في لقائه ببرنامج المقابلة على قناة الجزيرة ، كشف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن جانب مهم جدا في تكوينه النفسي والأخلاقي، حينما رفض الانتقام من الشخص الذي كتب تقريرا أمنيا عن والده في أثناء حكم النظام العراقي السابق ، هذا التقرير كان كفيلا بأن يعدم والده.
فعلى الرغم من المناصب التي تولاها أو شغلها السوداني في مرحلة ما بعد عام ٢٠٠٣م وآخرها منصب رئيس الوزراء وما يمنحه هذا المنصب من صلاحيات، إلا أنه يرفض رفضا قاطعا الانتقام من الشخص الذي كان سببا في مقتل والده.
هذه القناعة الراسخة لدى محمد شياع السوداني في رفض الانتقام والذي يعد من عادات الجاهلية، وهذا الانضباط الانفعالي حينما يرى قاتل والده بشكل مستمر ولا يفكر بذلك ، لم يأت من فراغ وإنما ايمانه بقيم دينية وإنسانية تحرم وترفض الانتقام، ومن منطلق رجل دولة يدرك بشكل عميق بأن الانتقام لن يولد إلا الانتقام ، وسيفتح بابا واسعا لسفك الدماء، في وقت العراق بحاجة إلى الوحدة وليس إلى الفرقة.
فالسوداني بهذا السمو الأخلاقي يريد أن يقطع العلاقة مع كل ممارسات النظام العراقي السابق، كي لا تتكرر في عراق ما بعد عام ٢٠٠٣م، وأن يحكم العراق وفق مبادىء دولة القانون التي ترفض صيغة الانتقام، الذي لا مكان له في مجتمع ودولة يسعيان للنهوض من جديد.
بهذا الكشف عن هذا الجانب المهم في شخصية السوداني ، ندرك كم كان قرار اختيار السوداني رئيسا لوزراء العراق صائبا. فالعراق بأمس الحاجة لهذا النوع من رجال الدولة في إدارة دولة كبيرة كالعراق المتنوعة دينيا وعرقيا، فهو في رفض الانتقام يضع قاعدة انسانية اخلاقية يطبقها على نفسه ، الأمر الذي يفهم منه أن يمتنع العراقيون عن الانتقام، والالتزام بالقانون كي تنعم الدولة وينعم المجتمع العراقي بالسكينة والاستقرار.
فالعراق مع هذا النموذج من رئيس الوزراء، يمتلك فرصة تاريخية في تحقيق ما يصبو إليه من استقرار اجتماعي وازدهار اقتصادي وتقدم سياسي، ومعه ايضا يتمكن العراق في استعادة مكانته العربية والإقليمية والدولية .
فالعراق يمتلك جملة مقومات وعوامل يمكن ان تجعله من القوى الناهضة والفاعلة والمؤثرة في بيئاته الثلاث ، فيما لو تم استثمارها وتوظيفها بالشكل الصحيح، ومن بين تلك المقومات والعوامل، الثروات الطبيعية -النفطية والغازية- الهائلة، وموقعه الاستراتيجي المتميز، وعلاقاته المتوازنة مع مختلف الاطراف، وتجربته الناجحة في مواجهة الارهاب والانتصار عليه.