صلاح النصراوي*
في آخر بوست كتبته كنت اعلق على عمل الصحافة بحكم مهنتي وتعلقي بها ولم يكن تعليقا على وفاة مبارك، ولو كنت ارغب لكتبت مقالا فيه بالطريقة ذاتها خاصة بسبب ولعي في هذا النوع من الكتابة ايام زمان (آخر مقال نعي لي كان عن محمد حسنين هيكل).ولكن احدى المشاركات التي شابتها حماسة مفرطة في الرد على ذلك البوست حفزتني على كتابة هذا البوست.
عرفت مبارك بما يكفي بسبب عملي في الصحافة في مصر والشرق الاوسط والذي شمل تغطيتي لاحداث كان مبارك بطلها منذ اول مرة التقي به وجها لوجه في اول مؤتمر قمة لمجلس التعاون العربي في بغداد عام 1989 وكانت تلك فرصة ان احاول ان ارسم في ذهني له مقارنة مع صدام وانا اقف على بعد متر واحد منهما.
ثم لاحقت مبارك بعدها عشرون عاما في مقر حكمه في قصر الاتحادية وفي العشرات بل المئات من مؤتمرات القمة والمؤتمرات الصحفية ومؤتمرات الحزب الوطني بل وعشت على الجانب الاخر من الشارع الذي عاش فيه فوق نفق العروبة بما يعني اننا تنفسنا الهواء نفسه لسنوات طويلة، وبطبيعة الحال شهدت عن قرب نهاية عهده.
كانت لدي دائما فرص لان اكون اكثر قربا ولكن بسبب طبيعتي وتكويني الثقافي ونفوري من السلطة فقد حافظت على المسافة المطلوبة كما حافظت عليها مع كثيرين في دول عربية عديدة عملت فيها ومع ذلك فقد وفرت لي فرص تتيح المجال ان اكون شاهدا على عصره وعصرنا جميعا، لكن فرصة روايتها لم تأت ولا اظن انها ستأتي لاسباب عديدة.
لكن بمناسبة وفاته وردود الافعال والانفعالات التي صاحبتها كان هناك دائما ما يذكرني بالمواقف الانفعالية التي يتبناها البعض دون مراجعة وتقويم حقيقي والاهم دون شمولية، اي ان يكون الموقف من احدهم او من قضية ما هو نفس الموقف من شخص اخر او موقف اخر تنطبق عليه نفس المعايير.
وسأكون اكثر تحديدا فمنذ قدومي الى مصر هاربا من صدام ونظامه كنت اجد ان العديد من المثقفين وليس من بين العامة فقط من يمجد بصدام في حين انه ينهال بكل انواع الاتهامات وحتى الشتائم على مبارك ونظامه.
في احدى المرات دخلت في هذا النقاش مع علاء الاسواني (في مرحلته الناصرية وربما قبل عمارة يعقويان) في المقهى الثقافي مع شلة المريدين الذين يلتفون حوله والذين كانوا يدافعون عن صدام ويهاجمون مبارك فقلت له يا دكتور علاء ما رأيك ان تأخذوا صدام وتعطونا مبارك فعلى الاقل سيكون لنا حرية شتمه في مقاهي بغداد كما تفعل انت لا ان نخشى ان نتكلم عن نظام صدام حتى في غرف نومنا.
هذه الازدواجية في السلوك السياسي العربي اكتشفتها مبكرا على مستوى عملي عندما كنت عضوا في اللجنة التنفيذية لاتحاد الطلبة العرب في المملكة المتحدة وايرلندا بصفتي رئيسا للجمعية الطلابية العربية في جامعتي البريطانية.فعندما وقعت الحرب العراقية الايرانية عام 1980 طلب المندوبون العراقيون الذين يمثلون نظام صدام ان يصدر الاتحاد بيان تأييد للعراق ضد ايران وكان ان مر القرار بسهولة ولكن عندما طلب ممثل الطلاب الاردنيين ان يصدر الاتحاد قرارا بادانة النظام الاردني في بعض الممارسات القمعية رفض ممثلو صدام وتحججوا بانهم لن يفعلوا ذلك لانهم لا يريدون الاساءة للملك حسين وهكذا جرت الامور مع باقي مندوبي الدول العربية الذين كان كل منهم يحمل ليلاه يبكي عليها ويريد ان يشاركه بها الاخرون.
لن اقول من كان منكم بلا ازدواجية فليدلي بدلوه ولكني اقول ان التنفيس عن الذات لا يصنع حكما، بل التاريخ.
*كاتب وصحافي عراقي مقيم في القاهرة