في سلسلته الروائية الأخيرة “ثلاثية الأجراس” يستكمل الأديب الفلسطيني الأردني إبراهيم نصر الله مشروعه “الملهاة الفلسطينية” الذي شمل 6 روايات غطت 250 عاما من تاريخ فلسطين الحديث، وفاز الكاتب اليوم بجائزة كتارا للرواية العربية للمرة الثانية عن الجزء الثالث والأخير من الثلاثية التي تروي حكاية الشعب الفلسطيني المعاصرة.
تبدأ السلسلة برواية “ظلال المفاتيح” -التي تقع في 138 صفحة- وتتناول قصة “مريم” التي تتجسد فيها ذاكرة القضية الفلسطينية منذ النكبة وحتى الوقت الحاضر، وتتابع أحداث 1948 وتهجير الفلسطينيين وقتلهم ومحاصرة قراهم وهدم بلداتهم، وحتى قصة إيواء مريم جنديا إسرائيليا استجار بها طالبا المأوى والأمان ومقارنتها بينه وبين ابنها عمر.
وتتابع الرواية ظلال مفاتيح البيوت ورنات أجراسها التي هجّر منها أصحابها قسرا، وتحكي عن فرارهم من قراهم على أمل العودة وتمسكهم بالمفاتيح، وإيمانهم بأن ما حدث هو مجرد سحابة صيف وسرعان ما تعود الأمور لنصابها وتدور المفاتيح في الأبواب إيذانا بعودة أصحابها الغائبين.
“كانت مريم تسمعها وتبكي، ويحيرها كيف ترتطم المفاتيح بعضها ببعض ويصدر عنها هذا الصوت الحزين، وليس هناك سوى مفتاح واحد معلق في صدر كل واحدة منهن”.
شتات مريم
وتتناول الرواية الشتات الفلسطيني في الداخل والخارج، وتنقل عن أحد أبطال الرواية وصفه بأن “أكثر الأمور قسوة هو أن تشعر أنك بعيد عن وطنك في الشتات وأنت ما زلت تعيش في ذلك الوطن”.
وقسم إبراهيم نصر الله روايته إلى 3 فصول بدأت بالشهور الأخيرة قبل النكبة، ثم زمن النكسة 1967، وأخيرا زمن الانتفاضة الفلسطينية 1987، وتعيش مريم وزوجها أبو جاسر وعائلتهما هذه المراحل الزمنية الثلاث على أمل العودة إلى قريتهم التي هجّروا منها.
وتسير الرواية بتتابع زمني لا يخلو من “فلاش باك”، وتكشف عن قصة ناحوم وانقلابه على جميل مريم وقيامه بتفجير القرية، ثم زيارته لها بعد عقدين من الزمان.
وتتناول الرواية بشاعة الاحتلال وقسوته على أبناء قرية رأس السرو الفلسطينية، وملحمة الأسى التي تصف علاقة الإنسان الفلسطيني بأشجار الزيتون والبرتقال والحجارة والتراب والبيوت، وحرب الذاكرة، وعلى خلاف ما اعتاده القراء في رواية نصر الله غابت الرموز عن الرواية، لكن لم تغب اللغة الرشيقة ونكهة “الملهاة الفلسطينية”.
وفي الجزء الثاني من الثلاثية بعنوان “سيرة عين” يستكمل نصر الله السرد مستندا إلى شخصية المصورة الفلسطينية الرائدة كريمة عبود (1893-1940) التي تقدم نموذجا لامرأة متمردة على مجتمع تقليدي، وحكاية عائلة تلعن الاستعمار البريطاني لفلسطين.
وفي الجزء الثالث من الثلاثية -الفائز بجائزة كتارا للرواية العربية- يتأمل نصر الله حال فلسطين على مدى 75 عاما بدءا من الحرب العالمية الأولى حتى نهاية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ويعود في الرواية إلى “بيت ساحور” في فترة عصيانها المدني، محللا أحوال المجتمع ومتجولا بين البيوت في زمن مواجهة الاحتلال.
وفي لقاء سابق مع المؤلف، قال نصر الله إن “القضايا الكبرى تلزمها مستويات فنية عالية للتعبير عنها”، مضيفا أن “من حق القارئ أن يشتري كتابي لأنه جيد، لا لأن يده أو قلبه في النار معي باعتباره فلسطينيا أو عربيا، ولا لأنه متعاطف معي كأجنبي لأنني أكتب عن فلسطين”.
واعتبر نصر الله أن فلسطين امتحان يومي لضمير العالم، مضيفا أنه “لو كان هذا الكيان العنصري مقاما في آخر جزيرة في شرق هذا الكوكب أو غربه لكان علينا أن نكون ضده، ضد دمويته، وضد رخص القتل الممنوحة له من الغرب والشرق وما بينهما من هلام عربي”.
المصدر : الجزيرة