الرياض*
أوضح الكاتب السعودي تركي الحمد أن البعض يطرح العودة إلى الصوفية كأساس لخطاب جديد، كون مبادئ الصوفية تحمل قيم التسامح والسلام ونبذ العنف، «ولكن الصوفية في النهاية هي تجربة ذاتية فردية لا يمكن لها أن تكون أساسا لخطاب سياسي واجتماعي عام». ويرى الحمد أنه على رغم تعدد تعريفات الصوفية وتطوراتها عبر القرون، من الزهد البسيط في بداية أمرها، إلى التصوف الفلسفي، وانتهاء بالتصوف الرث (تصوف الدراويش)، أو تصوف العامة، «إلا أن بنيتها وجوهرها في تناقض وجودي مع نهر الحياة. فهي بحث عن السعادة الروحية الذاتية، وتختلف تجارب البحث عن السعادة هذه من فرد لآخر. والتصوف، وفق تعريف أو الحسن الحصري، وهو التعريف الذي أجد أنه الأقرب لمعناها العيمق، هو «قطع العلائق، ورفض الخلائق، واتصال بالحقائق».
وقال الحمد: «ورغم جود مدارس وزوايا صوفية شاركت في الحياة العامة، كالسنوسية والمهدية مثلا، إلا أن ذلك لا يمنع من التعميم والقول بأن الصوفية لا يمكن أن تكون محور خطاب ديني عام، فإنه لا يكون إلا في حالة ضعف الدولة وبؤس المجتمع، كنوع من اكتفاء ذاتي خارج الدولة والمجتمع». ويخلص إلى أن تحديث الخطاب الديني «ضرورة ملحة في عالم العرب والمسلمين، إن كان لهم أن يتحرروا من أسر الماضي، وقيود التراث، وتحكم الأموات بالأحياء. خطاب ديني جديد تكون نقطة ارتكازه هي الإنسان، والإنسان فقط».
جاء ذلك في مشاركة تركي الحمد في ملف كرسته مجلة «الفيصل» للصوفية، إذ خصت «الفيصل» في عددها الجديد موضوع التصوف بكثير من الاستقراء والتحليل، في ملف يحمل سؤالًا مهمًّا: الاهتمام بالتصوف.. لماذا الآن؟ سعت «الفيصل» في هذا الملف عن الصوفية، الذي يشارك فيه مفكرون وباحثون وأدباء من أنحاء الوطن العربي، إلى أن تتقصَّى مرامي الاهتمام بالصوفية، وكيف انتقل التصوف من الهامش إلى الواجهة، في لحظة يهيمن عليها التطرف والإرهاب ومعاداة الآخر، وتوضِّح مدى مقدرة الصوفية أو عدم مقدرتها على أن تكون بديلًا للمذاهب الإسلامية، وكيف يمكن أن تسهم في إشاعة السلام وترسيخ قيم المحبة والتعايش والقبول بالآخر. وتساءلت «الفيصل» عن دور الغرب في الاهتمام بالصوفية وعقده الندوات؛ هذا الاهتمام الذي بدأ سياسيًّا بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011. وحفل الملف بإطلالة على الصوفية والمتصوفة، نساء ورجالًا، وتأمل في تجليات الصوفية في النص الأدبي وفي السينما.
وشارك في الملف: محمد بن الطيب، ورضوان السيد، وتركي الحمد، وسعاد الحكيم، وميثم الجنابي، وعزيز الكبيطي إدريس، وحسن حنفي، وأمين صالح، وخالد محمد عبده، وشحاتة صيام، وزليخة أبو ريشة، وسمير المنزلاوي، وأحمد الشهاوي، ومحمد جبريل، وزيد الفضيل، وخالد العنزي، وسعود البلوي وآخرون.
حوار العدد كان مع المفكر الأردني هشام غصيب الذي يقول إن الشك العدمي نخر عقله وروحه وقاده إلى الفلسفة. ويوضح أن أفكاره ويقينياته تحولت إلى ما يشبه الأدوات القديمة المتشظية، فمضى في حوار ذاتي مُمِضٍّ وطويلٍ، وفي عزلة فكرية عذَّبته كثيرًا، وتركت في نفسه ندوبًا غائرة إلى الأبد. ويرى هشام غصيب في الحوار الذي أجراه الباحث إبراهيم غرايبة، أن الاستغراب في سيرته وتشكله ليس سوى معركة تحديث «الإنتلجنسيا» العربية ورفع وعيها وممارساتها إلى مستوى تحدي العصر، تلك المهمة التي عدَّها ياسين الحافظ الشرطَ الأساسي والجوهري للانتصار في معركة الاستقلال والتحرر القومي.
ويقول إنه جرت محاولات متعددة لتأسيس المشروع العلمي في عصر النهضة العربية، لكنها ظلت محاولات فردية ومتفرقة، فتبددت من دون أن تتحول إلى تيار مؤسسي شامل وسائد.
ويواصل فيصل دراج كتابة سيرته الذاتية، فيكتب عن حسين مروة ومحمد دكروب ومهدي عامل، ومما يقوله عن الأخير: «كان حكاية لوحده، غريبة مميزة غرابة أسمائه الثلاثة: مهدي يضعه على كتبه ودراساته، وحسن حمدان لتلامذته في الجامعة، وهلال بن زيتون، يوقع به قصائد متأملة يكتبها بعد عناء النهار واعتدال الليل، كما كان يقول. أراد في أسمائه المتعددة أن تكون له أكثر من حياة».
ويكتب علي حرب عن الثورات العربية: الدروس والتحديات، ويذكر أن الأحداث في السودان، ثم في الجزائر، تفاجئ العرب والعالم بما لم يكن متوقعًا: موجات جديدة من الانتفاضات تقول بأن الثورات العربية هي أمامنا.
أما زهية جويرو فتناقش دور المؤسسات التعليمية في مقاومة التطرف، وتقول إنّه لمن المؤسف أن تتحوّل مؤسّسات عريقة في حجم الأزهر بمصر والزيتونة بتونس والقرويين بالمغرب وغيرها إلى «حصون قروسطية مغلقة». في حين يسائل نجيب الخنيزي الأدوار التي تقوم بها هيئة الأمم المتحدة، مؤكدًا أنها حبيسة مراكز النفوذ، داعيًا إلى تجددها وتحررها. ويعيد رفعت سلام طرح سؤال قصيدة النثر، ويرى أنه بعد مرور نحو نصف قرن على بزوغ قصيدة النثر، لا تزال من دون إضافة نقدية أو نظرية، تزيل أثر التشوشات التي تضبب الأفق الثقافي العربي. ويتساءل فخري صالح: هل تموت الرواية أم تغير شكلها؟
وفي باب «دراسات» يكتب محمد مظلوم عن كتاب الأكاديمي الأميريكي روبن روكسويل «مدينة البدايات… الحداثة الشعرية في بيروت» الصادر مؤخرًا عن جامعة برينستون. والكتاب يتناول تجربة مجلة شعر وتحولات أدونيس وحداثة بيروت. يزخر الكتاب، كما يقول مظلوم، بمسح دقيق وكمية من الوثائق والمراسلات تجعل منه محرضًا لإعادة قراءة التاريخ الآخر للحركة وعلاقتها بالصراعات السياسية في المنطقة المرتبطة أصلًا بتفاعلات الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي. ويرى ربن روكسويل أن تجربة مجلة «شعر» لم تكن الهوية النهائية لأدونيس ولا المفتاح الأساسي لفهم شعره، بل هي مرحلة في تجربة زاخرة مليئة بالتناقضات… وفي الباب نفسه يتناول الباحث بنعيسى بوحمالة موضوع الحرية في شعر علال الفاسي.
وفي العدد الجديد يسرد الأكاديمي السعودي علي النملة تجربته العلمية مع المفكر التركي فؤاد سزكين في ألمانيا.
وفي «قضايا» يكتب محمد برادة عن أزمة الديمقراطية في فرنسا وأوربا، كما يترجم حوارًا مع المفكر بيير روزانفالون حول الموضوع نفسه. وفي حوار مع فرانسيس فوكوياما يرى أن العالم المفتوح يتحول أكثر انغلاقًا وأقل ازدهارًا، مؤكدًا أن التهديدات الأكثر مكرًا ضد الليبرالية تأتي من داخل الدول الديمقراطية. ويكتب محمد سيد رصاص سيرة فكرية للمفكر الراحل الطيب تيزيني. أما هاني نديم فيسبر في «فضاءات» أغوار ثلاث شخصيات أدبية: الجواهري، وساراماغو، ومحمد شكري.
وتنشر «الفيصل» ترجمة لنص الشريط الذي أنجزته الناقدة المصرية صفاء فتحي حول الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، ويتحدث فيه عن موضوعات عدة، ومنها أنه لا يطيق النظر إلى وجهه، ويكره صوره الشخصية، متسائلًا: «هل صادف أحدٌ منا يومًا «أنا» في الطريق؟ (ترجم الشريط على بلجراف).
ويكتب جودت هوشيار في «ثقافات» عن أولغا إيفينسكايا… عشيقة باسترناك ومصدر إلهامه، التي اعتُقلت وعاشت مهانة بسببه، وصودرت رسائلها ومخطوطاتها.
ويستعيد منذر مصري شخصية عبدالله هوشة، في مقال بعنوان: «ودِعُكَ أُمَّكَ الأرضَ».
وتضمن باب «كتب» قراءات لكل من ياسين النصير: داكن رمادي لطالب الرفاعي. وهيفاء بيطار: قد لا يبقى أحد لهيثم حسين. وعبدالفتاح شهيد: وهذا باب في التوريق لعبدالله الغذامي. ورسول محمد رسول: ما وراء الرومنطيقية لبودلير ترجمة كاظم جهاد. وميلود عرنيبة: من نبحث عنه بعيدًا، يقطن قريبًا لعبدالفتاح كيليطو.
وتكتب ندى حطيط عن ونستون تشرشل: أفضلُ بريطانيّ في التاريخ أم مُجرم حربٍ؟
وتحاور هدى الدغق الفنان التشكيلي السعودي أحمد ماطر الذي يتساءل: ماذا غير البهجة تندفع داخل حصون الأعمال الفنية وهي تستجيب لذلك الشغف المحاط بالتربص والتحيّن والانتظار؟ وفي «موسيقا» نطالع مقالًا لألبيركامو حول موسيقا موتسارت (محمد محمود مصطفى). وتتأمل زينب الشيخ علي في «سينما» اللحظة السينمائية في السعودية.
وحفل العدد الجديد من «الفيصل» بعدد من النصوص الأدبية: قمر أسود للشاعر المكسيكي خورخي كونطريراس (ترجمة علي بونوا). المحفظة لحسن آل عامر. مثل وحدةٍ لامعة لإبراهيم الحسين. سيرة ذاتية لحسن بولهويشات. قصائد الجد لمحمد اللوزي. طيور وأطفال لمحمود الرحبي.
أما كتاب العدد فجاء بعنوان: «الخطاب الإشهاري في النص الأدبي: دراسة تداولية» للدكتورة مريم الشنقيطي. والكتاب هو أجزاء من أطروحة أكاديمية نالت بموجبها المؤلفة درجة الدكتوراه، اختارت صحيفة أخبار الأدب (المدة التي ترأس فيها الأديب جمال الغيطاني) لتكون موضوعًا للدراسة.
*عن “الحياة”