واشنطن- “ساحات التحرير”
قال الباحث والأكاديمي الأميركي دكتور إيريك بوردنكيرشر، وهو زميل بحثي في “مركز تنمية الشرق الأوسط” التابع لجامعة لوس أنجلوس كاليفورنيا، ان “الحكومة الحالية في بغداد أثبتت عدة مرات أنها ليست شريكًا موثوقًا للولايات المتحدة من خلال إهمال واجباتها الأساسية، بما في ذلك عجزها عن حماية الموظفين الأمريكيين في الخارج”.
وأضاف في مقالة نشرها “معهد واشنطن” الأميركي “أظهرت الحكومة أنها إما لا ترغب أو هي عاجزة عن حماية السفارة الأمريكية من المتظاهرين العنيفين ومن الهجمات. وطيلة أسابيع، لم تنجح بغداد في منع تعرّض الدبلوماسيين والقوات والمقاولين الخاصين الأمريكيين من القصف، علمًا بأنهم أتوا لتسهيل تدريب الجيش العراقي– ما أسفر عن مقتل مقاول أمريكي خاص وجرح العديد من المقاولين والجنود الأمريكيين الآخرين مؤخرًا”.
وبحسب الكاتب “تؤكّد عملية التصويت المثيرة للجدل التي أجراها البرلمان العراقي مؤخرًا لإنهاء وجود القوات الأمريكية في العراق ما تم تداوله لأشهر– إن لم يكن لسنوات – بأن الحكومة العراقية في بغداد خاضعة لعناصر موالية لإيران. ويثبت هذا التصويت أيضًا قبولًا باستمرار تواجد الميليشيات خارج سيطرة الدولة– على غرار “كتائب حزب الله”– وبالتالي رغبة في تجاهل سيادة القانون.
علاوةً على ذلك، يعكس هذا التصويت الانقسامات الطائفية العميقة داخل الحكومة العراقية. فقد صوتت غالبية النواب الشيعة في البرلمان لصالح طرد القوات الأمريكية، في حين لا يزال العراقيون الآخرون يعارضون تدخل إيران. والأهم أن رجال السياسة العراقيين من السنّة والأكراد لم يحضروا جلسة التصويت البرلمانية. هذا ويعكس تضامن السياسيين الشيعة، المتجلي بتعزيز قدرات الجيش ومؤسسات الدولة، عدم استعدادهم لضمان مصلحة الدولة العراقية ككل وليس مجتمعهم فقط. كذلك، تؤكد المسيرة المليونية التي دعا إليها مقتدى الصدر الأسبوع الفائت أن صانع الملوك الأكثر ترجيحًا في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة لا يميل أو لا يهتم كثيرًا بالحفاظ على وجود عسكري أمريكي في العراق، رغم أنه يسعى أيضًا إلى الحدّ من النفوذ الإيراني على سياسة العراق.
وحتى الآن، حدّد صناع السياسة الأمريكيون ردَين محتملين على التطورات التي جرت في الآونة الأخيرة. ويقوم أحدهما على البقاء في العراق وإصلاح العلاقات. وتبرر الولايات المتحدة هذا الرد بالاستناد إلى الكم الكبير من رأس المال البشري والموارد التي استثمرتها في العراق، فضلًا عن دور العراق المستقبلي في التصدي لعودة “داعش” واحتواء إيران. غير أن إصلاح العلاقات يتطلب شريكًا عراقيًا شرعيًا. وقد يستغرق تشكيل حكومة جديدة أشهرًا، بما أن الحكومة العراقية في وضع متقلب بعد استقالة رئيس الوزراء. وكلما انتظرت الولايات المتحدة أكثر لتشكيل حكومة جديدة، ازداد خطر تعرض المسؤولين والجنود والمقاولين الخاصين الأمريكيين لهجمات على يد الميليشيات.
وعلى نحو مماثل، ستواصل إيران ووكلاؤها اللجوء إلى مستويات غير مسبوقة من العنف من أجل البقاء في السلطة؛ علمًا بأن آلاف المتظاهرين في العراق وإيران سقطوا أساسًا بين قتيل أو جريح أو مسجون خلال الأشهر العديدة الماضية. ومن المرجح أن تبقى السفارة الأمريكية وقواعدها العسكرية ومواطنوها الأفراد مستهدفين من قِبل فصائل موالية لإيران أملاً منها توحيد قاعدتها حول معاداة الولايات المتحدة ردًّا على رفض المتظاهرين الشيعة بغالبيتهم المستمرّ لكل من التأثيرَين السياسي الإيراني والحكومة العراقية الجلّيين.
أما النتيجة المحتملة الثانية فهي نهاية الوجود العسكري الأمريكي في العراق. ويمكن أن يتجلى وعد إدارة ترامب في خفض عدد القوات في الخارج وتجنّب الخوض في المزيد من الصراعات في الشرق الأوسط في حال استمرار العنف ضدّ أهداف أمريكية. غير أنه من شأن انسحاب الولايات المتحدة أن يمدّ إيران ووكلائها بالجرأة ويشكك بالعزم الأمريكي على الصعيدين الإقليمي والدولي ويسفر على الأرجح عن عودة “الدولة الإسلامية”.