إبراهيم المنسي*
كثيرة هي التهديدات التي يطلقها قادة “الحرس الثوري” الإيراني، أو أذرعه في الخارج كميليشيات الحوثيين الإرهابية وغيرها، باستهداف إسرائيل، والكشف من حين لآخر عن تجارب صاروخية جديدة. والحق أن برنامج الصواريخ الإيراني على رغم البروباغاندا التي تُخَدِّم عليه، والشعارات المزيفة التي تحيط به، ليس إلا خنجراً يتم شحذه لطعن الدول العربية والإسلامية وفقاً لما تنطق به الوقائع والأحداث. ويظهر هذا التناقض بشدة عند عقد أي مقارنة منصفة، ولو بنسبة بسيطة، بين الشعارات والوقائع؛ فالصواريخ التي تُطلقها ما تُسمى بـ”الجمهورية الإسلامية”، ويحمل بعضها أسماءً قرآنية مثل “سجيل”، و”الفجر”، و”نازعات”، و”قَدَر”، و”زلزال”، وغيرها، لا تُصوَّب إلا إلى أراضي الدول العربية والإسلامية. فوجهة استهداف هذه الصواريخ دول الخليج وبلاد الحرمين.
وعلى رغم الأنشطة الإرهابية التي تمارسها الأذرع المسلحة المدعومة من “نظام الملالي” في الدول العربية، والمجازر التي تورطت بها ميليشياتها في اليمن وسورية ومن قبلهما في العراق، واستهداف الملاحة في مضيقي هرمز وباب المندب، لا تزال طهران تقدم نفسها للعالم الإسلامي كقوة داعمة للمقاومة ومعادية لإسرائيل، في حين تتوجه عداوتها الحقيقية للأمة العربية. وحتى إذا نظرنا إلى الدعم المزعوم للفلسطينيين نجد أنه لا يعدو كونه محاولات لاستغلال القضية والمتاجرة بها خارجياً، بينما هي في الحقيقة تعمل على خلق خلايا داخل الأراضي الفلسطينية تأتمر بأمرها وتروج لمشروعها الطائفي التوسعي كميليشيات “الصابرون” الشيعية، التي أسّسها منشقون عن حركة “الجهاد الإسلامي” في عام 2014، داخل قطاع غزة. فعلاقتها بالقضية الفلسطينية تأتي ضمن استراتيجية لخلق الأزمات والإتجار بها، وسياسة تجميع الأوراق في أيديها للمساومة عليها ومقايضتها خلال جلسات التفاوض مع الأميركيين والغرب، لاسيما وأنها مقبلة على مرحلة إعادة كتابة بنود الاتفاق النووي، وستسبقه بلا شك مباحثات تشمل ملف التدخلات الإيرانية في دول الإقليم. بل إن إيران قدَّمت أكبر ضربة للقضية بأن شغلت العالم العربي عن قضيته المركزية بتهديد مشروعها الفارسي التوسعي، وساعدت في تمزيق اللُّحمة الفلسطينية وتعميق حدة الانقسام. فمنذ قام هذا النظام الجاثم على صدر الشعب الإيراني طيلة 40 عاماً، وهو يقول أن “الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد، وعبر صنعاء والبحرين، ولبنان… إلخ”، ضمن قائمة متجددة لم ولن توصل في النهاية إلى القدس ولا يُراد لها ذلك من الأساس. بل إن المفارقة المثيرة تكمن في أن “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري” المصنف إرهابياً يكاد يُهدد أمن دول المنطقة كافة، لكنه يستثني الدولة التي تقع فيها القدس ذاتها من نطاق عمله!
* كاتب مصري والمقال عن “الحياة”