مع الأزمة المالية التي اجتاحت العالم بسبب كورونا ووصول أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها خلال شهر نيسان، وجدت الحكومة العراقية نفسها أمام باب شبه مسدود مع خزينة خاوية وعجز تام حتى مع توفير رواتب للموظفين.
وعلى الرغم من التصريحات التي أطلقها بعض المسؤولين بأن رواتب الموظفين مؤمنة ولا يمكن المساس بها، الا أن توفيرها شهرياً هو أحد التحديات التي تواجه الحكومة الحالية.
وحسب المختصين فان الحكومة العراقية تحتاج قرابة أربعة مليارات دولار شهرياً لتمويل رواتب ملايين الموظفين والمتقاعدين والإعانات الاجتماعية، وهي مبالغ واجبة الدفع.
إدارة “غير رشيدة” للأموال
ويقول الخبير الاقتصادي ماجد الصوري في حديث لـ السومرية نيوز إن “التخفيض التي تحدثت به الحكومة سوف لن يمس الرواتب من ذوي الدخل المحدود وانما فقط المخصصات والمنافع الاجتماعية للدرجات العليا من أجل تقليص النفقات التشغيلية”، مبيناً أن “تقليص هذه النفقات سوف يوفر للدولة ما يقارب من 14.5 ترليون دينار من أصل 28 إلى 29 ترليون دينار تنفق على شكل مخصصات ومنافع اجتماعية”.
ويضيف الصوري أن “هناك موارد اخرى ممكن أن تستخدمها الدولة لأغراض التنمية والاستثمار في ظل انخفاض أسعار النفط ومنها وجود اعتمادات مجمدة بقيمة 400 مليون دولار ومبالغ تبلغ 11 مليار دولار اعتمادات لدى مصارف دولية، إضافة إلى وجود أموال مكتنزة لدى عامة الشعب تقدر بـ 40 ترليون دينار ممكن الاستفادة منها في عملية التنمية والحصول عليها عن طريق اصدار سندات مضمونة من قبل البنك المركزي”.
ويشير الصوري، إلى أن “لدى العراق فرص تنموية كثيرة وكبيرة الا أن الإدارة غير الرشيدة للأموال حالت دون تحقيق النجاح”، لافتاً إلى أن “العراق شهد فائضاً مالياً من الإيرادات النفطية خلال عام 2012 بمقدار 57 ترليون دينار لم تستخدم بشكل صحيح، وشهد فائضاً عام 2018 بمقدار 27 ترليون دينار وتم انفاقها بشكل غير صحيح ولم تستخدم في انشاء صناديق سيادية استثمارية تستفاد الأجيال القادمة منها”.
الإدخار السابق لم يعاد للموظف
ويقول الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي في حديث لـ السومرية نيوز إن “اطلاق ٤٠٠ مليار دينار شهرياً لحكومة الإقليم وتسديد ديون الكهرباء لإيران تكشف أن هناك موجودات نقدية تغطي الرواتب دون الحاجة إلى الاستقطاع خصوصاً أن التحويلات إلى الإقليم غير قانونية، واستيراد الكهرباء من إيران كان وفق الدفع الآجل وكان من الممكن التفاوض على تأجيل دفعاتها”.
ويتابع علي، لذا “فأن أي تقليل للرواتب أو إدخار وهو مفهوم غير حقيقي كونه مورس في وقت (رئيس الوزراء الأسبق حيدر) العبادي ولم يتم إعادة الأموال المدخرة إلى الموظفين أي انها استقطاع باسم الادخار فان ممارسته حالياً سيفتح ملفات على الحكومة حول العلاقة المريبة مع حكومة الإقليم والتغاضي عن المستحقات المالية للمركز على الإقليم ضمن الإيراد الاتحادي”.
فساد وسياسات خاطئة
من جانبه، يذكر الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان، أن “الحكومة تسعى حاليا إلى إعادة تقييم للإيرادات في ظل الأزمة المالية التي يمر بها سواء تقليل مخصصات الموظفين وحل مشكلة الفضائيين وازدواج الرواتب وتقييم الايرادات المتأتية من المنافذ الحدودية وتوسيع الضرائب بشكل مباشر “.
ويضيف انطوان في حديث لـ السومرية نيوز، أن “العراق لا يعاني من أزمة مالية بقدر ما يعاني من سوء فساد وسياسات خاطئة على مر السنوات الماضية أدت إلى اتباع سياسة تقشف في الوقت الحالي”.
الموظفون “كبش فداء”
من جانبهم، اعتبر عدد من المواطنين ممن يعملون بالوظائف الحكومية أن الموظف “كبش فداء لسياسات خاطئة وفساد مستشري في الدولة”.
ويقول المواطن محمد هادي الذي يعمل موظفاً في أمانة بغداد في حديث لـ السومرية نيوز، أن “الموظف غالباً ما يكون كبش فداء في أية أزمة تمر بها الحكومة”، ماضياً إلى القول إن “الحكومة تعمد على معاقبة الموظف في اي طارئ وكأنما هو المسبب في الازمة المالية”.
ويتابع هادي، أن “كل دول العالم وحتى دول الجوار التي لا يوجد لديها موارد طبيعية كالعراق لم تتجه الى تقليل رواتب الموظفين”، متسائلا عن “الايرادات المالية التي حصل عليها العراق طيلة الفترات السابقة اين تم صرفها وكيف”.
بدوره، يقول منتظر محمد حسين الموظف في العلوم والتكنلوجيا في حديث لـ السومرية نيوز إن “الفساد المستشري في الدولة هو السبب الرئيسي في عدم تمكن الحكومة من دفع رواتب الموظفين، كما أن الرواتب الخيالية التي يتقاضاها بعض المسؤولين وراء العجز التي تعاني منها الموازنة”.
ويشير حسين إلى أن “هناك حلولاً أخرى من الممكن أن تلجأ اليها الحكومة بدلاً من تقليص رواتب الموظفين”، مستغربا من “فقر العراق مع كل الايرادات التي حصل عليها خلال الفترات الماضية والتي كانت حسب قول المسؤولين بانها موازنات انفجارية”.
وكانت مسودة موازنة العام 2020 التي تم طرحها للمناقشة مؤخرا من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء قد طرحت عدة حلول لعبور الازمة المالية التي يمر بها العراق.
وتضمنت المسودة بنوداً وتعديلات قيل عنها بانها تأتي لسد العجز الحاصل بتمويل شبكة الرعاية والادوية والبطاقة التموينية وغيرها من النفقات الضرورية، وتهدف أيضاً لتقليل أثر الأزمة الاقتصادية التي ستستمر لفترة غير قصيرة.
وبحسب المسودة تقرر إيقاف منح العلاوات السنوية والترفيعات لجميع موظفي الدولة، والترقيات لكل العسكريين والأجهزة الأمنية الأخرى واعتباراً من اليوم الأول من حزيران الحالي، ويكون تمويل إجمالي المخصصات التي يتقاضاها الموظفون المدنيون بنسبة 50 بالمئة عدا الراتب الاسمي للموظفين الذين يزيد دخلهم عن 500 ألف دينار شهرياً، ويكون تمويل إجمالي المخصصات التي يتقاضاها العسكريون ومنتسبو قوى الأمن الداخلي والحشد الشعبي وغيرهم من الصنوف الامنية والعسكرية بنسبة 70 بالمئة للذين يزيد دخلهم عن 500 ألف دينار شهرياً.