قال رئيس المشروع الوطني العراقي الشيخ جمال الضاري إن زيارة منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك إلى بغداد، المتواصلة منذ يوم الإثنين الماضي، تختلف عن زيارات وفود أميركية سابقة، من جهة طبيعة الملفات التي حملها الوفد، ووجود شخصيات أميركية مرتبطة بملف الطاقة ضمن الوفد الأميركي، أبرزها الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود الجنوبية اللبنانية عاموس هوكشتاين، الذي ظهر إلى جانب ماكغورك خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
واعتبر الضاري، في حديث مع صحيفة “العربي الجديد”، أن الوجود العسكري الأميركي الحالي في العراق جاء نتيجة تفاهمات رسمية مع الحكومة السابقة، ويختلف عما كان عليه بعد عام 2003 بصفته احتلالاً.
وتصاعد الجدل في العراق بعد الموقف الأخير للسوداني تجاه الوجود العسكري الأميركي في البلاد، الذي اعتبره مهماً في الحرب على الإرهاب، لا سيما أن قوى “الإطار التنسيقي”، التحالف الحاكم في البلاد منذ انتخابات العام الماضي، كانت تبنّت مطلب إخراج القوات الأميركية من البلاد.
الضاري: ملف الطاقة والتوجه لاستغلال الغاز العراقي محط اهتمام واسع من قبل واشنطن
في المقابل، تتعامل قوى سياسية عراقية أخرى مع الملف على أنه يتبع لحسابات أمنية وعسكرية، ترتبط بمدى حاجة البلاد إلى الوجود العسكري الأجنبي لتثبيت أمن المدن الهشة، وبناء قدرات المؤسسات العسكرية العراقية، محذرة من أن التعامل مع الملف سياسياً ستكون له تبعات سلبية كبيرة على العراق.
وفي حديثه مع “العربي الجديد”، اعتبر الضاري أن وجود القوات العسكرية الأميركية الحالي تغيّر عما كان عليه عام 2003 بوصفها قوات احتلال. وبين أنه “منذ ذلك التاريخ تغيرت من قوات احتلال إلى قوات للدعم والتدريب، ثم قوات لمكافحة الإرهاب عام 2014، لكن وجودها الآن تم بناء على اتفاقية مع حكومة مصطفى الكاظمي السابقة، والتي أتاحت للقوات الأميركية الوجود المحدود داخل البلاد لأغراض استشارية وتدريب. لذلك هم موجودون بناءً على اتفاقات رسمية، ولا أظن أن حكومة السوداني سيكون لها موقف مختلف من القوات الأميركية في الوقت الحالي”.
ورأى الضاري أن “زيارة الوفد الأميركي الحالية إلى بغداد حملت مهمة تتعدى مسألة مناقشة الوجود الأميركي العسكري في قاعدتي عين الأسد في الأنبار وحرير شمالي أربيل، بسبب طبيعة المشاركين في هذا الوفد، من أبرزهم الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، لذلك، فإن ملف الطاقة والتوجه لاستغلال الغاز العراقي، سواء في جنوب أو شمال وغرب العراق في هذا الظرف تحديداً، هو محط اهتمام واسع من قبل واشنطن، مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وإمكانية أن يكون العراق مصدراً برياً للغاز”.
وأضاف: “نعتقد أن ذلك جيد بالنسبة للعراقيين في ما يتعلق بتطوير قطاع الطاقة واستثمار ثروات العراق”. وتابع: “الزيارات الأميركية الرسمية إلى العراق متكررة وغير جديدة، لكن أعتقد أن هذه الزيارة مختلفة هذه المرة، ووجود هوكشتاين تحديداً هو أمر لافت”.
تصدعات وانسحابات داخل الكتل السياسية العراقية
وفي سياق المشهد السياسي العراقي المرتبك، اعتبر الضاري الانسحابات الأخيرة لشخصيات من قوى وكتل سياسية، كما حصل مع حزب “تقدم” بزعامة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، جزءاً من المشكلة العامة في البلاد.
وشرح الضاري أنه “بعد الانتخابات الأخيرة، أخذ حزب تقدم على عاتقه عدة ملفات سياسية وإنسانية، منها وعوده للناخبين من العراقيين العرب السنّة بإقرار قانون العفو العام، وإلغاء إجراءات المساءلة والعدالة، وإعادة النازحين والكشف عن مصير المختطفين والمغيبين، وإعادة أهالي المدن التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، مثل جرف الصخر والعوجة والعويسات وغيرها”.
وأضاف: “لكن هذا ما لم يحصل منه شيء حتى الآن، لذلك بدأت التصدعات نتيجة تراجع التحالف عن وعوده، واهتمامه بمكاسب سياسية تتعلق بالمناصب وغيرها، وهو ما دفع بممثلين ونواب في التحالف إلى مغادرته، كي لا يكونوا شركاء باستغلال الناس انتخابياً، عبر وعود لم يسعَ التحالف لتنفيذها بعد الانتخابات”.
واعتبر أن “ملفات إعادة النازحين والمختطفين والعفو العام وغيرها حقوق يجب أن تُعطى لمن يطالب بها، والسوداني لم يجد جهة سياسية تطالب بها بجدية حتى الآن. كما أن السوداني نفسه محكوم من تحالف الإطار التنسيقي، الذي لا يريد أن يمضي بتلبية هذه الملفات، مثل العفو العام والمساءلة والعدالة”. وأضاف أن “على تحالف الإطار التنسيقي ألا ينظر للملفات الإنسانية والحقوقية والوطنية بطريقة الغالب والمغلوب”.
ظهور قوى مدنية ضرورة
وكشف الضاري عن أن تحضيرات مبكرة بدأت لانتخابات مجالس المحافظات (الحكومات المحلية المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل)، من خلال الشروع ببناء تحالف عربي متنوع وواسع الطيف.
الضاري: تحضيرات مبكرة بدأت لانتخابات مجالس المحافظات
وأشار إلى أن “الخطوات في هذا الطريق بدأت بالفعل باجتماع يرعاه المشروع الوطني العراقي في مقره ببغداد، ويضم نخباً وقيادات مهمة، بينهم ثلاثة من رؤساء البرلمان السابقين لخوض الانتخابات المقبلة في أكثر من محافظة ومنطقة بالعراق”، مؤكداً أن هذا الحراك سيتواصل ويستقطب المزيد من القوى تحضيراً لانتخابات مجالس المحافظات المقبل.
وبشأن المشهد السياسي في المناطق الغربية والشمالية من العراق، اعتبر الضاري أنه “يجب ظهور قوى مدنية مستقلة في مناطق شمال وغرب البلاد، في الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين وكركوك وبغداد أيضاً، على غرار ولادة تكتلات مدنية في جنوب ووسط العراق”، لافتاً إلى أن هذا الأمر “من أهم متبنيات المشروع الوطني العراقي العابر للهويات الفرعية”.
واتهم الضاري “قيادات سياسية عراقية سنّية” بأنها “توجهت لإقصاء وإبعاد الكفاءات والناشطين المدنيين في تلك المناطق، ومنعهم من الدخول بصفة مستقلة، ضمن مساعيها لاحتكار المشهد السياسي في المناطق العربية السنّية، على عكس الأحزاب العربية الشيعية، التي نشأت من بينها قوى مدنية، ونجحت في التصدر بالانتخابات الأخيرة”.
وكشف عن دعم تبناه المشروع الوطني العراقي، الذي يرأسه حالياً، لـ”حراكات مدنية شبابية ومستقلة في مناطق شمال وغرب العراق، وتشجيعها على الانخراط بالعمل السياسي، لوجود رغبة كبيرة من الشارع في رؤية ممثلين حقيقيين عنهم بالبرلمان والعملية السياسية عموماً”.
واعتبر الضاري احتفاء العراقيين جنوبي البلاد بالضيوف الخليجيين خصوصاً، والعرب عموماً، القادمين للمشاركة في بطولة كأس الخليج العربي المقامة حالياً في البصرة، أنها “عبّرت عن مشاعر وطنية وعروبية صادقة من الشعب العراقي تجاه أشقائهم بالدول العربية الأخرى”.