سعي أمريكي لإعادة التموضع ورسم قواعد الاشتباك في العراق وسوريا.. كيف؟

مسلم عبد الودود

بعد مشاركة الآلاف من مؤيدي الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، الجمعة، في مظاهرة حاشدة ببغداد للمطالبة بطرد القوات الأمريكية من العراق، يبقى هذا الملف الشائك في الواجهة، وسط إصرار أمريكي على عدم ترك الساحة لإيران وحلفائها، ما يؤشّر إلى أنّ الولايات المتحدة تعتقد بأنّ موقفها قوي في هذه المواجهة، وأنّها تعتمد على عدد من أوراق الضغط، وهي في معركتها تلك تحاول وضع جملة من المحددات والخطوط الحمر وقواعد الاشتباك، التي تعكس إعادة تموضع في العراق وسوريا، وعلى حدودهما، ومن شأن ذلك أن يعيد تعريف الوجود الأمريكي وحدوده؛ بعد التفاعلات التي أفرزها مقتل الجنرال قاسم سليماني.

وأورد تحليل للباحث ديفيد دي روش، نشره “معهد دول الخليج العربية في واشنطن”، أنّه خلال الفترة المقبلة، تواجه الولايات المتحدة ثلاث مسائل أمنية مهمة في العراق، وشرط ثابت واحد يحدّد ما إذا كانت القوات الأمريكية أو قوات التحالف ستبقى في البلاد، وإن بقيت، كم سيبلغ عديدها وما ستكون عليه مهمتها. ويتمثل مصدر القلق الأول في الحفاظ على القدرة على مواصلة محاربة تنظيم “داعش”؛ والثاني في الحفاظ على بعض القابلية للحدّ من نفوذ إيران في المنطقة؛ والثالث في ضمان أن يبقى إقليم كردستان مستقلاً في العراق. أما الشرط الثابت، فهو ضرورة الحؤول دون وقوع إصابات خطيرة في صفوف القوات الأمريكية، أو حصول هجوم يتسبب بوقوع ضحايا على قاعدة عراقية تضمّ عناصر من الولايات المتحدة أو التحالف أو على مجمع دبلوماسي أمريكي.
وتسعى إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى تعزيز وجودها العسكري على جانبي الحدود السورية – العراقية لأسباب عدة، بينها “مواجهة إيران”، بالتزامن مع ضغوط في بغداد لوضع مستقبل الوجود الأمريكي على الطاولة، وضغوط من روسيا لتعزيز وجودها العسكري شرق الفرات، وفق تقرير خاص نشرته صحيفة “الشرق الأوسط”.

وكان موضوع الوجود العسكري الأمريكي في العراق، بنداً رئيسياً في لقاءين منفصلين عقدهما الرئيس ترامب في دافوس مع نظيره العراقي برهم صالح، ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني؛ إذ برز تباين بين تأكيد البيت الأبيض “استمرار الشراكة الاقتصادية والأمنية” مع العراق، والتعاون مع كردستان العراق في الحرب ضد “داعش”، مقابل حديث صالح عن “السيادة”.
10 اقتراحات
ونقلت “الشرق الأوسط” عن مسؤولين غربيين، لم تسمّهم، أنّ هناك 10 اقتراحات للتعاطي مع مطالب سياسيين عراقيين ببحث الوجود الأمريكي والحفاظ على أدوات لـ “مواجهة إيران”، تشمل:
1. تأكيد أنّ أي بحث للوجود الأمريكي يجب أن يتناول أموراً أخرى أوسع من الجانب العسكري؛ إذ أعلن المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي ضد “داعش”، السفير جيمس جيفري، الخميس الماضي، أنّه “على المسؤولين العراقيين التفكير في العلاقات الثنائية التي تتجاوز مسألة الوجود الأمريكي”.

2.  حضّ “حلف شمال الأطلسي” (ناتو) على لعب دور أكبر في قتال “داعش” حال قررت واشنطن بموجب تفاهم مع بغداد إعادة الانتشار، أو لانشغال القوات الأمريكية بضرورة الدفاع عن نفسها بعد تصاعد الضغوط والتهديدات في الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعد اغتيال قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” قاسم سليماني. وسيكون هذا بنداً على محادثات اجتماع التحالف الدولي في الدنمارك، الأربعاء المقبل.
3.  البحث مع رئاسة إقليم كردستان زيادة الوجود الأمريكي سواء من حيث عدد الأفراد أو القواعد العسكرية. وأفادت مصادر استخباراتية، أول من أمس، تضيف “الشرق الأوسط”، بأنّ هناك اقتراحات شملت إقامة نقاط -قواعد عسكرية قرب السليمانية وجنوب أربيل وقرب حلبجة. وتضمنت المقترحات رفع عدد القوات الأمريكية من 500 إلى ألفي جندي، إضافة إلى خمسة آلاف موجودين في العراق. وقال دبلوماسيون إنّ تعزيز الانتشار في كردستان يرمي إلى حماية القواعد العسكرية إزاء زيادة المخاطر.

4.  التكامل بين الوجود العسكري غرب العراق وشرق سوريا، ذلك أنّ معظم القوات التي انسحبت من شرق الفرات، بداية العام، أقامت في كردستان العراق، بحيث انخفض عدد القوات الأمريكية من ألف إلى 500 عنصر موجودين قرب حقول النفط شرق الفرات.
5.  الحفاظ على قاعدة التنف في زاوية الحدود السورية – العراقية – الأردنية بوجود 150 جندياً أمريكياً وراجمات صواريخ وحماية جوية، لقطع طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت.

6.  الإبقاء على الوجود الجوي للتحالف الدولي ضد “داعش” في أجواء شمال شرقي سوريا، وبقاء الحلفاء الرئيسيين، بريطانيا وفرنسا، في أرض المعارك لقتال “داعش” ودعم “قوات سوريا الديمقراطية”.
7.  منع القوات السورية والتنظيمات الإيرانية من التقدم إلى قاعدة التنف والتزام “قواعد الاشتباك”.
8.  إبعاد القوات الروسية عن الشريط الممتد من فش خابور في الزاوية السورية – العراقية – التركية إلى شمال البوكمال على نهر الفرات. وحصل هذا مرات عدة في الأيام الأخيرة، عندما قامت دوريات أمريكية بقطع الطريق أمام الشرطة الروسية التي حاولت الوصول إلى فش خابور، بوابة شرق الفرات على كردستان العراق.

9.  التمسك باتفاق “منع الصدام” بين روسيا وأمريكا في الأجواء الشمالية الشرقية لسوريا، خصوصاً بعد تعزيز موسكو منظومتها الجوية في القامشلي.
10.  استمرار حصول “غارات غامضة” على مواقع إيرانية في البوكمال، التي حاولت طهران تأسيس بنية تحتية فيها لتكون طريقاً بديلاً بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت.
وحسب المعلومات التي أوردتها “الشرق الأوسط”، فإنّ وفداً أمريكياً يقوم بجولة إلى لندن وبروكسل في الأيام المقبلة لإجراء محادثات مع مسؤولين أوروبيين لفرض عقوبات اقتصادية، والاتفاق على تنسيق الخطوات في العراق وسوريا للضغط على موسكو ومواجهة نفوذ طهران بعد سليماني.