البلاء الشديد والميلاد الجديد.. كتاب يروي تفاصيل 14 عاما من حياة معتقل كويتي في غوانتانامو

بعد سنوات من خروجه من معتقل غوانتانامو الشهير، يسترجع الأسير الكويتي فايز الكندري سنوات سجنه الـ14 ورحلته منذ اعتقاله وحتى الإفراج عنه، وذلك عبر كتاب بعنوان “البلاء الشديد والميلاد الجديد”.

الكتاب الصادر عن دار جسور للترجمة والنشر في تركيا، جاء في 512 صفحة من القطع المتوسط، وفيه يحكي الكندري رحلة حياته بداية من طفولته مرورا بأحداث الغزو العراقي عام 1990، وما شاهده من وقائع كان أبرزها اعتقال عدد من أقاربه وكذلك موت أحد جيرانه أمام منزل العائلة وقتل المقاومة الكويتية أحد الضباط العراقيين الذين أشرفوا على تعذيب الكويتيين بعد القبض عليه خلال أيام التحرير.

يعرج الكندري بعد ذلك على مرحلة تعليمه وانتقاله من دراسة الهندسة إلى دراسة الشريعة والقانون بجامعة الإمام محمد بن سعود، ومن ثم طلب العلم على يد الشيخ ابن عثيمين، وجميعها مراحل أثّرت في شخصيته.

بناء مسجد
يروى الكتاب أن حياة الشاب كانت عادية حتى قررت الأسرة مطلع أغسطس/آب 2001 التبرع ببناء مسجد وحفر بئر باسم والدة الكندري التي كانت تعاني من مرض السرطان آنذاك.

بحلول منتصف الشهر وصل الابن فايز، وكان في السابعة والعشرين من عمره، ومعه نحو 20 ألف دولار إلى العاصمة الأفغانية كابل، وهناك سأل أعضاء إحدى المنظمات الإغاثية عن أفضل مكان لبناء مسجد وحفر بئر باسم والدته، وبالفعل دلّوه على قرية تبعد عن العاصمة نحو ساعة بالسيارة، وفيها بقي فايز يشرف على البناء حتى اندلاع الحرب الأميركية على أفغانستان عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.

يورد الكتاب أنه مع اشتداد القصف على العاصمة والقرى المجاورة للضغط على حكومة طالبان، هرب الأهالي إلى جبال تورا بورا، وكان الكندري من بين من هربوا إلى تلك الجبال للاحتماء بها إلى أن ألقي القبض عليه.

يحكي الكاتب أن رحلته إلى أفغانستان كان مخططا لها أن تستغرق شهرا ونصف الشهر، لكنها امتدت إلى 14 عاما داخل غوانتانامو، أي نحو 5044 يوما.

في أفغانستان تنقّل الكندري بين معتقلات عدة وهي سجن جلال آباد وسجن الاستخبارات في كابل ومعتقل بغرام ومعتقل قندهار، انتهاء بمعتقل غوانتانامو الذي وصل إليه في مايو/أيار 2002.

قصة الكتاب
يشير الكتاب إلى أن غوانتانامو كان يضم 7 معسكرات، لكل منها ظروفه الخاصة، إذ كان كامب 1 و2 و3 عبارة عن زنازين انفرادية حيث يستطيع السجين رؤية من بجواره لأن الشباك به فتحات جانبية، أما المعسكر الرابع فكان أفضلها كونه معسكرا جماعيا وقد أنشئ في 2003 لابتزاز المعتقلين وإغرائهم للتعاون مع المحققين.

ويضيف أنه في بعض الأحيان كان يُنقل إلى هذا المعسكر الرابع أفراد لأغراض أمنية كأن يكون هناك عميل موجود يريد الضباط أن يطمئن له السجين ويتحدث معه لتسجّل أجهزة التنصت الحديث.

أما المعسكر الخامس فأنشئ عام 2004 وكانت ظروف السجن به شديدة القسوة، وكذلك المعسكر السادس قبل أن يتحول في 2012 إلى معسكر جماعي جيد لمدة عام ونصف العام، عاد بعدها ليصبح جحيما لا يطاق من شدة التعذيب، وقد شهد المعسكر السادس عدة إضرابات أودت بحياة بعض المعتقلين.

في حين كان المعسكر السابع معزولا تماما، وقد خصص لمتهمي أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 ومنهم خالد شيخ محمد وغيره، وهؤلاء لم يكن مسموح لهم نهائيا بالتواصل مع باقي المعتقلين طوال فترة الاعتقال، ولم يشاهدهم.

يذكر الكندري للجزيرة نت أن فكرة إصدار الكتاب راودته في الأيام الأولى لوصوله معتقل غوانتانامو، وأنه استقر على عنوانه الحالي خلال الأسبوع الثاني من وصوله، أي في منتصف مايو/أيار 2002، ومرجع ذلك ثقته في الخروج يوما ما رغم كثرة أحاديث المحققين عن أنه وغيره من السجناء سيدفنون في المعتقل ذاته.

زوايا النظر
يقول الكندري إنه حاول من خلال الكتاب أن يكون منصفا في روايته لتجربته وما بها من خطأ أو صواب وما شاهده من أحداث حتى تلك التي ربما تغضب البعض، ومن ذلك رأيه أنه ليس كل المعتقلين سواء، وكذلك الحال بالنسبة للأميركيين المشرفين على المعتقل، فبعض الجنود تعاطفوا معهم، وهناك من المعتقلين أنفسهم من أساء للإسلام بأفكاره.

كان المعتقل يعج بالأسرى من مشارب مختلفة، بعضهم مؤيد للقاعدة وطالبان، وآخرون كانوا يعملون بالعمل الإغاثي، فالمعتقلون كانوا أصحاب أفكار شتى، وقد أتاح ذلك للمؤلف أن يسمع منهم مباشرة.

يورد الكتاب كيف أثّر الحوار مع بعض الجنود والمجندات في دفع الكثيرين منهم للإسلام خاصة في أول عامين لاعتقاله، وأن أحد الجنود قدّم للأسرى التحية العسكرية ذات مرة بعيدا عن أعين الضباط قائلا “welcome great lions”، وهو ما دفع إدارة السجن لاحقا لتنظيم دورات “غسيل مخ” للمجندين.

يقول الكاتب “رأيت جنودا ينطقون الشهادتين وآخرين يكيلون الشتائم للمعتقلين ويعذبونهم ويرمون القرآن في المرحاض للإساءة إليهم.. ورأيت معتقلين صمدوا أمام آلة التعذيب، وآخرين ارتدوا عن الإسلام ومنهم من تحوّل لجاسوس للولايات المتحدة، وكذلك تابعت كيف انفض كثيرون من حول قضيتنا بعدما نجحت الآلة الإعلامية الأميركية في إقناع الناس بأن كل من يرتدي هذا الزي البرتقالي إرهابي”.

يشير الكتاب إلى أنه منذ بداية الأسر وحتى 2011 مُنع الأسرى من مشاهدة التلفزيون والاستماع للإذاعة وعُزلوا عن العالم تماما، وأنه مع بدء ثورات الربيع العربي سمح لهم بمشاهدة بعض القنوات كان من بينها قناتا العالم و”برس تي في” الإيرانيتان، بينما منعوا من مشاهدة قناة الجزيرة على سبيل المثال، وهي مفارقة وصفها الكاتب بأنها غريبة وأنها دفعته لسؤال مسؤول السجن عن سبب مشاهدة قنوات محسوبة على إيران التي تعتبرها أميركا عدوة لها.

متابعة وتواصل
من خلال تلك القنوات علم السجناء بوجود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ويذكر المؤلف أن نحو 99% من السجناء -وعددهم وقتها كان نحو 300 أسير- كانوا ضد التنظيم وإن ظلوا على تأييدهم لطرد القوات الأميركية من أفغانستان.

يورد الكتاب أن محامي الكندري، وهو أميركي يدعى باري وينجر، أخبره ذات مرة أن طريقة تجاوبه مع المحققين هي سبب بقائه لسنوات طويلة في المعتقل، إذ كان الكندري يرد على المحقق مستفسرا عن سبب مجيئه إلى أفغانستان بسؤاله “أنتم لماذا جئتم إلى هنا؟”، مضيفا أنه جاء للإغاثة أما هم فجاؤوا محتلين، وهي إجابة نصحه المحامي مررا أن يبتعد عنها لأن العدالة غير موجودة في هذا المكان.

وعن كيفية تدوين الأحداث، يذكر الكندري أن المعتقلين منعوا من استخدام الأوراق والأقلام سنين طويلة، كانت هناك 10 دقائق أسبوعيا فقط خلالها يأتي أحد الجنود ويزودهم بورقة وقلم صغير مرن يصعب الكتابة به، وكانت تلك الفترة مخصصة لكتابة الرسائل العائلية فقط، ومنذ عام 2005 سمح لهم أيضا بالتواصل مع المحامين فيما يخص قضية الاعتقال.

حين اكتشف المؤلف أن الرسائل العائلية لا تصل إلى أهله كان تركيزه ينصب فقط على التواصل مع المحامي، وقد كان حريصا على كتابة كثير من القصص والأحداث داخل السجن مع ربطها بقضيته حتى يسمح له بإرسالها إلى المحامي.

بعد 5 سنوات من السجن أصبحت المدة المسموح بالكتابة فيها هي ساعة، وبعد 12 عاما أصبح الوقت مفتوحا للكتابة شريطة أن يكون قاصرا أيضا على التواصل القانوني، وهو ما ساعده على الاحتفاظ بتفاصيل كثيرة لضمها إلى كتابه خاصة وأنه على علاقة طيبة حتى الآن بمحاميه الأميركي.

يشرح الكتاب كيف مورس التعذيب بحق المعتقلين باسم الإنسانية، وكيف ارتدى الظلم رداء العدالة وانتهك القانون باسم القانون عبر تعذيب السجناء لسنوات طويلة من دون محاكمة عادلة، وأن صرخات المعتقلين وتشويه القانون حتما سيتركا أثرهما على المحققين والجنود أنفسهم وسيشوّها كل القيم داخلهم حتما.

إثارة الجدل
عن الكتاب يقول الكندري “ستتناوشني الأسهم والحراب، سيرى البعض شكري لمن سعى لحريتي مداهنة لذوي النفوذ، ويرى آخرون ذكرى لقصص الأسرى تعاطفا مع من يسميهم إرهابيين، وكذلك الموقف حين أذكر المواقف الإنسانية لبعض الجنود الأميركان أو حين أتعرض لجرائم آخرين من تعذيب وقتل، والمحصلة تجاهه أنه إرهابي وبريء معتدل ومتطرف مخطئ ومصيب لا لشيء إلا لأنه حاول أن يقدم الحقيقة كما رآها”.

يذكر الكاتب كيف أن أمير الكويت نصر قضيتهم، وأنه كلما اجتمع مع الرئيس السابق باراك أوباما كانت قضية المعتقلين أولوية لديه، وهو ما شجع الكثيرين على نصرة هذه القضية، وكيف ساهمت الجهود الشعبية والبرلمانية والوقفات التي نظمتها لجنة أهالي المعتقلين في إطلاق سراحهم، وأن الوفد الكويتي استمر في زيارتهم في السنوات الأخيرة حتى إن السفير الكويتي في الولايات المتحدة كان يحضر بنفسه جلسة المراجعة الدورية، وهو السفير الوحيد الذي كان يحضر تلك الجلسات.

يخصص الكتاب مساحة كبيرة لقصص من التقاهم الكندري في المكان الذي ضم معتقلين من 50 دولة، ومنهم مراسل قناة الجزيرة سامي الحاج الذي التقاه في معتقل قندهار، وهو يذكر أن رفقاء السجن قصوا عليه كيف عذّب الحاج عذابا شديدا داخل معتقل بغرام، وأنه التقاه مرة ثانية في غوانتانامو أثناء الذهاب لغرف التحقيق التي شهدت تعذيبهم جميعا.

ويضيف الكندري أن الولايات المتحدة أرادت تجنيد الحاج الذي رفض ذلك، مما تسبب في تعذيبه لمدد طويلة، ويذكر أيضا أنه شاهد بنفسه كيف أهين سفير طالبان الملا عبد السلام ضعيف في معتقلي بغرام وقندهار من قبل الجنود الأميركيين، وأنه رآه ذات مرة وهو يؤم المعتقلين في الخيمة المجاورة له في معتقل قندهار ويومها دخل الجنود مدججين بالسلاح والمصلون ساجدين وأن جنديا أقدم على وضع حذائه على رقبة الملا ضعيف إمعانا في إهانته.

ويورد الكتاب أن الكندري كان في عنبر قيادات طالبان الذين خرجوا في صفقة تبادل مع أحد الجنود، ويذكر أن إدارة السجن أغلقت جميع العنابر وقتها للبدء في إجراءات تبادل الأسرى التي علموا بها لاحقا.

يذكر المؤلف كذلك أنه حين أضرب المعتقلون عن الطعام زارهم السيناتور الأميركي جون ماكين مرتديا ملابس أقرب للرياضية وقبعة، إلا أن إجراءات السجن لم تكن تسمح لهم بالحديث معه، لكنه دخل العنابر وشاهد بعينيه الأوضاع السيئة، وكان بعض المعتقلين يئن من شدة الجوع والألم، وأن أحد المعتقلين حدثه من فتحة في الباب وذكّره بأنه كان أسيرا سابقا في فيتنام وأن عليه أن يسعى لإغلاق المعتقل، وكان جون ماكين يشير برأسه بالإيجاب ولكنه حين عاد إلى الكونغرس كان من بين الرافضين لطلب قدّم وقتها بإغلاق المعتقل.

يختم الكندري كتابه بلحظات الوداع الأخير لوالده الذي توفي بعد نحو عام واحد من الإفراج عنه، وكان الراحل يرفع في الوقفات دائما لافتة كتب عليها “أريد أن يدفنني ابني لا أن أدفنه أنا” وقد كانت رؤيته أعظم أحلامه طوال فترة سجنه.