(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن سبعة أشخاص على الأقل، بينهم صبي عمره 16 عاما، فُقدوا من ساحة التحرير أو بالقرب منها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول أثناء مشاركتهم في المظاهرات المستمرة في العاصمة العراقية. ما يزال خمسةٌ مفقودين حتى 2 ديسمبر/كانون الأول. قالت عائلاتهم إنها زارت مراكز الشرطة والمقرات الحكومية طلبا للمعلومات دون جدوى، وإن الحكومة لم تتخذ إجراءات ملموسة لمعرفة مواقع أقاربهم. ليس واضحا إن كانت قوات الأمن الحكومية أو الجماعات المسلحة تقوم بعمليات الاختطاف. في حالتين أخريين، اعتقلت قوات الأمن داعمَين للاحتجاجات واحتجزتهما تعسفا.
وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “سواء كانت الحكومة أو الجماعات المسلحة وراء عمليات الاختطاف في بغداد، تتحمل الحكومة مسؤولية الحفاظ على سلامة الناس من هذا الاستهداف. تخذل الحكومة العراقية مواطنيها إذا سمحت للقوات المسلحة باختطاف الناس، ويقع على عاتق الحكومة أن تتحرك سريعا ضد الانتهاكات.”
بتاريخ 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أفادت “بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق” (يونامي) عن علمها بست عمليات اختطاف للمتظاهرين أو المتطوعين الذين يساعدونهم في بغداد. بدأت “المفوضية العليا لحقوق الإنسان” العراقية بتعداد عدد المخطوفين من قبل قوات الأمن والعناصر المجهولة خلال الاحتجاجات بتاريخ 1 أكتوبر/تشرين الأول، لكنها أوقفت التعداد في 31 أكتوبر/تشرين الأول. إلا أنها قالت في “فيسبوك” بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني إن السلطات اعتقلت 93 متظاهرا في بغداد بين 21 و24 نوفمبر/تشرين الثاني، أُطلق سراح 14 منهم، ولاحظت التقارير المستمرة عن عمليات خطف الناشطين والصحفيين والمحامين على أيدي “مجهولين”. قالت بتاريخ 21 نوفمبر/تشرين الثاني إنه يتعين على الحكومة التحقيق وضمان إطلاق سراح المحتجزين، وتقديم المسؤولين عن الأحداث إلى العدالة.
في مؤتمر صحفي بتاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني ،أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أن السلطات أطلقت سراح 2,500 شخص كانت قد ألقت القبض عليهم منذ بدء الاحتجاجات.
استطاعت هيومن رايتس ووتش الحصول على بعض المعلومات حول سبعة مختطفين ومعتقلَين اثنين. لكن في تسع حالات أخرى، قالت عائلات وأصدقاء ومحامو المختطَفين أو المحتجَزين أو المتظاهرين في بغداد وكربلاء والناصرية إنهم كانوا خائفين للغاية أو قلقين من عواقب تقديم المحتجَز للتفاصيل.
أفادت هيومن رايتس ووتش عن اختطاف صبا فرحان حميد (36 عاما) في 2 نوفمبر/تشرين الثاني بينما كانت في طريقها إلى المنزل لتوفير الغذاء والماء ومواد الإسعافات الأولية إلى المتظاهرين في ساحة التحرير. قالت عائلة حميد إنها بقيت معصوبة العينين طوال فترة اختطافها وأُطلق سراحها بتاريخ 13 نوفمبر/تشرين الثاني لكنها لم تستطع تقديم تفاصيل أخرى. كما وثقت هيومن رايتس ووتش اختطاف ميثم الحلو، أحد سكان بغداد، في 7 أكتوبر/تشرين الأول خلال الموجة الأولى من المظاهرات. وقد أُطلق سراحه في 24 أكتوبر/تشرين الأول ولم يتمكن من تقديم أي تفاصيل حول اختطافه.
قال شقيق عمر كاظم كاظع يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني إن كاظع كان يعيش في ساحة التحرير منذ بدء الموجة الثانية من المظاهرات في 25 أكتوبر/تشرين الأول. قال إن كاظع عاد لمنزله يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني ليستحم. ثم غادر ولم تستطع العائلة أن تتصل به أو تعثر عليه منذئذ. قال شقيقه إنه في 25 نوفمبر/تشرين الثاني، اشتغل هاتفه مرة أخرى، ظهرت لديه فجأة أن رسائله لأخيه قُرئت، لكنهم اتصلوا عدة مرات دون رد. قال إن شقيق كاظع الأكبر قدم طلبا للبحث عن مفقود في مركز شرطة محلي في بغداد، لكنهم أبدوا اهتماما ضئيلا، وبحسب ما يعرفه، لم يحققوا بالطلب. أطلق سراح كاظع في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، وقال لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة الاتحادية كانت قد اعتقلته عند نقطة تفتيش وهو في طريقه إلى المظاهرات في 20 نوفمبر/تشرين الثاني وعرضته في 21 نوفمبر/تشرين الثاني على قاضٍ، قال له أنه ليس متهم بأي شيء. أطلقت سراحه الشرطة في 28 نوفمبر/تشرين الثاني.
قال رجل في بغداد بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول إنه تحدث إلى أخيه عباس ياسين كاظم، الذي كان في ساحة التحرير، عبر الهاتف يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول الساعة 5 مساء. عندما حاول الأخ الاتصال بكاظم الساعة 8 مساء، كان الهاتف مغلقا. ذهب الشقيق إلى أربعة مراكز للشرطة، وطلب المعلومات دون نتيجة، لم تقدم الشرطة المساعدة للعثور عليه. ما يزال كاظم مفقودا.
قال رجل آخر إن قريبه، سيف محسن عبد الحميد، جاء إلى بغداد بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول للتظاهر وكان ينام في خيمة مع أصدقائه في ساحة التحرير. قال إنه تحدث إلى عبد الحميد ظهر يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول. أخبره عبد الحميد إنه كان على جسر الجمهورية، الخط الأمامي من المظاهرات، بعدها أُغلق هاتفه. قال إنه ذهب إلى مراكز الشرطة والمكاتب الحكومية لكنه لم يحصل على أي معلومات، قالت الشرطة إنها لا تملك ما يكفي من المعلومات لمتابعة القضية. ما يزال عبد الحميد مفقودا.
قالت قريبة لماري محمد حرج، وهي امرأة من بغداد، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، إن حرج نشرت بتاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول شريط فيديو لها على فيسبوك تنتقد خلاله رئيس الوزراء وتدعم المتظاهرين. قالت قريبتها إن الفيديو انتشر، فبدأ مستخدمو فيسبوك، الذين لا تعرفهم العائلة، باتهام حرج بعلاقاتها بالسعودية ويهددونها بالقتل.
قالت قريبتها إنها تحدث إليها آخر مرة وهي في ساحة التحرير الساعة 5 مساء يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني، ولكن عندما عاودت الاتصال بها الساعة 9، كان هاتفها مغلقا. قالت إن والد حرج وعمها ذهبا إلى مركزَي شرطة في بغداد، لكنهما لم يحصلا على أي معلومات. طلبا من الشرطة طلب بيانات برج الهاتف الخليوي للمساعدة في معرفة مكان وجودها وتقديم بلاغ عن مفقود، لكنهما يعتقدان أن الشرطة لم تحقق في الأمر. أُطلق سراح حرج بتاريخ 12 نوفمبر/تشرين الثاني، لكنها لم تُدلِ لـ هيومن رايتس ووتش بتفاصيل اختطافها.
قالت أخت مصطفى منذر علي، الذي كان يساعد في ساحة التحرير يوميا كمسعف عند الحاجة، إنه توقف عن الرد على مكالماتها الساعة 3 صبيحة 15 نوفمبر/تشرين الثاني. قالت إنها ذهبت إلى ساحة التحرير في وقت لاحق من صباح ذلك اليوم ولم تجده، كما لم تعثر عليه في مراكز الشرطة أو أي قوائم سجناء راجعوها. قالت إنها لا تعرف كيف تقدم بلاغا عن مفقود وإن الشرطة لم تساعدها. تمكن علي من الاتصال بأسرته بتاريخ 17 نوفمبر/تشرين الثاني، كما قال والده، الذي تمكن من زيارته يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني في معتقل في المثنى، وهي قاعدة عسكرية قديمة في بغداد تضم الآن مراكز احتجاز تابعة لمختلف الأجهزة الأمنية الحكومية.
أخبر علي والده أنه في منتصف ليلة 14 نوفمبر/تشرين الثاني، سحبه رجل يرتدي ملابس مدنية من المظاهرة نحو مجموعة من العناصر الذين قبضوا عليه واقتادوه إلى مقر قيادة عمليات بغداد، وضربوه. قال إنه بتاريخ 16 نوفمبر/تشرين الثاني، عرضه العناصر على قاضٍ، أخبره أنه لم يتم توجيه تهم إليه، لكن القاضي لم يستطع الإفراج عنه حتى “تستقيل الحكومة أو تنتهي المظاهرات”. قال الأب إنه أكد أن محتجين آخرين كانوا محتجزين في المثنى. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من روايته مباشرة.
قال ابن عم سنان عادل إبراهيم في 25 نوفمبر/تشرين الثاني إنه تحدث يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني مع إبراهيم، الذي كان في ساحة التحرير. اتصل بإبراهيم مرة أخرى الساعة 2 من صباح يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني ليجد هاتفه مغلقا. خشيت الأسرة من شرح الخطوات التي اتبعتها لتأمين الإفراج عنه.
قال والد حسن أحمد حاتم (16 عاما) إن ابنه ذهب إلى ساحة التحرير في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، ولم تصل إليه أسرته أو تعثر عليه منذئذ. ذهب والده إلى ثلاثة مراكز للشرطة لكنه لم يحصل على أي معلومات ولم يعرض أي منها عليه تقديم طلب للبحث عن مفقود أو أي مساعدة أخرى.
وفقا لـ “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، يضم العراق أحد أكبر أعداد الأشخاص المفقودين في العالم. تقدّر اللجنة الدولية المعنية بالمفقودين، التي تعمل بالشراكة مع الحكومة العراقية للمساعدة في استعادة هوية المفقودين، أن عدد المفقودين في العراق يتراوح بين 250 ألف ومليون شخص. نشرت هيومن رايتس ووتش تقريرا يوثق حالات الاختفاء القسري للعرب السنة في الغالب بين 2014 و2017.
ينبغي للحكومة العراقية ضمان تحقيق مستقل في جميع عمليات الاختطاف. ينبغي للسلطات إطلاق سراح جميع المتظاهرين الذين لم توجه إليهم تهم بارتكاب جريمة جنائية معترف بها أو أي شخص احتُجز لمجرد ممارسته لحقه في التجمع السلمي والتظاهر. يجب التحقيق مع المسؤولين عن الاحتجاز غير القانوني ومقاضاتهم، بما في ذلك قوات أمن الدولة والأفراد على السواء.
قالت ويتسن: “من غير المقبول أن تواصل الشرطة في العاصمة العراقية بغداد التعامل مع عمليات الاختطاف هذه بلا مبالاة. يجب أن تنهيها وتحقق فيها”.