د. حسين كركوش*
من يقول إن استقالة رئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي (لم يقدمها رسميا بعد ) ليست سوى ابرة تخدير ، ولا تعني شيئا ، أما واهم أو مراهق سياسي ، أو من رجال العهد البائد يختض هلعا مما تخبأه الأيام القادمة.
نعم ، في اللحظة التي أعلن فيها رئيس الحكومة عن نيته في تقديم استقالته صارت الفترة التي بدأت في عام 2003 تسمى (العهد البائد).
أفراد الطبقة السياسية ، كل الطبقة السياسية دون استثناء ، أو ما تسمى (الكتل الكبرى) التي تسيدت المشهد طوال تلك الفترة ، والتي دأب رجالها يتيهون على العراقيين كالطووايس ؛ مرة يهددون العراقيين بفتح أبواب جهنم ، ومرة بتلقينهم ما يجوز وما لا يجوز ، ومرة يدعون أنهم (أصحاب الكساء) ؛ هولاء جميعا أصبحوا موميات سيتم نقلها إلى قاعات المتحف العراقي ، حتى لا نقول نفايات سياسية.
ماذا حل باجتماع الجادرية الذي أمهل حكومة عبد المهدي 45 يوما ؟
الصورة من أسوشيتيد برس
داسه شباب العراق تحت أقدامهم ، بعد أن قالوا ، وقد سفحوا دمائهم الطاهرة : ليس أنتم من تقررون بعد الآن ، نحن من يقرر. نحن أهل الحل والعقد. المرجعية معنا والعشائر نزلت إلى الشارع دفاعا عنا.
نحن أمام حدث فريد من نوعه في تاريخ العراق. على امتداد تاريخ عراق ما قبل بركان الأول من أكتوبر/ تشرين كان شباب العراق في الهامش والآخرون داخل المتن. الآن شباب العراق داخل المتن والبقية أما لاذوا بالصمت أو وافقوا على مطالب المتظاهرين. وكان المرجع السيد علي السيستاني (وأنا أتحدث عن المرجع السيستاني وحده ، دون غيره ، مهما كان هذا الغير) حكيما و واقعيا في انحيازه لمطالب المتظاهرين.
ليس بمقدور كل القوى المناهضة لمطالب المنتفضين ، مهما كانت أسلحتها ، أن تخمد هذا البركان. دماء الشباب الغالية التي أريقت بغزارة جعلت النخب السياسية الحاكمة تسير في طريق مسدود مغلوبة على أمرها وكسيرة الجناح ، بعد أن نزع عنها المنتقضون المبادرة تماما.
إعلان رئيس الوزراء عن تقديم استقالته هو أول الغيث ، وسينهمر المطر بغزارة ، بل هو أنهمر و سقى أراضي العراق ، و صبغت مياهه باللون الأحمر بعد أن اختلطت بدماء الشهداء.
الخطوة الثانية هي أن يبادر شباب العراق لتسمية رئيس حكومة جديد. نعم هم من يختار ، ومن المستحيل أن يفرض عليهم فلان الفلاني وعلان العلاني.
بعد ذلك يتم حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة حرة تماما ونزيهة تماما ، وبأشراف الأمم المتحدة. وقبلها يتم تعديل الدستور وقانون الانتخابات وتشكيل مفوضية جديدة. وخلال هذه الفترة المؤقتة يتم إحالة قتلة الشباب أمام القضاء ، ويتم إخلاء المنطقة الخضراء من ساكنيها الذين حكموا العراق ، وتجريدهم من طواقم حماياتهم ، ومنعهم من السفر.
إنه البركان العراقي الذي ما يزال في أوج اندفاعه ، وكل حممه التي رأيناها حتى الآن ، لا تساوي شيئا بما سنراه في قادم الأيام والأشهر والسنين.
*كاتب وباحث عراقي والمقال من صفحته على الفيسبوك