كشف تقرير العلوم السابع لمنظمة اليونسكو عن أن العالم شهد ارتفاعا في الإنفاق على البحث العلمي في الفترة الممتدة بين 2014 و2018، بنسبة 19.2%، أي أسرع من الزيادة التي عرفها متوسط الدخل العالمي، الذي لم يتجاوز 14.8%.
هذا الارتفاع يعود أساسا إلى الأموال الكبيرة التي استثمرتها كل من الولايات المتحدة والصين بدرجة كبيرة، وهو الوجه المشرق في توجهات الإنفاق على البحث العلمي، في حين هناك وجه شاحب يتمثل في وجود حوالي 80% من دول العالم لم تتجاوز عتبة 1% من دخلها العام.
ووجد التقرير -الصادر في 11 يونيو/حزيران الجاري، تحت عنوان “سباق ضد الزمن من أجل تنمية أكثر ذكاء” (The race against time for smarter development)، والذي يصدر كل 5 سنوات لرسم صورة واضحة عن التوجهات العالمية الجديدة في البحث العلمي- أن الزيادة في الإنفاق قابلتها زيادة في عدد الباحثين العلميين، بنسبة 13.5%.
إنفاق ضعيف للعرب
وحسب هذا التقرير، فإن الدول العربية لم تتقدم كثيرا في مجال الإنفاق على العلوم، حيث انتقلت النسبة من 0.48% عام 2014 إلى 0.59% فقط عام 2018، وهذا راجع أساسا إلى المشاكل السياسية التي عرفتها المنطقة، والتي أثرت سلبا على نموها الاقتصادي.
لكن هناك استثناءات؛ فقد سجلت الإمارات أعلى زيادة في المنطقة، حيث انتقلت من 0.69% عام 2014 إلى 1.30% عام 2018، متبوعة بمصر التي استثمرت عام 2018 ما قيمته 0.72% من دخلها العام، مقابل 0.64 عام 2014.
وأبرز التقرير نموذج الإمارات التي ضاعفت تقريبا إنفاقها على البحث العلمي، وهي تسهم حاليا بما نسبته 0.42% من الإنفاق العالمي على البحث العلمي.
أما على المستوى العالمي، فقد سجلت بعض الدول تراجعا في إنفاقها العام، مثل اليابان التي تراجعت من 3.40 إلى 3.20%، وروسيا من 1.05 إلى 0.99%، وكندا من 1.72 إلى 1.57%.
هذه الزيادة المتفاوتة في الإنفاق على البحث العلمي قابلتها زيادة في عدد الباحثين، حيث عرفت المنطقة العربية متوسط زيادة طفيفة، إذ انتقل العدد من 536 باحثا لكل مليون نسمة عام 2014، إلى 682 باحثا عام 2018.
واحتلت الأردن المرتبة الأولى عربيا في زيادة عدد باحثيها، وتفوقت بذلك على الكثير من دول العالم، حيث سجلت نسبة تقارب 150%، متبوعة بالعراق 60%، ثم البحرين 58%، والإمارات بـ20%.
الصحة والذكاء الاصطناعي في الصدارة
يؤكد التقرير أن الارتفاع العالمي في عدد الباحثين العلميين نتجت عنه زيادة في عدد المنشورات العلمية عام 2019 بنسبة 21% مقارنة بعام 2015، وهي البحوث التي عرفت هيمنة في مجالي الصحة والبيئة والذكاء الاصطناعي، وبلغ عدد المنشورات في الذكاء الاصطناعي -على سبيل المثال- عام 2019 نحو 150 ألف بحث علمي.
وحسب التقرير، فإن كثيرا من دول العالم وجهت اهتماماتها نحو هذا التخصص؛ فخلال السنوات الخمس المنصرمة سطرت أكثر من 30 دولة إستراتيجيات خاصة لتنمية بحوث الذكاء الاصطناعي، ومنها الصين، وأميركا، وروسيا، والهند، وجزر موريس، ووفيتنام. واحتلت الهند الصدارة عالميا في عدد المنشورات العلمية، الخاصة في هذا المجال، في حين جاءت المغرب الأولى عربيا، متبوعة بالعراق، ثم الأردن.
وفي مجال الطاقات المتجددة، عرفت المنشورات العلمية زيادة، حتى وإن لم تكن بمستوى باقي التخصصات، حيث قفزت من حوالي 71 ألف منشور عام 2011 إلى أكثر من 108 آلاف عام 2019. واحتلت الهند الصدارة عالميا في عدد البحوث عام 2019، في حين جاءت السعودية في المرتبة الأولى على المستوى العربي، متبوعة بمصر.
ورغم كل ذلك، أشار التقرير إلى أن حوالي 70% من المنشورات العلمية ليست في متناول أغلب الباحثين العلميين في العالم، وهذا يعد صورة من صور عدم تكافؤ الفرص بين الباحثين في العالم، وعلى الدول العمل على إزالة هذا العائق.
مجالات الصحة والبيئة والذكاء الاصطناعي هيمنت على اهتمامات العالم العلمية
وأوضح التقرير أن منظمة اليونسكو تعمل منذ 2019 على إرساء نظام يسمح لكل الباحثين في العالم بالاطلاع على البحوث العلمية الجديدة، وهو الإجراء الذي قد تتم المصادقة عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
مقابل ذلك، احتلت الصين المرتبة الأولى في عدد براءات الاختراع على المستوى العالمي، بنسبة 29%، متبوعة بأميركا 20%، ثم اليابان 18.4%، فأوروبا 14.4%.
“عسكرة” الصناعات الفضائية
كما سجل التقرير انفتاح الصناعة الفضائية التي يندرج تحتها تخصص الاتصالات اللاسلكية على القطاع الخاص، وهذا راجع لأهمية وحجم السوق العالمي الذي عرف تطورات مذهلة؛ ففي أفريقيا وحدها بلغ سوق الصناعات الفضائية ما يقارب 10 مليارات دولار.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، أصبحت شركة “سبيس إكس” (Space X) أول شركة خاصة تقوم بإرسال بشر إلى الفضاء، وذلك عندما أشرفت على نقل رواد فضاء إلى المحطة الفضائية الدولية.
وذكر التقرير أن هيئة “ناسا” الأميركية أصبحت خلال الأعوام الأخيرة تتعامل كثيرا مع الشركات الخاصة في كثير من العمليات التي أصبحت بالنسبة لها روتينية، وذلك حتى تتفرغ لمهام أكبر مثل استغلال الفضاء البعيد.
تقرير اليونسكو أثار مخاوف من “عسكرة” الفضاء بعد تأسيس عدة دول كيانات فضائية عسكرية
وفي باقي دول العالم، تعرف الصناعات الفضائية تطورا مثيرا؛ كما في الإمارات -مثلا- التي تمكنت من إطلاق مسبار “الأمل”، وأيضا في أفريقيا التي تسعى دولها إلى إنشاء الوكالة الأفريقية للفضاء، والتي سيكون مقرها في مصر.
لكن السباق نحو الفضاء وما نتج عنه من تطور في الصناعات الفضائية أصبح خلال السنوات القليلة الماضية يستقطب اهتمام العسكر وقيادات الجيوش في كثير من الدول؛ وهو ما تسبب في خلق مشاكل سياسية غير معلنة بين هذه الدول.
وكانت الولايات المتحدة فجرت المفاجأة عندما أعلنت في فبراير/شباط 2019 ميلاد وحدة جديدة تابعة لقواتها العسكرية أطلقت عليها اسم “القوة الفضائية” (Space Force)، والتي تم إدراجها ضمن القوات الجوية. وبعدها أعلنت كثير من الدول -مثل فرنسا، والصين، وروسيا- إنشاء قوى عسكرية فضائية.