس كورونا- إلى أكثر من 100 ألف متابع على تطبيق تلغرام أن متحف بيرغامون موطن إعادة بناء مذبح عملاق من مدينة بيرغامون اليونانية القديمة يحتوي على “عرش الشيطان”، بحسب وكالة رويترز.
ووصف المتحف بأنه مركز مؤامرة عالمية لـ”مجرمي كورونا”، وكتب “هنا يقدمون تضحيات بشرية ليلا وينجسون الأطفال”.
تأكيد متأخر
وأكدت الشرطة صباح أمس الأربعاء تقارير لوسائل إعلام ألمانية -بما في ذلك صحيفة دير تاجس شبيغل ومحطة الإذاعة دويتشلاند فونك- عن قيام جناة مجهولين برش سائل زيتي على عشرات القطع في متحف بيرغامون ومتحف نيويس ومتحف آلتي الوطني ومواقع أخرى.
وأكد متحدث باسم شرطة برلين قيام مجهولين برش مادة زيتية في المتاحف خلال دوام الزيارات من دون أن يعرف حتى الآن طريقة قيامهم بذلك، وطال التخريب قطعا أثرية مصرية، بينها نواويس ولوحات قديمة، وتسببت المادة التي استخدمها المخربون في بقع ظاهرة على الآثار.
وأفادت شرطة برلين بأنها حققت في الهجوم، ولكن لم تعلن عنه لوسائل الإعلام لأسباب وصفتها بالإستراتيجية.
ذكرى الوحدة
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن الجريمة وقعت في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وهو يوم الوحدة الألمانية والذكرى الـ30 لإعادة توحيد ألمانيا الشرقية والغربية.
وكتبت صحيفة “دي تسايت” اليومية الألمانية أن التخريب كان “إحدى أكبر الهجمات على الأعمال الفنية والآثار في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب”، ومن بين القطع التالفة توابيت حجرية مصرية ومنحوتات وعدد من التماثيل، وترك السائل بقعا مرئية على الأعمال الفنية والتحف.
وشمل الهجوم قطعا أثرية في متحف برلين الجديد الذي يضم تمثالا نصفيا للملكة الفرعونية نفرتيتي.
وأدانت وزيرة الدولة الألمانية للثقافة مونيكا جروترز بشدة الضرر المتعمد الذي لحق بالعشرات من الأعمال الفنية في جزيرة المتاحف في برلين، واعتبرت أن الهجوم موجه ضد التراث الثقافي الألماني وضد المبادئ الديمقراطية.
صمت رسمي طويل
وتساءلت الصحافة الألمانية عن سر الغموض وصمت السلطات إزاء الجريمة قرابة 3 أسابيع.
ووفقا لصحيفة “دير تاجس شبيغل”، كتب مكتب الشرطة الجنائية بالولاية “إل كيه إيه” (LKA) إلى الأشخاص الذين زاروا المتاحف في ذلك اليوم وسألهم عما إذا كانوا قد رأوا شيئا مريبا.
وتم فتح تحقيق أولي في الأضرار التي لحقت بالمقتنيات منذ ذلك الحين.
وكان الثالث من أكتوبر/تشرين الأول هو أيضا اليوم الأول الذي افتتح فيه المتحف منذ مارس/آذار 2020 عندما أجبره جائحة كورونا على إغلاق أبوابه.
وتعد المتاحف الخمسة -التي تشكل جزيرة المتاحف في قلب برلين- من بين أهم المتاحف في البلاد، حيث أصبح المجمع الثقافي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو في عام 1999.
احتفل متحف بيرغامون بعيد ميلاده الـ90 في بداية الشهر الجاري، وهو أحد أشهر المتاحف في ألمانيا، حيث يجتذب ما يقارب مليون زائر سنويا، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى مذبح بيرغامون الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد.
وكان موضوع الأمن في جزيرة المتاحف موضوع انتقادات مستمرة، وفي عام 2017 نجحت عصابة في سرقة عملة ذهبية وزنها 100 كيلوغرام (200 رطل) تسمى “ورقة القيقب الكبيرة” بقيمة 3.75 ملايين يورو (4.38 ملايين دولار) من متحف بود، وتضمنت عملية السطو المعقدة سلما وعربة يدوية وسيارة هروب.
وقالت وزيرة الثقافة إنه يجب تقصي الاحتياطات الأمنية لمتاحف ولاية برلين مرة أخرى، وطلبت تقريرا شاملا عن هذه القضية.
وأضافت “يجب توضيح مدى الضرر الكبير الذي كان يمكن أن يمر دون أن يلاحظه أحد، وكيف يمكن منع مثل هذه الهجمات في المستقبل”.