وجهت محكمة فرنسية يوم الجمعة الماضي تهمة الاتجار بآثار منهوبة من دول تشهد اضطرابات سياسية وحروباً في الشرق الأوسط إلى خبير فرنسي مشهور بالآثار وشريكه في العاصمة الفرنسية باريس، بحسب مصادر عدة تحدثت لوكالة الصحافة الفرنسية.
ويلاحق كريستو كونيكي الخبير بآثار المتوسط وريشار سمبير بتهمة الاحتيال ضمن عصابة منظمة وتشكيل عصابة إجرامية للتحضير لجرائم وجنح يعاقب عليها بالسجن ١٠ سنوات، على ما أوضح مصدر قضائي مطلع على الملف.
وأفرج عن المتهمين مع مراقبة قضائية، بعد أن أوقفا ووضعا في الحبس على ذمة التحقيق مع ثلاثة مشتبه بهم آخرين الاثنين والثلاثاء في عمليات كان لها صدى كبير في أوساط سوق الأعمال الفنية وتجار الآثار في باريس.
وأفرج عن المشتبه بهم الثلاثة الآخرين من دون أن يمثلوا أمام قاضي التحقيق جان ميشال جونيي المكلف بالتحقيق من قبل الهيئة المركزية لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية.
ويشتبه في أن المتهمين، وهما من الشخصيات المعروفة في أوساط الآثار في العاصمة الفرنسية، قاما بـ”غسل” قطع أثرية منهوبة في دول عدة شهدت عدم استقرار سياسي منذ 2010، ولا سيما مصر وليبيا واليمن وسوريا، وقالت مصادر مطلعة على الملف إن هذا الاتجار شمل مئات القطع بقيمة عشرات ملايين اليوروهات.
تمويه الآثار
وتحاول الهيئة المركزية لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية التحقق من احتمال أن يكون المتهمان “موها” بمساعدة وسطاء، أصل هذه القطع وتاريخها لبيعها بعد ذلك بطريقة شرعية إلى أفراد، فضلا عن مؤسسات ثقافية مثل متحف اللوفر في أبو ظبي ومتحف متروبوليتان في نيويورك.
وكونيكي خبير في آثار منطقة المتوسط وعضو في جمعية المصريات الفرنسية، وسبق أن ورد اسمه مع شريكه في قضية ناووس (تابوت حجري أثري) سرق من مصر في العام 2011.
وقد مر الناووس القديم عبر دبي إلى ألمانيا ومنها إلى باريس، وقد باعه كونيكي إلى متحف “متروبوليتان” عام 2017 بـ٤ ملايين دولار، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وكان هذا الناووس القطعة الرئيسية في معرض لمتحف نيويورك، وقد أعيد رسميا إلى مصر عام 2019 بعد تحقيق أثبت أنه نهب خلال الثورة على نظام الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك.
آثار سوريا
وفي الشهر الجاري صدر عن مؤسسة غيردا هنكل الألمانية وجمعية حماية الآثار السورية في فرنسا تقريرا عن أحوال المتاحف الأثرية في سوريا بين عامي 2011 و2020، أعده الأكاديمي السوري شيخموس علي، وثق فيه الأضرار الفادحة التي تعرض لها التراث المادي السوري والمؤسسات والمتاحف التي يفترض أن تحافظ على هذا التراث.
ويرصد التقرير تعرض 29 متحفاً ودار عبادة لأضرار مختلفة بسبب العمليات العسكرية وعمليات القصف الجوي والأرضي، بينها متاحف معرة النعمان وتدمر والرقة التي تعرضت لأضرار جسيمة.
كما يتناول عمليات النهب الواسعة التي تعرضت لها مواقع أثرية سورية، راصداً سرقة 40 ألفا و٦٣٥ قطعة أثرية من المتاحف والمستودعات ودور العبادة منذ عام 2011.
وأكد التقرير أن هذا الرقم يشمل فقط المؤسسات الـ 29 التي تعرضت للنهب، في حين لم يؤخذ بعين الاعتبار 10 من المتاحف ودور العبادة التي تعرضت للنهب التي لم يعرف عدد القطع المنهوبة منها.
ولا يشمل هذا الرقم كذلك آلاف القطع غير المسجلة في قوائم ودفاتر 19 متحفا تعرضت لعميات نهب وسرقات، كما لا يشمل عشرات الآلاف من القطع التي نهبت من المواقع الأثرية السورية خلال عمليات الحفر العشوائي منذ 2011، في مناطق مثل أفاميا ودورا أوروبوس وتدمر وإيبلا وغيرها.
وتناول التقرير كذلك دبي كمحطة لتهريب الآثار السورية وبيعها في السوق السوداء العالمية.
وعود الاسترداد
وفي عام 2017، وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعادة القطع الأثرية الأفريقية إلى القارة، وأثار التصريح دهشة واسعة بالنظر للأبعاد الاقتصادية والسياسية لقرار فرنسا التي بسطت يدها طويلا على الموارد الطبيعية والثقافية لأفريقيا.
وفي هذا السياق، كلف ماكرون المؤرخة بنديكت سافوي والخبير الاقتصادي السنغالي فيلين سار بإصدار تقرير عن إمكانية إرجاع الآثار، وأوصيا بالفعل بضرورة إعادة جزء من المقتنيات والقطع الأثرية التي يبلغ عددها ٩٠ ألفا من أصول تعود إلى جنوب الصحراء الأفريقية.
وفي أعقاب التقرير نشرت مجلة “جون أفريك” الفرنسية تقريرا ينتقد غياب الإشارة إلى بلدان شمال أفريقيا فيه، وكانت فرنسا التي استعمرت تلك البلدان استحوذت على الكثير من تحفها الفنية، من ضمنها ألواح قرطاجية وتماثيل رومانية وكنوز بيزنطية وغيرها من المسروقات التي أخذت من العثمانيين وضمت إلى المجموعات الفرنسية.
وسبق أن طالبت مصر باستعادة حجر رشيد الشهير الذي سمح لشامبليون بفك الشفرة الهيروغليفية القديمة من المتحف البريطاني منذ ديسمبر/كانون الأول 2009، كما أنها قدمت طلبا سابقا عام 1925 لمتحف نيو في برلين لاستعادة “رأس نفرتيتي” الذي لا يقل شهرة عن حجر رشيد.
وفي السياق، تطالب الجزائر بممتلكاتها، وقد وعد ماكرون في نهاية عام 2017 بإعادة جماجم 37 مقاتلا جزائريا تحتفظ بها فرنسا منذ القرن الـ١٩ في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس.
وسبق أن أعادت إيطاليا إلى ليبيا في حكم معمر القذافي “حورية قورينا” بعد عرضها فترة طويلة في متحف الحمامات بروما، حين جاء رئيس الوزراء آنذاك سيلفيو برلسكوني إلى بنغازي يحملها مع اعتذار عن استعمار بلاده لليبيا، ورغم ذلك بقيت أغلب القطع الأثرية من شمال أفريقيا معروضة في المتاحف الأوروبية.