في الـ15 من شهر يناير/كانون الثاني عام 2001 أطلقت شركة تقنية ناشئة تسمى “نيوبيديا” (Nupedia) مشروع ويكيبيديا تتويجا لتطور موسوعتها الإلكترونية التي كان يكتب مقالاتها مسهمون ومتطوعون ذوو خبرة، يراجع كتاباتهم بطريقة صارمة محررون مختصون وخبراء، قبل نشرها بصيغة محتوى حر ومفتوح.
وكانت “ويكيبيديا” آنذاك مشروعا تكميليا قرر رجل الأعمال الأميركي جيمي ويلز والباحث لاري سانجر أن يؤسساه ليقوم بتغذية نيوبيديا، لكن الموسوعة الناشئة تطورت سريعًا لتصبح أوسع انتشارًا خاصة بالنظر إلى تطور نيوبيديا التي ما لبث أن أفل نجمها لاحقًا، في حين أصبحت ويكيبيديا مفتوحة أمام عدد غير محدود من المسهمين من جميع أنحاء العالم.
وقامت مؤسسة ويكيبيديا التي أُسست عام 2003 بتمويل ويكيبيديا، معتمدة في ذلك على التبرعات بشكل أساس. وفي الربع الرابع من عام 2005 أُنفق 321 ألف دولار على ويكيبيديا، 60% منها على المكونات المادية.
توثيق المعرفة الإنسانية
ولم ينته عام 2001 حتى شملت ويكيبيديا نحو 20 ألف مقالة و18 لغة، وظل عدد اللغات والمقالات ينمو باطراد حتى بلغ عام 2009، 13 مليون مقالة تقريبا مكتوبة بنحو 266 لغة، متخطية بذلك كل الموسوعات عبر التاريخ.
وفي الوقت الحالي تضم ويكيبيديا أكثر من 55 مليون مقال بـ300 لغة ولهجة، وتعد الموقع رقم 13 الأكثر شعبية على الإنترنت، وفقًا لترتيب “أليكسا” (Alexa) ، والوحيد من بين أفضل 50 موقعًا يتم تشغيله على أساس غير تجاري ولا يعرض أي إعلانات.
وبالنسبة لملايين الأشخاص حول العالم من مستخدمي الإنترنت، غيّرت ويكيبيديا من طريقة تعلمهم وقراءتهم واطلاعهم، وأسهمت في تطوير جوانب حياتية عدة، من الثقافة العامة وحتى إعداد ورقة بحثية مدرسية.
ويتم إنشاء المحتوى في ويكيبيديا بطريقة تعاونية، بقيادة عدد كبير من المحررين المتطوعين الذين يعتمدون على أسلوب متكرر من التعديلات والتصحيحات يستخدمه نظام تحرير “ويكي”، الذي يعمل بوصفه منصة مفتوحة جماعية المصدر.
وبلغ عدد المسهمين النشطين (يجري تعديل واحد على الأقل كل شهر) نهاية عام 2011 قرابة 31.7 مليون مستخدم مسجل في جميع إصدارات اللغات، في حين سجلت إحصاءات ويكيبيديا العربية اليوم 16 يناير/كانون الثاني الجاري قرابة مليوني عضو مسجل بينهم 8303 أعضاء نشطين فقط.
وكانت النسخة العربية من ويكيبيديا قد انطلقت في 9 يوليو/تموز 2003، وبلغ عدد مقالاتها أمس 15 يناير/كانون الثاني 2021 قرابة مليون و100 ألف مقالة عربية، لتحتل بذلك المركز الـ16 من حيث عدد المقالات بين النسخ المختلفة للموسوعة العالمية.
سؤال المصداقية
ومع ذلك، وبسبب طبيعة ويكيبيديا التي تسمح لأي مستخدم بتعديل مقالاتها، شكك بعض النقاد والمحللين في مصداقيتها متسائلين عن مدى الثقة التي يمكن أن تمنح لها وعن مدى دقتها، لأنه كلما كان بإمكان أي مستخدم إجراء تعديلات على محتويات الموسوعة سيزداد احتمال إدخال معلومات خاطئة أو غير مؤكدة على الأقل.
وقد لا تنجو هذه الموسوعة من المخربين الذين يسعون إلى حذف أقسام أو إضافة تعليقات شخصية أو آراء متحيزة، خاصة في بعض الموضوعات السياسية والدينية الخلافية.
ويثير بعض الدارسين الشكوك بشأن حيادية المقالات في ويكيبيديا رغم إلزام القائمين عليها المستخدمين عند تحرير وتعديل محتوياتها، بما حددوه من سياسات وتعليمات تهدف إلى تجنب محاولات التخريب وضمان مصداقية المعلومات.
ورغم بعض الاعتراضات على مصداقية ويكيبيديا والطعن في صحة المعلومات التي تقدمها، فإن نموها السريع وإقبال الناس عليها من كل اللغات والأعمار والثقافات أعطاها مكانة كبيرة بين مستخدمي الإنترنت، وجعلها مصدرا مهما وسريعا للمعلومات.
ولذلك فإن شركة نيوميديا التي تشرف على ويكيبيديا بدأت بعدد من المشروعات الأخرى التي سمتها المشروعات الشقيقة، مثل “ويكي قاموس” لإنشاء قاموس متعدد اللغات بدأ في ديسمبر/كانون الأول 2002، و”ويكي اقتباس” الذي يضم مجموعة من الاقتباسات، و”ويكي الكتب” للكتب المجانية الحرة التي يتم تحريرها تعاونيا.
ورغم التحديات التي تتزايد مع التوسع والانتشار، يظهر أن مستقبل ويكيبيديا وغيرها من المؤسسات التي تستند إلى نظام التحرير المفتوح والمعلومة المشاعة، أمامه آفاق واسعة لتعميم المعرفة وشعبيتها.