بعد سنوات من الازدهار وتصدّر الشاشات العربية لعبت الحرب المندلعة منذ عام 2011 دورا كبيرا في انخفاض مستوى الدراما السورية خلال السنوات التسع الماضية، نتيجة افتقادها كثيرا من المعايير المهنية التي كانت أساسا لنجاح المسلسلات السورية فيما مضى.
وعلاوة على ذلك، ساهم تفرق شمل الفنانين السوريين بين مؤيد ومعارض لنظام الأسد في قلة المنتوج الدرامي السوري الخام، قبل أن يفاقم هذا الشرخ تحول نقابة الفنانين إلى جهاز أمني ينفر منه الموالون للنظام وغيرهم، ومنح الأدوار بناء على المحسوبيات والعلاقات الشخصية بعيدا عن إمكانيات الممثل وملاءمته للشخصية، ليتم الاعتماد في كثير من الأعمال على ممثلين كانوا سابقا في الصف الثاني أو الثالث، إلى جانب منح فرص قليلة لبعض خريجي المعهد العالي المشكوك في معايير قبوله للمواهب هو الآخر، لتعود إلى الواجهة حقبة النجم الواحد.
وبالإضافة إلى ما سبق، وجد الكتّاب والمخرجون السوريون أنفسهم مضطرين إلى الاختيار بين الشركات المحلية المسموح لها بالعمل ضمن خطوط حمراء كثيرة، أو اللجوء إلى شركات الإنتاج العربية التي لها معاييرها الخاصة، مما أدى بدوره إلى غياب الرؤيا السياسية والاجتماعية الموضوعية في النصوص المقدمة، وهو ما يسهل ملاحظته عند المقارنة بين الأعمال التي يتم إنتاجها في مناطق سيطرة النظام السوري وما تحمله من رسائل تتماهى مع رواية الأخير، وبين باقي الأعمال التي تنتج في الخارج، والتي قلما تصور ما يجري في سوريا.
شتات فني
تسبب هذا التشتت الفني في كسر المرآة بين صناع الدراما والواقع المعيش، فأمست أغلب الأعمال الدرامية تقدم صورا مشوهة عن السوريين الذين فقدوا منبرا أساسيا كان يعبر عن جزء من معاناتهم، وأضحى المشاهد السوري من أقل المتابعين لأعمال بلاده بسبب انحسار مساحة رفاهيته، وانشغاله بتأمين حاجياته في ظل افتقاره لأدنى مقومات الحياة كالكهرباء والمسكن وغيرها، ليغدو غير قادر على متابعة الدراما التي من المفترض أنها تتحدث عنه وتستخدم لهجته وحكاياته.
لكن من وجهة نظر الداعمين والقائمين على صناعتها، فإن بعض الأعمال الأخيرة اعتمدت بشكل كبير على مشاهد البيوت الفخمة والسيارات الفارهة، ولا سيما تلك التي يتم إنتاجها في الخارج، فيظهر المخرج غير مكترث بواقع السوريين أو على غير دراية كافية بأحوالهم المعيشية، حتى قبل الحرب.
تلك الأعمال يمكن بسهولة ضمها إلى قائمة ما باتت يعرف بمسلسلات “البيئة الشامية” التي -بحسب رأي كثير من النقاد- قدمت للعرب نموذجا مشوها عن تلك البيئة والمستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للسوريين في تلك الحقبة.
يضاف إلى ذلك بعض الأعمال التي “استمدت” نصوصها من أعمال عالمية مشهورة وأعادت صياغتها في عملية يسميها البعض “السرقة الواضحة”، وحتى الاقتباس هنا جاء بأسلوب ركيك عند محاولة إسقاطها على الواقع السوري.
وبالطبع، لا يمكن إنكار وجود بعض الأعمال التي حاولت محاكاة أزمات الشعب السوري، بما فيها الفقر والتشرد والتهجير، وتمكنت من الإضاءة على أجزاء من المشهد السوري الحقيقي ونالت ما تستحق، سواء على صعيد نسب المشاهدة، أو رضا الجمهور السوري، وحتى العربي.
ضعف الإنتاج والتوزيع
تفتقر الدراما السورية إلى الدعم الكافي وعدم وجود سوق محلي يغطي تكاليف الإنتاج، فضلا عن عدم مواءمة هيكلية تلك الأعمال وطريقة بنائها لعرضها على منصات أخرى، في حين لعبت القنوات الفضائية دورا كبيرا في احتكار الاستهلاك الدرامي السوري، مستغلة ضعف القوى المادية لشركات الإنتاج المحلية.
واستطاعت الفضائيات الخاصة خلق شريحة عربية متابعة لهذه الأعمال تشترك في قنواتها وتنتظر جديدها من الأعمال العربية المشتركة التي تعتمد بشكل واضح على عدد من النجوم السوريين لتحقيق نجاحها.
وإذا قارنا بين أشكال أغلب تلك الأعمال فسنجدها تلائم ذوق المشاهد العربي -خاصة الخليجي- الذي في أقله لا يعاني من الحروب والنزاعات التي يعاني منها السوريون، فاشتهر أعمال عدة ضمت نجوما سوريين بلهجتهم المحلية، لكن بمحتوى خليجي أو لبناني أو حتى عالمي، أي يمكن القول إن صناع الدراما العربية الجدد استطاعوا سرقة الفنانين السوريين من الدراما السورية، وربما حولتهم من أصحاب رسالة إلى مؤدين فقط.