كتب أحمد صحن:
الخيبة ليست في تشويه معاني النصر والهزيمة، انما الخيبة في تبني الفهم البدائي في حسم المعركة بأسلوب مغامراتي عنجهي انتحاري، من قبيل؛ ان السيف يهزم البندقية بعد طلائه بطبقة من الدعاء السميك..!!
طيب، لنشطب كل الامثلة ونقفز الى عصر ما بعد التكنالوجيا لنفهم كيف تُدار الخصومة عن بعد في زمن تتسارع فيه الابتكارات ونحن نتسارع في تخلفنا. تتسارع تكنالوجيا الحروب الى درجة كأنها لعبة حربية الكترونية تخضع للتحديث عن بعد في حاسوبك دون ان تجد فيها اي مكان للانفعال البشري او التنديد وغيره، جُرب اغلب تلك الاسلحة في عراقنا العتيد، او، استخدام أي مفصل اقتصادي يتحكم بالعالم، او، تفعيل تشريعات الفصل السابع في مجلس الامن التي تذبح الشعوب دون رحمة.
منذ نهاية عقد الثمانينيات نجحت التكنالوجيا الغربية في صناعة طائرة بدون طيار يتم التحكم بها عن بعد. تطور هذا الاختراع والى جانبه تطورت حزمة كبيرة من الاسلحة الذكية وتم توظيفها في الحروب الحديثة التقليدية في اطار تكنالوجي غير تقليدي بالغ التطور.
في العراق، هذه الدولة التي لم تتشكل بعد، حيث لا احد يعرف وجهتها او خاتمة مسيرها. ففي خمسينياته من قرنه الفائت، إذ كان ثلثا شعبه شيوعيا، تم سحل بناة الدولة الفتية وقطعت اوصال قادتها ارضاءا للاتحاد السوفيتي. وعندما صار بعثقوميا سحل نفسه في حروب مهلكة ضروس تحت شعار امة عربية واحد ذات رسالة خالدة.
رسى، وهو محمل بأسى الحصار، على رصيف رأس المال الشرس الذي اصبح غولا يأكل الدول حيث صار العراق ذبيحا على منحر الامريكان.
بعد اسقاط نظام صدام في عام ٢٠٠٣ صار العراق اسلاميا اكثر من الاسلاميين، فالعراق السني مزج سنيته باسفه على فقد صدام ورفع راية عمر وتمرد ضد الامريكان في الفلوجة وعلقت جثث الجنود على اعواد جسرها الحديدي حتى اهلكت مدن الغربية ومن ثم هدأ، لم يطب له دفع الجزة انما ارتضى بدفع الجزة والخروف. اما العراق الشيعي حكم باسم راية علي لكنه دنسها بسرقاته المليارية حتى صرخ الشعب طالبا الغوث من هول التخلف والفساد.
البديهي، ان الانسان العاقل تعرف على نشوة النصر قديما وعرف كيف يمنح الهزيمة حقها وكذلك عرف ان الاستسلام الكامل لا بد ان يتم بعد اول هزيمة. ولا ينبغي ان يخوض حربا ضد من هزمه الا بعد اكتسابه لعناصر القوة التي تمكنه من تحقيق النصر والثأر. اما ان يخاصم الاقوى منه ويلتذ بالهزائم المتكررة فهذا ضرب من ضروب الهوس والهستيريا. في غضون ستين سنة خاض العراق حروبا متنوعة الاشكال ضد الغرب وخرج من “كلها” مهزوما مصدوعا مهدما، فكان اول صراع خفي له حين قام “الزعيم الاوحد” عبد الكريم قاسم بسن قانون ثمانين الذي دفع الشركات النفطية للتآمر عليه ودفنه في قعر نهر دجلة ومن ثم بدأت عنتريات القوميين والبعثيين في رحلة الحروب والخصومة الخالية من الهدف والمعنى.
العقل البدوي لا يفقه بفلسفة الاستسلام، فالتاريخ الحديث ترك لنا اسوة حسنة، اهمها اليابان التي حاربت بشراسة وحققت انتصارات عظيمة في حروبها، لكنها استسلمت عندما هزمت ومنحت الاستسلام حقه الكامل.
عندما تقرر ان تستسلم ستعرف قيمة حجمك وعندما تعرفه ستعرف حجم خصمك، حينها ستنتظم العلاقة بينك وبين من هزمك وتصبح العلاقة منتظمة بين المبادر والمتلقي بين الغالب والمغلوب، حينها ستلتقط انفاسك وتعيد ترميم ما خلفه صراعك مع الاقوى.