بغداد/ وائل نعمة*
معارك تكسير العظم بين القوى السُنية انتقلت هذه المرة من البرلمان والصراع على المناصب إلى الأنبار، حيث تجري محاولات لتقسيم المحافظة إلى اثنتين: شرقية وأخرى غربية.
وبحسب التقسيم المفترض فان “الغربية” والتي قد تضم 5 أو 7 أقضية ستحتكر كل المنافذ الحدودية بالإضافة إلى الموارد الطبيعية، بينما يبقى الجزء الآخر فقير و بلا إمكانيات.
ويقول المؤيدون لفكرة استحداث محافظة في غرب الأنبار إن الاستحداث سيقدم خدمات أفضل للسكان على اعتبار أن مسافات كبيرة تفصل بين مدن مثل القائم أو حديثة عن مركز المدينة (الرمادي) ما يعطل إنجار المشاريع والمعاملات.
بالمقابل يرى فريق المعارضة، أن عجلة الإعمار التي دارت مؤخرا في الأنبار وتراجع الهجمات المسلحة بشكل كبير في المحافظة، قد استفز بعض الجهات “الخاسرة” سياسيا والتي تبحث عن انتصارات حتى وإن كانت على حساب استقرار المحافظة.
في عام 2016، ظهرت أول محاولة واضحة لإيجاد محافظة جديدة في المنطقة الغربية. آنذاك كانت المدن الغربية ما زالت تحت سيطرة “داعش” والاتهامات بين القوى السياسية داخل المحافظة مشتعلة.
وبدى المقترح حينها وكأنه رد فعل على إقصاء الحزب الإسلامي من الحياة السياسية في الأنبار وصعود نجم القوى السياسية المتحالفة مع العشائر التي شاركت في عمليات التحرير ضد داعش”.
إبعاد صهيب الراوي، القيادي في الحزب الإسلامي وممثل مناطق غرب الأنبار عن منصب المحافظ في تموز 2016، كان قد أغضب الحزب الذي بدأ أعضاء فيه بالحديث عن رفض سكان تلك المناطق (الغربية) للمسؤولين في الرمادي، وإمكانية انشاء محافظة جديدة.
بعد ذلك الحادث، اختار مجلس المحافظة محمد الحلبوسي الذي كان حينها قيادي في كتلة الحل بديلا عن الراوي، ليظهر الخلاف بين الحزب الإسلامي وحزب الكرابلة – نسبة إلى جمال الكربولي مؤسس “الحل”- إلى العلن.
وتصادمت تلك القوى بعد ذلك داخل الأنبار لأكثر من مرة، كما حدث في نزاع شرس للسيطرة على الطريق الدولي الرابط بين الرمادي ومنفذ طريبيل الحدودي، ومذكرات اعتقال حركت ضد أعضاء في مجلس المحافظة بتهم مختلفة.
ومع صعود الحلبوسي، المحافظ السابق، إلى رئاسة البرلمان العام الماضي، ومحاولاته رفع الحصانة عن نواب القوى السُنية المعارضة له – بحسب زعم الأخيرة- واستقطاب أطراف كانت ضمن الحزب الإسلامي إلى كتلته الجديدة (تحالف القوى)، آخرها أمس، بعد إعلان 6 نواب انسحابهم من حزب التجمع المدني للإصلاح، الذي يقوده رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، وانضمامهم إلى فريق الحلبوسي، عادت ساحة الحرب إلى الأنبار.
دوافع استحداث محافظة جديدة
يقول فرحان محمد الدليمي، وهو ممثل مناطق غربي الأنبار في مجلس المحافظة في اتصال مع (المدى) معلقا على ما يجري في الأنبار بأنه “ليس عملا أو صراعا سياسيا، هناك مشاكل إدارية وخدمية في المحافظة تستدعي استحداث محافظة جديدة”.
ويشير المسؤول المحلي إلى أن وجود بعض الشخصيات المحسوبة على بعض الأحزاب، في إشارة إلى الحزب الإسلامي، تطالب في فعاليات سياسية بتشكيل المحافظة الغربية: “لا يعني بأن الأمر وراءه أهداف سياسية”.
ويؤكد الدليمي أن مؤتمراً موسعاً جرى قبل أيام في حديثة، حضرته جهات سياسية وعشائرية لتأكيد طلب استحداث محافظة التي ستضم مبدئيا 5 أقضية وهي (القائم، راوة، عانة، حديثة، والرطبة) وقد تنضم إليهم هيت والبغدادي أيضا، على أن تكون عانة هي مركز المدينة”.
وتبلغ مساحة الأنبار 140 ألف كيلومتر مربع، أي نحو 33 % من مساحة العراق، ويبلغ عدد سكانها قرابة الملويني نسمة، ووفقا لاتساع المساحة يرى الدليمي أن “إنشاء محافظة جديدة بات أمرا ضروريا، لن سكان القائم عليهم قطع مسافة 300 كم لإنجاز معاملة في الرمادي (مركز المدينة)”.
ويقول فرحان الدليمي إن “القانون لا يسمح بافتتاح مديريات خارج مركز المدنية وليس لدينا حل سوى استحداث محافظة”، مشيرا إلى أن مشكلة تقسيم الثروات بين المحافظتين (الشرقية والغربية) يمكن حلها بين الطرفين.
وستسحتوذ المحافظة الغربية، في حال إعلانها، على منافذ القائم والوليد وطريبيل، بالإضافة إلى معامل الفوسفات والنفط الذي يعتقد وجوده في الصحراء الغربية.
كذلك تتسع الأسباب التي يسوقها الدليمي في تبريره لإنشاء محافظة جديدة في غرب الأنبار، ليقول إن “كل مدراء الدوائر في مركز المدينة وفي المناصب الاتحادية هم من الرمادي، بينما يتم تهميش أبناء الغربية”.
حرب المفلسين
بالمقابل وصف هيبت الحلبوسي، النائب في تحالف القوى الذي يقوده رئيس البرلمان في تصريح أمس لـ(المدى) الحديث عن إنشاء محافظة في الغربية بأنه “إشاعات تطلقها جهات سياسية مفلسة في الأنبار”، دون تحديد تلك الجهات بشكل واضح.
ونفى النائب وجود أي إجراءات رسمية في هذا الإطار. وأضاف: “المفلسون في الأنبار أغضبهم الإعمار في المحافظة ويريدون تخريب الاستقرار بأي وسيلة”.
لكن فرحان الدليمي، المسؤول في مجلس الأنبار، أكد أن الداعمين لفكرة إنشاء محافظة الغربية أرسلوا كتبا إلى الجهات المسؤولة للمضي في الإجراءات القانونية.
ويمنح القانون العراقي حق استحداث المحافظات والأقاليم، ولكن حتى الآن لم تنجح أي محاولة منذ 2003 لإنشاء محافظة جديدة أو إقليم.
وكانت الأنبار، كما البصرة والموصل، قد سعت في فترة من الفترات للتحول إلى إقليم لكنها ووجهت بعاصفة من الاتهامات بالتقسيم الطائفي. ويقول الدليمي: “من رفض حينها إقليم الأنبار عاد بعد ذلك ليندم، ونخشى أن يندموا هذه المرة أيضا على معارضتهم استحداث محافظة جديدة لكن بعد فوات الأوان”.
*صحافي من أسرة “المدى” والتقرير منشور في الصحيفة أمس
LEAVE A COMMENT