نامق عبد ذيب*: لم يعد الشاعر اليوم لسان حال القبيلة أو فارسها

في طريقي للكنز المخبوء
رأيتُ هُدهدًا يُسقطُ عليّ ورقةً مكتوبًا فيها :
لا خبيئةَ هناك
احتفظ بما أنتَ فيه من أمل
لكي تعود بسلام .
هكذا ينسج الشاعر لوحاته من خيوط الحرير الناعم ، وهكذا تحكم الصورة الشعرية على عمقها ودلالتها بخيوط الدهشة ، وهكذا يكون القلم الشعري المترع بصنوف العافية عندما يعد عدته للإبحار نحو مرافئ الخلق والابداع .

الشاعر نامق عبد ذيب

القصيدة لديه مثل كأسٍ من عصير البرتقال المثلج في يوم تموزي قائظ ، تمنحك الرغبة في التحليق وتظل تطاردها لعلك ترتوي من سحرها وجمالها .
نامق عبد ذيب ( أُسْطه ) في بناء القصيدة و (أُسْطه) في تلوين دلالتها امتزجت في قلمه الخبرة مع الممارسة ترعاهما الذاكرة المتقدة فخرج قلمه رشيقا لا يعرف الطلاسم والفوازير ولا يقترب من الترهل
له ثلاثة دواوين شعرية مطبوعة، هي :
أ‌- أريد توضيحي .
ب‌- أضاءت حياتي بكلام أزرق
ت‌- كأن الحمام أضاع الرسائل .
– فاز بمسابقة دار الشؤون الثقافية للشعراء الشباب عام 1991 بمجموعته الشعرية (أريد توضيحي )
– فاز بمسابقة حسب الشيخ جعفر التي أقامها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين عام 1996 بمجموعته الشعرية (سبب النايات )
نشر عشرات القصائد في الصحافة العراقية والعربية .
حاصل على ماجستير في اللغة العربية وآدابها/ مدرس مساعد للغة العربية في مدينة الرمادي .
عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين.
ثقافة الزوراء دخلت بيدر الشاعر العراقي نامق عبد ذيب وخرجت منه بهذا العطاء :

* في العصور القديمة كان الشاعر فارس القبيلة ولسان حالها، ماذا يعني الشاعر لك هذا اليوم ؟
– لم يعد الشاعر اليوم لسان حال القبيلة أو فارسها، فالقبيلة ربما تخلّت عن الشعربسبب الجهل والتخلّف، فهي لم تعد تفهم ما يقال، لأن الشعر أكبر منها لغة وموضوعًا، هي ربما تبحث عن الشاعر الشعبي، أو ما يسمى بـ ( المهوال أو القوّال ) الذي باستطاعته أن ينفخَ في عقليتها الفارغة، والذي يكون بمستوى تفكيرها الجمعي المتهالك، أما الشعر الذي نقصده أنا وأنت صديقي الجنديل، فقد تخلّى هو عن القبيلة والقبلية، الشعر أصبح رؤيا كونية تندمج في ذات الشاعر فتجعله أشدَّ سطوعًا وتأثيرًا من شاعر القبيلة المنقرض أو في طريقه إلى الانقراض.

* بعض النقاد يرى أن الشعر كان ديوان العرب أمّا اليوم فهو عصر السرديات، فما تقول في ذلك ؟
– ربما في هذا القول الكثير من الصحة إذا ما أخذنا الجانب المرئي من القضية، وأقصد مبيعات الكتب، فكتب الشعر لا تنال إلا الجزء اليسير جدا منها، ولذلك أسباب موضوعية تخص القارىء، وذاتية تخص الشعراء والشعر، فأما القارىء فقد أصبح في العموم يبحث عن البسيط والمفهوم والمُغري، فاتجه إلى أنواع كثيرة من السرديات كالرواية والقصة والفلم السينمائي والمسرح لما لهذه الأنواع من مغريات تسحب القارى إلى أجوائها، وأمّا الذاتية التي تخص الشعر والشعراء، فقد صار الشعر أكثرَ غموضًا وعمقًا وهو يحتاج لقارىء نادر يستوعبه ويتذوّقه، وهذا عمومًا نادرٌ بسبب سوء ( التربية الشعرية ) إن صح القول، فكيف يتذوّق الإنسان قصيدة حديثة وهو قد قضى عمره المدرسي مطّلعًا فقط على نماذج شعرية قديمة كرهها بسبب معلمين ومدرسين وأساتذة جامعات لا يفقه أغلبهم ماهية الشعر ؟

* يقول البعض أن الإبداع العراقي تفوّق على النقد، ما هو تقييمك للمشهد النقدي في العراق ؟
– بالنسبة لي فأنا لم أقرأ كتابا نقديا أو مقالة نقدية بصورة كاملة منذ زمن طويل، وهذا ليس لعدم متابعتي لما ينشر من نقد، لكن بسبب النقد نفسه، فقد أصبحت لغته غريبة على القارىء، بل هي غريبة حتى على النص الذي تدرسه، فما أن أبدا بقراءة شيء من هذا القبيل حتى تعافه نفسي فأرمي الكتابَ أو المجلةَ جانبًا، وهذا الكلام لا يشمل النقد في العراق فقط، بل هو ربما مشكلة عربية وعالمية في الكثير مما أطلعت عليه، وهنا أتساءل : هل نستطيع أن نسمّي عشرة نقّاد عراقيين مقروئين ومتابَعين من قبل الأدباء أو القرّاء ؟ أظن أن الإجابة ليست في صالح النقّاد !

* ما رأيكَ بالذي يقول : ( النص الجيد يفرض نفسه على الجميع ) في هذا العالم الذي تتلاعب فيه قوى الدعاية والإعلام ؟
– ربما العكس صحيح أيضًا، ففي زمن الدعاية والإعلام قد يكون النص الجيد ضحية له، فكم من قصيدة تافهة سُلّط عليها الضوء فحازتِ الشهرة والتمجيد ؟ وكم من شاعر لا يعرف الحدَّ الأدنى من أصول الكتابة الشعرية نال التمجيد والتصفيق بل والجوائز في عالمنا العربي ؟ اكتب اسم شاعرٍ من المستوى دون المتوسط على صفحة ( جوجل ) وانتظر النتائج، سيدهشك ما يناله هذا من ألقاب وتكريمات وشهرة، وأنا وأنتَ نعرف شعراء وشاعرات كثيرين وكثيرات جمعوا حولهم في صفحات الفيس بوك الجمَّ الغفيرَ من أقاربهم وأصدقائهم وخالاتهم وعمّاتهم وأبنائهنَّ، وهات يا ( أعجبني ) ويا ( أحببته ) ويا ( تعليقات ) ما أنزل الشعر بها من سلطان ! في حين إن النصوص الجيدة والعالية يمرّون بها مرورَ طائر صغيرٍ هاربٍ من صقر ! وهذا ما يحدث أيضًا في الكثير من صحفنا ومجلاتنا الثقافية مع الأسف، فأنت تراها مملوءة بنصوص هي لسد الفراغ أكثر منها للإبداع والتنوير .

* وأنت تكتب قصيدتك، هل تضع القارىء في حساباتك كشاعر ؟
– لا، لا أفكّر بالقارىء إطلاقًا، بل أفكّر بي وبنصي الذي هو صورة منّي، القارى شيء هلامي غير واضح، ومجهول الهوية، وغير معروف المستوى الثقافي له، الشاعر الذي يفكّر في القارىء شاعرُ وصولي – ربّما – والوصولية لا تعني الشعر، الوصوليون يتسرّبون في شتّى السواقي لكي يصلوا إلى النهر، لكنهم في طرقهم الملتوية هذه لا يصلون إطلاقا، بل سيظلون يتخبّطون هم وقرّاؤهم الذين جاملوهم على حساب النص والشعر عموما في بركة ضيقة لا تعرف موجات الإبداع وجريانه.

* كيف تنظر إلى ترجمة النص الشعري، هل هي خيانة مستورة للنص الأصلي أو أنها قادرة على ترجمة أحاسيس الشاعر ؟
– ليست كل النصوص الشعرية صالحة للترجمة، كذلك ليس كل المترجمين صالحين لأداء هذه المهمة الخطيرة : ترجمة الشعر، لكن هناك الكثير من الترجمات المبدعة التي أوصلت لنا التجارب الشعرية العالمية الكبرى وتعلّمنا منها، اللغة الشعرية هي التي تحدّد نجاح الترجمة أو فشلها، أما بالنسبة لشعرنا العربي وقضية ترجمته للغات أخرى، فأنا لم أطّلع على الكثير من هذه التجارب، لكنّي أظن كذلك بأن من الشعراء العرب المعاصرين من يصلح شعره للترجمة إلى لغة أخرى دون أن يتأثّرَ هذا الشعر بنسبة كبيرة، أنا لست مع مقولة ( خيانة الترجمة ) بل ربّما مع مقولة ( خيانة المترجم )، فالترجمة عملية إبداعية كبرى تلاقحت بسببها الحضارات وتقدّمت الإنسانية ووصلت إلى ما وصلت إليه من رُقيّ .

* كيف يقيّم الشاعر نامق عبد ذيب حركة الشعراء الشباب ؟
– والله يا صديقي لا أعرف، هل هناك حركة شعرية شبابية لها سماتها المختلفة عما يُكتب ؟ في القرن الماضي كانت تسميات الأجيال تتابع أمامنا في الصحف والكتب النقدية : الروّاد، الستينيون، السبعينيون، الثمانينيون، بل حتى التسعينيون، أما في الألفية الثالثة، فقد اختفت هذه التسميات، ولم يعد أحد يتذكر ما يسمى بـ ( الشعراء الشباب ) طبعا هذا لا يعني عدم وجودهم، أو عدم وجود شعراء مهمّين ظهروا وعُرفوا من خلال قراءاتي لهم في مواقع التواصل أو في بعض الصحف، في العراق خاصة هناك أسماء مهمة هم أصدقائي، عرفتهم شعراءَ منكبّين على كتابة نصوص رائعة، لكن هل نستطيع أن نقول أن هناك حركة للشعراء الشباب ؟ هذا ما لا أستطيع تحديده بهذه العجالة، بل هو ربما من مسؤولية النقاد، عليهم هم أن يقوموا بدراسة ما أنتج في الألفية الثالثة والأسماء التي برزت وحققت وجودها .

* ما مدى تأثير المكان في قلمك الشعري ؟
– المكان له تأثير كبير في ما أكتب، وبما إني ابن مدينة ترقد على أطراف الصحراء، بل هي مدينة صحرواية، فأنت لا تستطيع أن تغفل مفردات هذا المكان التي تتكرّر في نصوصي : الصحراء، الربابات، النايات، البدو، الحنين، الشوك، العتابة، الرمال، الينابيع … إلخ، الأديب بصورة عامة ابن بيئته، والشاعر بصورة خاصة هو المعبّر عن هذه البيئة والمكان الذي يتسرب إلى قصائده دون أن يدري .

* يقول مالارميه : ( القصيدة سر، وعلى القارىء أن يبحث عن مفتاح ) هل تعتقد أن القصيدة لا يمكن الدخول إليها عن طريق المفتاح ؟
– ربما الحديث عن سر القصيدة يكون هيّنًا إذا ما قارنّاه بالحديث عن سر الشعر، لكن نعم، فالقصيدة الحديثة تحتاج إلى قارىء باستطاعته الوصول إلى شيء من أسرارها، ولهذا السبب فإنّنا نرى أن قرّاء الشعر ومتذوّقيه هم قلة، وهذا يعود بنا إلى السؤال السابق الذي تحدّث عن عصر السرديات، فالرواية والمسرحية والفلم السينمائي تمتلك آليات مختلفة باستطاعة القارىء وبجهد بسيط أن يتواصل معها، أما القصيدة فهي بحاجة إلى قارىء على درجة عالية من الوعي والثقافة الشعرية لكي يصل إلى شيء مما تريد قوله هذه القصيدة أو تلك، وكما الشاعرُ يحتاج إلى ( دِربةٍ ) و ( استمرار ) لكي يكتب نصّا جيدا، كذلك فإن على القارىء أن يكون بثقافة ما تساعده على اكتناه سرِّ ما يقرأ، فـ ( الشعر صعبٌ وطويلٌ سًلّمُه ) على الشاعر … وعلى القارىء أيضًا .

 

*الحوار منشور في صحيفة “الزوراء”