أربيل (العراق) (رويترز) –
يزيد الهجوم التركي الذي يستهدف القوى الكردية السورية عبر الحدود أكراد العراق المنقسمين على أنفسهم ضعفا بينما يعزز المنافسين الإقليميين الذين يجمعهم هدف واحد، وهو عدم قيام دولة كردية.
وأثار الهجوم، الذي أعقب انسحاب القوات أمريكية مما أعطى فعليا ضوءا أمريكيا أخضر لتركيا، قلق قاطني إقليم كردستان العراق شبه المستقل.
فقد أنهى هذا الهجوم حكم أكراد سوريا لمنطقة ”روج آفا“، وهو الاسم الذي يطلقونه على شمال شرق سوريا، ليصبح بذلك إقليم كردستان العراق المنطقة الوحيدة التي تخضع لحكم ذاتي كردي.
وأحرق محتجون في مدن كردستان العراق، أغضبهم تعرض إخوانهم أكراد سوريا للخيانة بقرار سياسي أمريكي آخر، أعلام تركيا وتعهدت سلطات المنطقة بمساعدة اللاجئين الفارين جراء الهجوم التركي.
وقال طالب كردي يدعى بيان أحمد (20 عاما) ”العالم خذل الأكراد“.
وأضاف ”هذه حكايتنا.. دائما نتعرض للخيانة“.
لكن رد الفعل الأكثر حذرا لزعماء أكراد العراق يظهر وضعهم بين مطرقة الهجوم التركي وسندان اعتمادهم على أنقرة اقتصاديا وسياسيا، وبالتالي لم ينددوا بتركيا بالاسم رغم قتالها إخوانهم في سوريا عبر الحدود.
ويخفي الهجوم كذلك توترا كامنا بين الحزبين الرئيسيين في كردستان العراق، الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو حليف وثيق لإيران، والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع أنقرة.
ويقول مسؤولون أكراد ومحللون إنه مع إحراز تركيا تقدما في مواجهة المسلحين الأكراد واستعادة الحكومة السورية مناطق كردية وتأمين مسلحين متحالفين مع إيران خطوط إمداد إقليمية، سيتنامى اعتماد أكراد العراق على القوى الإقليمية.
وقال شيروان ميزرا العضو الكردي في مجلس النواب العراقي ”المشكلة (هي أن) الكرد في كافة الدول (واقعون) بين الدول المتسلطة أو التي الكل (فيها) يتوجه ضدهم… تعامل سوريا وتركيا وايران مع الاكراد غير منصف وحتى العراق. حكومة كردستان قلقة لأنها الاخيرة التي بقت في المنطقة“.
وأضاف ”عليها (كردستان العراق) القيام بدورها للحفاظ على الواقع الذي تعيشه وإدراك خطورة المنطقة.. حكومة كردستان يجب أن تتعامل مع بغداد كإقليم فيدرالي (اتحادي).. ولكن مع الاسف هناك توجهات بان تتعامل بغداد مع الكرد ليس كمواطنين درجة أولى“.
وما زال أكراد العراق في حالة عدم اتزان جراء فشل محاولتهم نيل الاستقلال عام 2017. ويقولون إن المحاولة أفشلها انتقاد الولايات المتحدة لاستفتائهم على حكم ذاتي كامل للأكراد، وهو موقف يعتبرونه خيانة من جانب واشنطن.
ومهد الانتقاد الأمريكي، إضافة للتنديد التركي والإيراني الطريق أمام قوات الحكومة العراقية لاستعادة المناطق التي كان يسيطر عليها الأكراد منذ اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية لمساحات شاسعة من العراق.
وقال بلال وهّاب، وهو زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن التجربتين الكرديتين للحكم الذاتي في سوريا والعراق تلقتا ”صفعة“ خلال العامين المنصرمين.
وتساءل وهّاب إن كانت تلك الانتكاسات تٌعزى لسوء توقيت أو لافتقار الحنكة السياسية أو ”لصورة أكبر ينتهي فيها الأمر دائما بالأكراد بأن يعانوا من أسوأ التبعات والعواقب بغض النظر عن أي شيء“.
* استقلال فاشل وانقسامات
يسعى الأكراد لقيام دولة مستقلة لهم منذ ما يقرب من قرن من الزمان، عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية وتناثرت الأراضي التي يقطنها الأكراد بين تركيا وإيران والعراق وسوريا.
لكن محاولات القوى الإقليمية للإبقاء على هذه الجماعة العرقية التي تُقدر بنحو 30 مليون نسمة تحت السيطرة إضافة إلى الانقسامات الداخلية أحبطت لفترة طويلة جهود الأكراد لتحقيق الاستقلال.
وفي شمال العراق حصل الأكراد على أول حكم ذاتي لهم عام 1991 بعد حرب الخليج.
غير أنه يتعين عليهم منذ ذلك الحين أن يوازنوا بين طموحهم في الاستقلال التام والتهديد برد فعل عنيف من جيرانهم ومقاومة بغداد لإعادة ترسيم الحدود.
وتجربة أكراد سوريا أقصر عمرا. فقد سمحت لهم الحرب التي بدأت عام 2011 للأكراد في شمال شرق البلاد بحكم أنفسهم مع انشغال الرئيس بشار الأسد بقتال مسلحي المعارضة في الغرب.
وعملت القوات الأمريكية مع وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا لإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، الأمر الذي عزز أمل الأكراد في أن يسهم دعم حليف غربي قوي لهم في تعزيز إدارتهم الذاتية التي لا تقف على أرض صلبة.
وانتهى ذلك الأسبوع الماضي بانسحاب القوات الأمريكية وبدء التوغل التركي. وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية جماعة إرهابية وامتدادا لمسلحي حزب العمال الكردستاني في تركيا.
وفي محاولة يائسة للتصدي للهجوم التركي اتفقت وحدات حماية الشعب مع الأسد على السماح لقواته بالدفاع عنهم، مُعيدة لدمشق السيطرة على أراضيها لأول مرة منذ سنوات.
وستستفيد كذلك إيران، حليف الأسد. فمن المُرجح أن تساعد فصائل عراقية مسلحة، مدعومة من إيران، على الحدود العراقية السورية الأسد في تأمين السيطرة وتعزيز خطوط الإمداد الخاصة بهم على امتداد ممر من بري من طهران إلى بيروت.
ويقول ساسة أكراد ومحللون إنه في مثل هذه البيئة فإن حكومة كردستان العراق ليست في موقف يتيح لها أن تهب لنجدة أكراد سوريا ولا هي ترغب في ذلك خوفا من الإخلال بعلاقاتها الإقليمية مع إيران وتركيا.
ويضيفون أن ذلك قد يدفع السلطات الكردية في العراق للعمل بشكل أوثق مع الحكومة المركزية. فقد أضعفت محاولة الاستقلال الفاشلة في 2017 علاقات الأكراد مع بغداد.
كما أن المحافظة على العلاقات مع تركيا ستكون حاسمة أيضا.
وقال بزدر بابكر من حركة التغيير الكردية المعارضة ”الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقود حكومة الاقليم في هذه المرحلة. الحزب الديمقراطي الكردستاني أصبح جزءا من المخطط الأردوغاني وحزب العدالة والتنميه. والحزب الديمقراطي الكردستاني لهم مصالح كثيره مع الجانب التركي، وعلى رأس هذه المصالح عقود لمدة 50 عاما للغاز الطبيعي والنفط“.
وتعتمد حكومة إقليم كردستان على خطوط الأنابيب التركية لتصدير النفط. وتتجاوز العلاقات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم وتركيا الاقتصاد بكثير، لتشمل عدوا مشتركا هو حزب العمال الكردستاني. ودأبت تركيا على قصف قواعد حزب العمال الكردستاني في كردستان بشمال العراق.
وبناء على ذلك فإن مساعدة حكومة كردستان للسوريين ستقتصر على استقبال بعض اللاجئين، وهو ما بدأته بالفعل.
ولحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، منافس الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي يسيطر على مناطق قرب الحدود مع إيران، علاقات أوثق مع حزب العمال الكردستاني وبالتالي كان تنديده أقوى بالهجوم التركي.
ودخل الحزبان الكرديان في مواجهة مسلحة في تسعينيات القرن الماضي. وانتقلا إلى تقاسم السلطة في الآونة الأخيرة، لكن الولاءات الإقليمية المتنافسة والتنافس فيما بينهما هي التي تحكم علاقتهما.
LEAVE A COMMENT