الأيقونة علاء الركابي

علي حسن*
كان صبيا منعزلا يرتدي سروالاً قصيراً وقميصاً ملوناً، وجوارب طويلة، حتى أطلق عليه زملاؤه في المدرسة لقب “صبي الجوارب”، حين كان يطلب الخروج من البيت كان والده يمنعه، فالاختلاط خطر:
“لقد سرقوا طفولتي، وأعطوني وأنا طفل هيئة رجل عجوز، كان ذلك رهيباً”.. ، هذا المزاج السوداوي يصفه لنا في يومياته قائلا : “تلك الحياة هي العالم معكوساً، حياة قاسية وغير محتملة، أحيانا نقول الوقت يمر، والحياة تتدفق، ولكنني لا أرى ذلك، بل يبقى الوقت ساكناً، وأنا كذلك، كل خطط المستقبل التي أرتبها ترتد إلي “.


لماذا تذكرت هذا الصبي.. سأقول لكم شرط أن لا تتهمونني بالبطر، فأنا أقرأ حاليا في كتاب ضخم عن هذا الصبي الذي اسمه سيرون كيركيجارد والذي سترتبط باسمه الفلسفة الوجودية، شاغلة الدنيا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي على يد جان بول سارتر الذي ظل يرفع شعار “لا” لجميع أنواع الفشل والخراب، فقد “ولد الإنسان حراً ليس من أجل أن يصبح رهينة لمجموعة من ناقصي الخبرة والإنسانية”.. صبي الجوارب كيركجارد كان قد أصدر كتابا بعنوان “إما.. وإما”، وبين الـ ” إما ” الأولى والـ ” إما ” الثانية يريد منا ساسة البلاد أن نعيش في هذه الفسحة، فلا مجال لاختلاف الرأي.. وإذا فعلت ذلك فأنت جوكر وتقبض ملايين الدولارات من الإمبريالية الأميركية، وإذا عاندت فلا خيار سوى رصاص القوات الأمنية.. وكان مشهد إطلاق الرصاص على الناشط علاء الركابي دليلا على أن هذه القوات لا يهمها أحد، ولا تؤمن بالسلمية، وهي تتلقى أوامرها من الأحزاب وليس من الحكومة، مثلما أخبرنا السيد كريم النوري.
إما أو إما.. لاخيار لكم أيها المحتجون، فأنتم عملاء خونة طالما خرجتم على سلطة الساسة، ولأنكم صرختم بصوت واحد “نريد وطن”.. والمشكلة ان لا أحد من ساسة البلد يريد أن يسأل نفسه كم هي المسافة التي قطعها النظام الجديد في العراق خلال السبعة عشر عاما الماضية؟ ما هي نسب النمو والتطوّر والتقدم ومستويات الدخل؟ كم هو عدد المستشفيات والمدارس التي بنيت؟ والأهم، مامقدار الأمن والاستقرار الذي تحقق؟ أين ذهبت مليارات النفط؟.. الجواب الوحيد هو عدد القتلى الذين يتضاعفون يوما بعد آخر..
في قلب عتمة خطابات التهديد ورصاص القوات الامنية ، ومحاولات شيطنة الاحتجاجات.. ووسط غبار من المؤتمرات التي لا تصلح للاستخدام البشري، وفي ظل مخطط شديد الانحطاط للقضاء على المتظاهرين، يأتي عراقيون مثل علاء الركابي ناصعو الضمير، يتحدثون فتصدقهم الناس، فتنبعث الانتفاضة من سكونها على نحو أوسع وأجمل وأكثر إصرارا على انتزاع الحق، وملامسة المستحيل، والإصرار على تحقيق الحلم ..
إنها الانتفاضة التي اختطف شعلتها شباب بعمر الزهور كان علاء الركابي قد أصبح أيقونتهم.


*جريدة المدى 27/ 2020/01