حسين العادلي*
• لا معارضة سياسية بالنظام التوافقي (المكوّناتي)، فالمعارضة نتاج النظام الديمقراطي المواطني القائم على اعتبار الدولة (أمّة مواطنين) وليس (تكدس مجتمعيات)، والحكومات فيها نتاج تنافس حزبي (برامجي) تنتجه انتخابات حرة ونزيهة تفرز أغلبية سياسية (حاكمة) وأقلية سياسية (معارِضة).
• لا يمكن فصل (الحكم والمعارضة) عن بنية النظام السياسى نفسه، والنظام التوافقي المكوّناتي هو نظام حكم (تمثيلي) لأحزاب المكوّنات المجتمعية (العرقطائفية)، إذ يقوم (بالإعتراف والشرعية والإستحقاق) على مبدأ (شراكة المكوّنات/كجماعات) ببناء الدولة وإدارتها، وليس (شراكة المواطنين/كأفراد)، فوحدة الإعتراف لديه هي (المكوّن) والشرعية تتحقق من خلال مبدأ (التوازن) والإستحقاق يتجسد عنده من خلال (المحاصصة) وفق حجوم المكوّنات،.. لذا فمعادلة الحكم بالنظام التوافقي العرقطائفي هي: المكوّن+سلطة المكوّن+الحزب الممثل لسلطة المكوّن= دولة المكوّنات.
• للإنصاف، فإنَّ الدستور العراقي 2005م ديمقراطي الجوهر، ولا يقر نظام المكوّنات، بل يعتمد مبدأ الأغلبية السياسية البرلمانية بتشكيل الحكم (الكتلة الأكبر)، إلاّ أنَّ (التوافقات) الحزبية انحازت إلى التوافق العرقي الطائفي المحاصصي الذي أصبح عرفاً دستورياً!! وهنا المعضلة، فقد أسس هذا النظام لاشراك الجميع بالسلطة بدعوى (التوازن والشراكة)،.. والنتيجة، أنَّ الكل يحكم كامتياز، والكل (يعارض/يصرخ)!!،.. والمعارضة هنا –في جوهرها- معارضة تتمحور حول الدولة (سلطة وثروة وسيادة) وحصص هذا المكوّن أو ذاك فيها لإدارتها (توافقاً)،.. والسبب، أنَّ الدولة بالديمقراطية التوافقية هي (زيجة مكوّنات) وليست (جمهوراً وطنياً) لأمّة وطنية.
• قبل 2003م لم تكن هناك معارضة في ظل البعث الصدامي الشمولي المستبد،.. وبعد 2003م لم ننتج معارضة بسبب اعتماد نظام التوافق المكوّناتي، وعلينا إدراك ذلك. فكما تتطلب المعارضة تعددية سياسية مكفولة الحقوق والحريات بما فيها المشاركة السياسية وحق المعارضة السلمية للسلطات، كذلك، تقوم المعارضة على مواطنية قانونية سياسية (للفرد)، وأحزاب وطنية (للأمّة)، ونظام ديمقراطي يحل إشكالية السلطة (بالتداول السلمي) ويضمن العدالة والحقوق للجميع بما فيها الأقليات السياسية. ولا مكان لمعارضة سياسية حقيقية بنظام سياسي يعتمد (المكوّن) كمواطنية، و(أحزاب المكوّنات) كقوى سياسية، وتوافقات (محاصصية) تعتمد الهويات الفرعية ومصالحها وجماعاتها.
• التأسيس لمعارضة سياسية (لتنشأ وتتكامل) تتطلب العودة للدستور، وقيام عملية سياسية دستورية تقوم على الأغلبية السياسية الحاكمة والأقلية السياسية المحكومة (مضمونة الحقوق). وبالضرورة، تتطلب هذه العودة للدستور التخلي عن النظام السياسي المكوّناتي ليعاد تقعيده على وفق معايير النظام الديمقراطي المواطني الذي تحسم انتخاباته النزيهة مؤسساته الحاكمة وفق مبدأ الأغبية السياسية البرلمانية. إنَّ استبدال معادلة: (المكوّن/السلطة/الحزب)، بمعادلة: (المواطنة/الدولة/المؤسسة) ببناء النظام السياسي هو جوهر (التحوّل) المطلوب لإنتاج حكومات ومعارضة مسؤولة وفاعلة في مسيرة الدولة.
• ثنائي الحكومة والمعارضة تنتجه أيضاً الثقافة المدنية وسياقات التطوّر السياسي للمجتمع ونخبه ومدى التزامهم بمعايير بناء وإدارة الدولة (كأمّة وطنية)، فالنخب والمجتمعات التقليدية أو الغارقة بأسر الهويات الفرعية (بالانتماء والولاء والأداء) لن تستطع أن تعيش روح الأمّة ومجال الدولة، وبالتالي لن تكوّن (أمّة دولة) بل (دولة أمم) متصارعة الهوية والمصلحة.
• كما يتطلب ثنائي (الحكومة والمعارضة) قوى سياسية وطنية متحررة من تخندقها العرقطائفي المصالحي الضيق حُكماً ومعارضةً، كذلك، يتطلب -هذا الثنائي- وعياً والتزاماً باشتراطات بناء الدولة وإدارة سلطاتها من قبل نخبها ومجتمعها ومؤسساتها.