كعادته في زياراته الى العراق، تحيط السرية والكتمان بقدوم قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني اسماعيل قاآني للبلاد، حتى أن الاوساط الرسمية لا تعلن عن هذه الزيارات، والتي تتزامن مع عدة ملفات مهمة وحساسة في الساحة العراقية، قد تشهد خلالها اتخاذ قرارات حاسمة من شأنها تحديد أطر لمستقبل هذه الملفات.
إسماعيل قاآني (تولد 8 آب 1957 مدينة مشهد الإيرانية) عُيّن في 3 كانون الثاني 2020 قائداً لفيلق القدس الإيراني خلفًا لقاسم سليماني الذي قُتِل في العراق مع ابي مهدي المهندس وعشرة آخرين في غارة جوية أميركية استهدفت موكبه في محيط مطار بغداد الدولي.
وتشير الأوساط المطلعة إلى أنه زار العراق في أكثر من مناسبة، من دون اعلان هذه الزيارات لوسائل الاعلام، بل أن الجهات الحكومية تتجنب الحديث عن هذه الزيارات السرية، وتفيد مصادر مطلعة بأن قاآني وصل اليوم الثلاثاء الى مدينة النجف، في زيارة سرية، كالعادة، في وقت لا تعرف وجهته المقبلة بعد النجف، فهناك من يقول انها بغداد، بينما يرى آخرون أنها ستكون صوب دمشق.
زيارة سرية تعقب اجتماع البيت الأبيض
هذه الزيارة تأتي عقب اجتماع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مع الرئيس الاميركي جو بايدن، في البيت الابيض، والتي بحث فيها الجانبان عدة ملفات، لكن ابرزها الملف الامني وموضوع تواجد القوات الأميركية، التي من المقرر ان لا يكون هناك اي وجود لقوات قتالية اميركية في العراق بحلول 31 كانون الأول 2021، في خطوة وصفتها الجهات السياسية الشيعية بأنها “انجازاً وطنياً” و”دبلوماسياً”، بل ان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قدم شكره لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ولـ”المقاومة العراقية الوطنية”.
مجيء قاآني، الذي سبق أن شارك في الحرب العراقية الايرانية خلال ثمانينيات القرن الماضي، يثير حفيظة السياسيين السنة، والذين يرون أنه يتدخل بالعراق سياسياً وأمنياً، بل أنه يناقش ملف الانتخابات وتشكيل الحكومة المقبلة، ويبحث ملف عودة النازحين الى مناطقهم في العراق، وفقاً لكلامهم.
تساؤلات سنية
السياسي العراقي المرشح عن كتلة “تقدم” عن منطقة العامرية غربي العاصمة بغداد، والنائب السابق حيدر الملا، تساءل في تغريدة بموقع تويتر: “ماذا يعني وجود قائد الحرس الثوري في النجف، هل تسمح ايران لعبد الوهاب الساعدي مثلا يجتمع بقيادات ايرانية ويناقش ملف الانتخابات وتشكيل الحكومة لديهم؟”.
وأضاف: “اتقوا الله بالعراق يا بعض سياسيي الصدفة، ولتدرك ايران العراق يضعف ولكن لن يموت”، مردفاً أن “مصلحة ايران باحترام سيادة العراق لا بالتطاول عليها”.
بدوره، كتب الزعيم القبلي والسياسي السني عن محافظة الأنبار، غربي العراق، أحمد أبو ريشة، في تغريدة بموقع تويتر: “هل يستطيع قائد عسكري عراقي أن يزور إيران ويعقد إجتماعاً مع قيادات الحرس الثوري ويناقش الملف الأمني الايراني ويتدخل لإخلاء مناطق من ساكنيها، أو الموافقة على إعادة نازحين من وإلى مناطق داخل إيران، وهل له الحق بأن يتدخل بتشكيل حكومة الرئيس الايراني المنتخب؟”.
الفصائل الشيعية المسلحة لطالما ارسلت رسائل واضحة للحكومة العراقية، مفادها ضرورة اخراج القوات الاميركية من البلاد، وقد تأتي زيارة قاآني عقب زيارة الكاظمي للبيت الأبيض، بهدف بحث مستجدات هذه الزيارة بشكل أعمق وأدق، والتي ربما شهدت بحث ملفات لم يتطرق لها الجانبان، في ضوء تصريحات سابقة تؤكد أن العراق أخذ على عاتقه دور الوسيط بين طهران وواشنطن، والذي من شأنه في حال حصول التهدئة بينهما التأثير ايجابيا على الاوضاع في العراق، وتجنيبه الصراع المستمر بين الجانبين.
الاجتماع الأخير للحوار الستراتيجي، شهد تأكيد واشنطن احترامها لسيادة العراق والقوانين العراقية وتعهدت بمواصلة توفير الموارد التي يحتاجها العراق للحفاظ على وحدة اراضيه، فيما اكد العراق التزامه بحماية افراد التحالف الدولي الذين يقدمون المشورة والتدريب للقوات الامنية العراقية، كما اكد بأن جميع قوات التحالف الدولي عملت في العراق بناءً على دعوته.
كما اكد الوفدان ان القواعد التي تستضيف افراد الولايات المتحدة وافراد التحالف الدولي الاخرين هي قواعد عراقية تدار وفق القوانين العراقية النافذة وليست قواعد امريكية او قواعد للتحالف الدولي، وان وجود الافراد الدوليين في العراق هو فقط لدعم حكومة العراق في الحرب ضد تنظيم داعش، واتفق الوفدان، بعد استكمال مباحثات الفرق الفنية الاخيرة، بأن العلاقة الامنية ستنتقل بالكامل الى المشورة والتدريب والتعاون الاستخباري، ولن يكون هناك اي وجود لقوات قتالية اميركية في العراق بحلول 31 كانون الأول 2021، كما تعتزم الولايات المتحدة مواصلة دعمها للقوات الامنية العراقية وبضمنها قوات البيشمركة من اجل بناء قدرتها على التعامل مع التهديدات.
اقليم الوسط والغربية خيار مطروح
الشارع السني بطبيعته ينظر بريبة لزيارات المسؤولين الايرانيين، رغم ترحيب سياسييه بهم امام وسائل الاعلام، بل وحتى اللقاء بالوفود الايرانية في بعض الاحيان، غير أن المعطيات على الارض تشير الى أن السنّة قلقون من موضوع انسحاب او حتى تقليل تواجد القوات الاميركية في البلاد، متخوفين من “استفراد” الفصائل الشيعية المسلحة بمناطقهم، لذا بات العديد من السياسيين السنة يطرحون مشروع اقليم الوسط والغربية، متأملين حصولهم على دعم عربي واقليمي لمشروعهم، الذي من الطبيعي أن يواجه رفضاً سياسياً شيعياً.