جويس كرم*
المشهد جاء سورياليا من ولاية أيوا الريفية، وحيث أدى الخلل التكنولوجي ليل الاثنين إلى تأخر نتائج السباق الديمقراطي أكثر من 12 ساعة، وليخلق حالا من الارتباك داخل الحزب الأزرق.
أيا كان اسم الفائز في أيوا فهو فقد الزخم والاندفاعة التي تمنحها الولاية تاريخيا لأسماء انتصرت فيها ووصلت الرئاسة مثل باراك أوباما في العام 2008. العنوان اليوم هو فشل الحزب الديمقراطي في الولاية في إدارة انتخابات سلسة وتخبطه بانقسامات داخلية بين خط اليسار وخط الوسط، قد توصل إلى اعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب لولاية ثانية.
تسعة أشهر تفصلنا عن الانتخابات العامة الأميركية بين ترامب ومنافسه أو منافسته من الحزب الديمقراطي، وهي توازي قرنا في العناوين والفضائح والتبدلات السياسية في الداخل الأميركي. إنما عدة عوامل كشفتها انتخابات أيوا إلى جانب الورقة الاقتصادية المستقرة، وقد تساعد ترامب في الفوز مجددا وأبرزها:
ـ انقسام عميق في الحزب الديمقراطي بين ناخبي اليسار الداعمين لبيرني ساندرز والسناتور إليزابيث وارن والمعتدلين المؤيدين لنائب الرئيس السابق جوزيف بايدن أو بين بوديدجيج أو آيمي كلوباتشار. ففي بعض الأقلام الانتخابية مثل جامعة “درايك” في ديموين في أيوا، رفض مؤيدو الصف المعتدل والذي لم يحصد مرشحه النسب المطلوبة (15 في المئة) للانتقال إلى الدورة الثانية، ورفضوا دعم أي من مرشحي اليسار وانضموا بدلا من ذلك إلى تكتل تحت عنوان “غير ملتزم”.
ـ غياب مرشح صدارة للحزب حتى الساعة ومع احتدام التنافس في أرقام الاستطلاعات بين بايدن وساندرز إنما من دون تمكن أي منهم من أخذ موقع القيادة كما كان الحال مع جون كيري أو جورج بوش. هذه الرمادية عززتها المشاكل التقنية في أيوا ومن شأنها أن تطيل المعركة الديمقراطية في حال فشل أي من المرشحين اكتساح ولايات “الثلاثاء الأكبر” في 3 مارس المقبل. هذا يعني فعليا استفادة ترامب من المنافسة الطويلة كما كانت تجربته في 2016 حيث وظف المعركة العقيمة بين هيلاري كلينتون وساندرز يومها لصالحه.
ـ الاقبال غير الكثيف في أيوا بين الديمقراطيين وبنسب أقل من نسب العام 2008 التي شهدت صعود نجم أوباما وتصويت حوالي 240 ألف ناخب في الولاية حينها. فالحديث اليوم هو عن نسب تشبه العام 2016 حيث صوت 171 ألف ناخب، وهو رقم سيؤرق الديمقراطيين في الانتخابات العامة والمخاوف من تكرار سيناريو 2016 عندما فشلت كلينتون في حشد أصوات القاعدة الحزبية في ولايات حاسمة.
أما ترامب، الذي جيش قاعدته اليمينية بسياسات متطرفة وبعضها عنصري، فلديه ما يكفي من الزخم اليوم لحشد نسب عالية من الإقبال في الولايات الأهم. وسيساعده في ذلك موقعه الرئاسي وقدرته على استصدار سياسات مثل حظر السفر الجديد على بعض الدول الأفريقية، لجذب هذه الأصوات.
ـ العدد الكبير للمرشحين الديمقراطيين، الذي يفوق عشرة مرشحين، وضياع الناخب بين أجنداتهم وشعاراتهم. فلا اليسار ملتف بالكامل حول ساندرز ولا الوسط حول بايدن. أما عمدة نيويورك السابق مايكل بلومبرغ فقد ينجح في حصد ما يكفي من الدعم في انتخابات “الثلاثاء الأكبر” ليدخل كاسم جدي للفوز بلقب الحزب.
هذا التفتت بين الديمقراطيين قد يوصل إلى مؤتمر حزبي في يوليو من دون اسم واضح لمنافس ترامب. هكذا نتيجة قد تطلق شتى أنواع التحالفات في المؤتمر نفسه وتفتح عدة خيارات أمام الحزب.
تخبط الديمقراطيين في أيوا والانقسام بين اليسار والمعتدلين يفتح الطريق أمام ترامب للفوز بولاية ثانية. فمن دون مرشح ديمقراطي قادر على توحيد صفوف الحزب وإنهاء المنافسة قبل المؤتمر الحزبي، سيجعل من هزيمة الجمهوريين في نوفمبر أمرا صعبا، من دون أن يكون مستحيلا.
- عن “الحرة”