في سياق احتجاجات “حياة السود مهمة”، التي توسعت عالميا؛ أزالت بلجيكا تماثيل للملك السابق ليوبولد الثاني، الذي وصف المؤرخون حقبته الاستعمارية بالأكثر دموية، عندما كان يدير الكونغو وثرواتها باعتبارها ملكيته الخاصة من بروكسل.
لكن تجربة ناميبيا التي استعمرتها ألمانيا عام 1884 كانت مختلفة؛ فعلى مدى قرن كامل ظل تمثال الجندي الراكب على جواده بارزا في عاصمة ناميبيا وندوهوك بجوار الكنيسة المسيحية الألمانية حتى عام 2013، عندما استبدل بتمثال من البرونز لسام نجوما الرئيس المؤسس لناميبيا المستقلة كما نعرفها اليوم.
ويرمز النحت الصخري لجندي شتوتزتروبه -وهم الاسم الرسمي لقوات الاستعمار الألماني في أفريقيا- والذي يمسك البندقية بيده ويحدق إلى الأمام؛ إلى القوة الإمبريالية في المستعمرة السابقة لألمانيا في جنوب غرب أفريقيا منذ إقامته عام 1912.
ووقعت إبادة هيريرو وناما في جنوب غرب أفريقيا بين عامي 1904 و1908، وتوصف بكونها أول إبادة جماعية في القرن 20، واعتبر كثير من المؤرخين أن هذه المجازر كانت إرهاصات لإبادة اليهود من قبل الرايخ الثالث إبان الحرب العالمية الثانية.
ويكرم النصب التذكاري الجنود والمدنيين الذين لقوا حتفهم على الجانب الألماني خلال أحداث قمع انتفاضة هيريرو وناما.
وتقول أنا-ماريا براندستيتر، وهي خبيرة ألمانية في علم الأعراق البشرية، في إشارة إلى أمثلة مشابهة في الكونغو والكاميرون؛ “النصب في أفريقيا لا يتم إسقاطها في الغالب، بل إزاحتها”.
جنوب أفريقيا والسنغال
ولدى البروفسور سراج رسول من جامعة ويسترن كيب في جنوب أفريقيا رأي مماثل، ويقول “العديد من النصب يعاد تعريفها، حيث يعاد تكريس مواقعها السابقة”.
ويضيف “كل مجتمع يمضي خلال ذلك بطريقته الخاصة”.
غير أن سراج رسول ينظر إلى سقوط تمثال سيسل رودس في كيب تاون بعد مظاهرات طلاب في المدينة الساحلية بجدية، وقال “كان بمثابة قتل مجازي للشخصية الاستعمارية”.
ولكنه يقول إن آثار رودس الاستعماري ما زالت موجودة. ويضيف “هناك حاجة لإعادة التفكير في مسألة النصب، الأمر ليس مجرد إطاحة الناس للنصب”.
ونجحت حملة “رودس يجب أن يقع” التي بدأت كحركة احتجاج مطلع عام 2015؛ في إزالة تمثال في جامعة كيب تاون يُحيي ذكرى سيسل رودس، الذي كان رئيس وزراء مستعمرة الكاب البريطانية في جنوب أفريقيا في نهاية القرن 19.
وتتحدث براندستيتر أيضا عن شكل آخر للتعامل مع الميراث الاستعماري، وتقول إن “تذكّر الحقب الاستعمارية مهم، مثل تذكر عملية تصفية الاستعمار، ولكن هناك صورا مختلفة من الماضي أيضا بين الدول والمجتمعات المختلفة”.
والتفكير في يتعلق بالتجربة الاستعمارية في أفريقيا اختزال للتجارب المختلفة للمجتمعات، وفقا لما تقوله براندستيتر، وتضيف “ليس من شأن أوروبا أن تقرر أي التجارب كانت ذات أهمية، وأيها لم تكن”.
وفي السنغال -على سبيل المثال- غُيّر اسم ميدان على جزيرة جوري للعبيد السابقين. ويقول دودو ديا من معهد جوري في إشارة إلى الرجل الأسود الذي مات في الولايات المتحدة أثناء احتجاز الشرطة له؛ “ميدان أوروبا السابق سُمي ميدان الحرية والكرامة الإنسانية؛ كتكريم لجورج فلويد”.
وبسبب تاريخ الجزيرة، فإن اسمه السابق “ميدان أوروبا” كان “مثيرا للجدل والتناقض إلى حد كبير”.
أرشيف تاريخي
وفي ناميبيا، دعا ممثلو جماعة الهيريرو وناما العرقيتين إلى إزالة النصب الاستعمارية كلية.
ويقول مفاوض عرقية الهيريرو وكبير مسؤوليها ماناس كريستين زيروا لوكالة الأنباء الألمانية “أعتقد أن كل التماثيل الاستعمارية يجب أن تزال وتوضع في المتاحف العديدة في ناميبيا، إنها تمثل وتمجد أولئك الذين احتلوا شعبنا، وليس لها أي معنى بالنسبة لشعبنا بالمرة”.
ولكن هذه التماثيل لها قيمة تاريخية بالنسبة للمؤسسات التعليمية، وفقا لما يقوله زيروا، الذي يشارك في المفاوضات بين ألمانيا وناميبيا بشأن اعتذار وتعويضات عن الإبادة الجماعية للهيريرو وناما.
وفي ناميبيا، بدأت عملية إعادة تسمية الشوارع منذ فترة طويلة، بهدف مساعدة الدولة على تطوير هويتها.
ومن منظور أوروبي، يبدو أن هناك بعض التناقضات في الجهود المحلية التي تهدف إلى تذكر الماضي. على سبيل المثال، ترتدي عرقية الهيريرو أزياء أثناء احتفالات الذكرى تشبه تلك التي كان يرتديها قامعوها السابقون. ويقول خبير الأعراق الألماني جودوين كورنيس -الذي درس ميراث ناميبيا الاستعماري- “في الحقيقة، هي أزياء مختلطة: ألمانية وبريطانية وتعديلات فردية عديدة”.
واعتبرت الفيلسوفة من أصل ألماني حنة أرندت عام 1951 أن الإمبريالية الأوروبية لعبت دورا حاسما في تطوير الشمولية النازية والإبادات الجماعية المرتبطة بها.