أديب نوبل البيروفي والرئيس الألماني يتحاوران حول الكتابة

epa08659256 Peruvian 2010 Nobel Prize laureate for Literature Mario Vargas Llosa gestures during a conversation with German President Frank-Walter Steinmeier (not in picture) as part of the International Literature Festival in Berlin, Germany, 10 September 2020. The festival runs from 09 to 19 September 2020. EPA-EFE/HAYOUNG JEON

افتتح الأديب البيروفي، ماريو فارغاس يوسا الحائز على جائزة نوبل للآداب مهرجان برلين الدولي للآداب (ILB) في دورته الـ 20 قائلا إنه يريد أن “يشبع المجتمع بالأدب”، مؤكدا أن “الأدب صُنع لأوقات عصيبة، مثل تلك التي نمر بها”.

ورغم أن جائحة كورونا تسببت في إلغاء أو تأجيل مهرجانات أدبية عديدة في جميع أنحاء ألمانيا، إلا أنه لم يتم تأجيل مهرجان الأدب الدولي في برلين الذي يستمر لمدة 10 أيام، بحضور الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير ونخب أدبية عالمية ومؤلفين من جميع أنحاء العالم مثل الحائزة على جائزة نوبل للآداب أولغا توكارتشوك، والروائي النمساوي دانييل كيلمان، والألماني إنغو شولز، والمصري علاء الأسواني، وهيلاري مانتيل، وغيرهم.

الأدب في زمن الجائحة
تحدث فارغاس يوسا عن دور الكتاب والمؤلفين منذ العصور القديمة، قائلا “ألفنا قصصا تساعدنا على التعبير عن مخاوفنا.. إنها طريقة لمقاومة أوجه القصور في الحياة” معتبرا أنه من الجيد أن يكون هناك أدب في هذه اللحظات غير المتوقعة والخطيرة على الجميع.

وفي حفل الافتتاح وعدت مونيكا غروترز، المفوضة الفدرالية للثقافة والإعلام في ألمانيا بإعادة التفكير في طرق إنشاء المسارح وتشغيلها مرة أخرى بشكل صحيح، ومراجعة قواعد التباعد الحالية قائلة “أعتقد أنه يجب التغيير”، مؤكدة أن إحياء الحياة الثقافية أمر وجودي للديمقراطية، بحسب دويتشه فيله الألمانية.

الأدب ضد الدكتاتورية
في خطابه، أكد الحائز على جائزة نوبل عام 2010، والبالغ من العمر 84 عاما، على قدرة الأدب على تغيير حياة الناس، معتبرا أن الدكتاتوريات دائما ما تتوجس بشدة من الأدب “إنهم يعلمون أن الأدب يشكل تهديدا لهم”، على حد قوله.

وأضاف الكاتب من أصل بيروفي، ومؤلف كتاب “الحرب في نهاية العالم” إنه “لمدة 300 عام في ظل الأنظمة الاستعمارية في أميركا اللاتينية، كان هناك صمت يشبه الرواية” قبل أن تجد الكتب الأولى طريقها في القرن 18. وأردف “الخيال موجود دائما، ولكن الروايات أكثر من مجرد تسلية، إنها تحتوي على عدم الرغبة في الخضوع، إنها تشير إلى واقع مختلف”.

ويجادل الكاتب البيروفي، الذي يعيش بين إسبانيا وبريطانيا أن “الأدب لديه موهبة أن يظهر لنا أن هناك شيئا ما خطأ”، وقال “إذا كنا كمواطنين لا نريد أن نكون مجرد كائنات زومبي، كائنات تقبل كل ما يُفرض من فوق، يجب أن نشبع المجتمع بالأدب”.

وأشار فارغاس يوسا، الذي تخلى منذ زمن بعيد عن حماسه الشاب للشيوعية ويعتبر نفسه ليبراليا حاليا، إلى المجتمعات غير الحرة بعبارات عامة فقط. ومع ذلك فقد شدد على الإمكانات الطوباوية للأدب في المجتمعات غير الحرة، إذ يعتبر الأدب عنصرا من عناصر النضال “ويظهر لنا أن المستحيل يمكن أن يكون ممكنا”.

الحجر الصحي والسياسة
ويعترف يوسا بأنه شعر ببعض الارتياح من تجربة الحجر الصحي والإغلاق العام؛ إذ تم إلغاء الفعاليات، وتوقف الصحفيون عن الإزعاج، وكان لديه الوقت للعودة إلى الكتب “التي أثرت بي بشدة”، مثل “الحرب والسلام” لتولستوي أو “يوليسيس” لجويس، حتى أنه أعاد قراءة بعض الكتب، وهو يكتب الآن عن بينيتو بيريث جالدوس، الذي يعتبره ثاني أفضل كاتب إسباني بعد ثربانتس، والذي أبهره في قدرته على الدمج المثمر بين السياسة والأدب، بحسب تعبير صحيفة ABC الإسبانية.

واقتبس الرئيس الألماني شتاينماير من الكاتب المسرحي الألماني هاينر مولر قوله إن “السياسة هي فن الممكن، بينما الأدب له علاقة أكبر بالمستحيل” ليوجه سؤاله إلى يوسا عما إذا كانت السياسة قد ساعدته في صنع أدب أفضل، ليجيب يوسا “لا أعرف، لكن لا غنى عنها لكاتب جيد، حتى لو كنت تكره ذلك، لأنه لا يمكنك أن تصنع أدبا جيدا إذا تجاهلت السياسة”.

اعلان
وتحول الحديث مباشرة إلى إدارة الجائحة، وحول ما إذا كانت الدكتاتوريات قد أظهرت قدرة رد فعل أكبر من الديمقراطيات. وقال يوسا “ما يحدث هو أنه في الديمقراطيات توجد حقائق وأكاذيب، ولكن في الأنظمة الدكتاتورية هناك أكاذيب فقط”. وتابع “هناك سؤال كبير حول ما حدث بالفعل في الدكتاتوريات، فنحن لا نعرف سوى القليل أو لا نعرف شيئا”، وضرب الصين كمثال.

في المقابل تجنب شتاينماير ربط عدد الوفيات بالأنظمة السياسية، لكنه أصر على أن الآليات الديمقراطية تسمح بنهج أفضل لحل المشكلات “الثقة في السلطات لا تعني عدم انتقاد ما يفعلونه؛ على العكس من ذلك، تؤدي هذه الثقة إلى نقد مبرر، إلى نقاش شفاف ومفتوح يجعل القرارات أكثر كفاءة”.

كما دعا الرئيس الألماني الناس إلى ترك المركزية الأوروبية ودراسة الطريقة التي عانت بها البلدان في أنحاء أخرى من العالم من الوباء، وقال “تحدثت مؤخرا مع رئيس كينيا وأصبحت مهتما بكيفية معاناتهم من الأزمة الصحية هناك. أخبرني أنه يتفهم مدى سوء الوضع في أوروبا، ولكن كان لديه الأولوية للإيبولا في شمال غرب بلاده، وانتشار الملاريا مع عدم وجود لقاحات متوفرة، والإيدز خارج نطاق السيطرة، وفي المركز الرابع كان قلقا بشأن فيروس كورونا”.

وقال فارغاس يوسا إن “هذا الوباء أثر على أفقر الناس أكثر بكثير من أبناء الطبقة الوسطى الذين تمكنوا من البقاء في المنزل، ولكن على سبيل المثال في بلدان مثل بيرو، حيث يكسب الكثير من الناس قوتهم يوما بيوم، خرج هؤلاء للبيع أو لم يجدوا طعاما يأكلونه”.

الأدب والديمقراطية
سلط فارغاس يوسا الضوء على دور الأدب باعتباره بذرة للوعي النقدي والمناقشات الأساسية، وقال “الأدب يخلق مواطنين أكثر صعوبة في التلاعب بهم، وغير منضبطين، وغير راضين، ويميلون دائما إلى الانتقاد، ويبحثون دائما عن الخطأ”.

وأضاف يوسا “قريبا سنقرأ الروايات التي تساعدنا في معالجة هذه الصدمة الجماعية، والتي تعكس العواقب النفسية والاجتماعية للجائحة. وأردف موجها كلامه للرئيس الألماني “أعتقد أن هذا سيستغرق بعض الوقت.. سيتعين عليك قضاء بعض الوقت في التفكير ومضغ ما مررت به، قبل أن يصبح فيروس كورونا مادة خام للأدب الجيد. إن أول ما يظهر سيكون بالتأكيد سطحيا وتافها”.

واتفق الرجلان على أن الوباء قد غير مفهومنا لأنفسنا، وأن البشر كانوا “متغطرسين للغاية”. وقال فارغاس يوسا “كان لدينا شعور بأننا نسيطر على الطبيعة وأنها كانت في خدمتنا، ولم تعد تحتفظ بالأسرار أو التهديدات، وكنا مندهشين للغاية”.

وأضاف الرئيس الألماني “نحن نعلم الآن أن الأمر ليس كذلك، وأن هناك حاجة لمزيد من الاستثمار في البحوث العلمية والأنظمة الصحية الأفضل”. ودعا إلى استخلاص الدروس والاستمتاع بالقليل من الحياة الطبيعية التي يمكننا استردادها.

وسلط الرئيس الألماني الضوء على عملية تعلم المنهج العلمي، حيث “تظل الحقيقة صحيحة حتى تتعارض مع حقيقة أخرى. إنها عملية تعلم أنه يجب أيضا السماح بذلك للسياسة”، وقال إن السياسيين كانوا يتعلمون -خلال الجائحة- بشكل سريع ما الذي يصلح وما الذي لا يصلح. وتابع “السياسة تعلمت وصححت، هذا التقدم الثقافي ليس سيئا على الإطلاق”. لقد مرت بضعة أشهر كان للقرارات السياسية فيها تداعيات فورية وهائلة على حياة المواطنين، بحسب صحيفة البايس (El País) الإسبانية.

يفسر شتاينماير أن “السياسة لم تكن أبدا ملموسة كما كانت في الأشهر الأخيرة”، ولا يعتقد أن خطر الانجراف نحو الاستبداد قائم، على الرغم من اعتماد تدابير استثنائية وتقييد الحقوق والحريات، قائلاً “لدينا مجتمع مدني يقظ لن يقبل بهذا المسار”.