حسين العادلي*
• المعارضة السياسية تحفظ النظام السياسي من ثلاثة مخاطر رئيسة، هي: إنهيار النظام، إنحراف النظام، وعجز النظام،.. فالمعارضة دليل على شرعية وسلامة وحيوية وقدرة النظام السياسي على البقاء والتطوّر.• عماد الدولة نظامها السياسي، وجوهر النظام السياسي هي السلطة، وديمومة السلطة بالشرعية، ولا شرعية للسلطة دونما إرادة حقيقية للمواطنين، ولا إرادة حقيقية للمواطنين دونما مواطنة ديمقراطية تامّة الحقوق والواجبات وما تنتجه من حق المشاركة السياسية بالشأن العام والتمثيل النيابي للمواطنين، ولا مشاركة سياسية وتمثيل نيابي دونما انتخابات حرة ونزيهة، وصندوق الإقتراع هو الرحم الولّاد للفائز والخاسر بثقة الناس على أساس (سياسي برامجي)، فالفائز سيشكّل السلطة (الحاكمة) والخاسر سيذهب إلى سلطة المعارضة (المنافِسَة). ومدار تنافس (الحكم والمعارضة) هو المنجز والأداء والسياسة والمصالح العامة، وهو تنافس مُنتج وبنّاء بين اتجاهات حزبية (سياسية مجتمعية) تختلف بالرؤى والبرامج ضمن النظام السياسي للدولة وليس على حساب نظام الدولة.
• لا يلبث أن ينهار النظام السياسي للدولة في حال كونه مغلقاً يصادر الشرعية الشعبية أو يحجر على الإرادة العامة أو يجتث التعددية السياسية أو يحتال على أس الديمقراطية المتمثل بأغلبية حاكمة على أساس من صندوق الإقتراع،.. وسيفتقد بالضرورة لمعارضة سياسية حقيقية ضمن سياقاته،.. وهنا، فاستمرايته ستكون رهن القمع والسيطرة الحديدية أو التمويه والإحتيال والإلتفاف المستمر على معايير الحكم المواطني الديمقراطي الرشيد. إنَّ وجود معارضة سياسية حقيقية يعني اعتراف وقدرة النظام السياسي على الإلتزام بمعايير الحكم الرشيد، ويعني قدرته على التحكّم السلمي بالصراع على السلطة، وإيمانه بمبدأ التداول السلمي للسلطة كحق تداولي مُكتسب يُنال بالتفويض الشعبي. وعليه فإنَّ الحفاظ على النظام السياسي من الإنهيار يتطلب وجود معارضة حقيقية تمثل النسق المقابل للحكم وأدائه وسياساته. وفي حال انسداد الأفق أمام المعارضة السياسية من داخل النظام، فالثورات والإنتفاضات وحتى المؤامرات والإنقلابات ستكون هي البديلة كشكل من أشكال الوصول إلى السلطة،.. وهذا ما يهدد أصل النظام وتطوّر الدولة.
• كذلك، فوجود معارضة سياسية حقيقية يعني ضمان سلامة سلطات النظام من الإنحراف، فالمعارضة (ومن خلال سياسة تنافسية منظمة وواضحة) تعني قوة رصد ورقابة ومتابعة ومساءلة (وحتى إسقاط) شرعية وقانونية للحكم، فتشكّل بذلك تحدياً إيجابياً للسلطات (أمام القانون والتعهد الحكومي والرأي العام) كي تلتزم بمسؤولياتها وتؤدي وظائفها ولا تخترق وتتساهل وتتجاوز فتنحرف. إنَّ طبيعة وسلوك المعارضة هو مَن يحدد طبيعة وسلوك الحكم، وهو ما يحفظه من الإنحراف.
• أيضاً، فأي نظام سياسي يفقد القدرة على الإستجابة للتحديات القائمة والمتوقعة، فسينهار. إنَّ الفارق الجوهري بين النظام السياسي (السكوني) والنظام السياسي (الفعّال)، هو القدرة على الإستجابة للتحديات على تنوعها السياسي والإقتصادي والثقافي والحضاري.. الخ، وقدرة الإستجابة هي منظومة حكم النظام السياسي ومؤسساته وبرامجه القادرة على مسايرة التطور التاريخي، ووجود معارضة سياسية فعّالة ستشكّل النصف الآخر من قدرة النظام ذاته على الإستجابة، بما توفره من منافسة شرعية محفّزة، وما تتوافر عليه من محاكمة لأداء أجهزة الحكم قبال أي تلكؤ أو تسويف أو عدم جهوزية بالتعاطي مع التحديات. إنَّ الحكم في حقيقته هو أداة استجابة النظام السياسي للتحديات القائم منها والمتوقع.
*سياسي وكاتب عراقي والمقال عن صحيفة “الصباح”