سناء العاجي*
كم نكتة وصلتك عن الصين والصينيين والنقاب الذي أصبح إجباريا في الصين؟
كم تعليقا قرأته حول انتقام الله من الصينيين بسبب موقفهم من مسلمي الصين؟
في المرة الأولى قد تبتسم… لكنك، مع توالي هذا النوع من “النكات”، ومع توصلك بها من طرف أشخاص يدافع بعضهم عن حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، تشعر بالامتعاض لأنك تكتشف أن الأمر، في النهاية، يتحول لعنصرية مقيتة ولغياب أي حس إنساني لدى من يصممها ومن ينشرها.
في الوقت الذي نطالب فيه العالم (عن حق) بالانتباه لقضايانا وللتضامن مع ضحايا الظلم والحرب والطائفية والإرهاب في سوريا والعراق واليمن وفلسطين وليبيا… في الوقت الذي نسعى فيه لأن يفتح العالم أعينه أمام الوعي الحقوقي والسياسي لشباب لبنان والجزائر والبحرين والمغرب، نكتفي بالسخرية من بلد وشعب يعيش أزمة صحية كبيرة… ويواجهها بشجاعة وصرامة.
علما أن من يستحق السخرية في الواقع هو نحن، لأن وباء كهذا لو أصاب أيا من بلداننا، لكنا ربما اليوم مهددين بالانقراض؛ في حين أن الصين استطاعت، إلى حد كبير، أن تحتوي الأزمة بإمكانياتها الطبية والعلمية، كما استطاعت أن تشيد وتجهز مستشفى في عشرة أيام (مدة لن تكون بالتأكيد كافية للاجتماعات الأولية للجنة التحضيرية لبناء مستشفى في أحد الأقاليم بأي من بلداننا). لنتخيل ببساطة لو أن وباء كهذا أصاب المغرب أو مصر أو الجزائر؟
بل لنتخيل ببساطة لو أنه، خلال إحدى كوارثنا الطبيعية أو بسبب الإرهاب، نكتشف أن الصينيين والكوريين والكنديين يتناقلون النكت عنا ويضحكون؟
لقد نظمنا عشرات المظاهرات والاحتجاجات بسبب كاريكاتور ساخر… بل أنَّ مِنا مَن قتل صحافيين في باريس بسبب سخريتهم من ديننا (علما أنهم كانوا يسخرون من جميع مكونات المجتمعات المحيطة بهم ولا يحصرون سخريتهم في الإسلام). ومِنا أيضا من برّر ذلك القتل واعتبره ناتجا عن عدم احترام لمشاعرنا… وها نحن اليوم نتبادل من الرسوم والصور الساخرة بالعشرات، بدون أدنى شعور بالخجل من أنفسنا.
باسم أي قيم وأي تدين وأي التزام إنساني تسخر من آلام الآخرين؟ آخرون في النهاية هم أكثر تقدما ورقيا منك على عدة مستويات!
علينا بالتأكيد أن نخجل من أنفسنا.
هذا دون أن ننسى بعض الغباء الذي جعل هذا الوباء عقابا من الله بسبب “اضطهاد” الأقلية المسلمة في الصين. أي غباء يجعل شخصا ما يتخيل مثلا أن الوباء، في انتشاره، سيفرق بين المسلم والبوذي والملحد والمسيحي؟
أتذكر هنا تساؤلا طريفا لأحد الأصدقاء حول الزلزال الأخير في تركيا… هل يكون ذلك عقابا من الله للحكومة الإسلامية في تركيا مثلا؟
ثم، على هذا الأساس، يفترض أن نقتنع ربما أننا أكثر الشعوب التي يعاقبها الله، إذا تأملنا بموضوعية تخلفنا العلمي والأخلاقي والسياسي والتكنولوجي. يمكن لمعتنقي ديانات أخرى أت يعتبروا مثلا أن الله يعاقب مسلمي اليمن وفلسطين والعراق وليبيا ونيجيريا وأفغانستان؟ ما سيكون موقفنا حينذاك؟ أم أننا وحدنا من نستحق وقوف الله معنا و”تعذيب” باقي خلقه من أجل سواد عيوننا المليئة بالحقد والانتقاص من الآخر؟
هناك أيضا من تحدث عن النقاب وشبّه كمامات الحماية التي يضعها الصينيون للوقاية من العدوى بنقاب أصبح مفروضا عليهم، بعد منعهم النقاب للمسلمات! هكذا بكل الغباء الممكن!
إذا كنت تتمتع ببعض الموضوعية والعقلانية، فيفترض، وأنت تقرأ أو تسمع هذا الهراء، أن تشعر بعبثية المنطق الذي يؤسس له. كمامات الأمان لا تحمل أيديولوجية ولا تهدف لإخفاء جمال المرأة وعدم إثارة الرجل. كمامات الأمان يضعها الرجال والنساء والأطفال والأطباء والعجائز والممرضون، بشكل مؤقت (ركز جيدا في هذا التفصيل) للحماية من مرض… وليس للحماية من الكبت والجهل والتخلف.
كفانا تأويلا للكوارث الطبيعية والصحية على هوانا. كفانا سخرية من مصاب الآخرين، في الوقت الذي نطالب فيه العالم بالاهتمام بمصائبنا.
لنعد لبعض الإنسانية الذي يفترض أن يكون فينا! ولنعتمد لغات العقل والمنطق ونحن نقرأ الأحداث حولنا.
- عن موقع “الحرة”