و مضى يقول: “نحن نمر بفترة جفاف يزداد عمقه بسبب التغيّر المناخي”، مستطرداً أنه “بالرغم من كل هذه السلبيات، قررنا زيادة كمية المياه التي تطلق من نهر دجلة لمدة شهر بالقدر الممكن، من أجل التخفيف من مشاكل العراق في هذا الصدد”.
ورأى أن التغلب على قضايا المياه العابرة للحدود ممكن فقط عبر “التعاون العملي والعقلاني فقط”.
فيما يلي نص كلمة رئيس جمهورية العراق عبد اللطيف جمال رشيد في مؤتمر الأمم المتحدة للمياه:
“أصحاب الجلالة والفخامة
السيدات والسادة
أتمنى لكم عيد نوروز سعيد
ثُمثل المياه شريان الحياة ورفاهية المجتمع، كما أنها عامل مهم وأساسي في تحقيقِ أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
لقد واجه العراق وبعد خروجه من الحرب أزمة في المياه لم يسبق لها مثيل، حيث ازدادت سوءاً نتيجة التداعيات المُركّبة الناجمة عن التغير المناخي والسياسات المائية التي تتبعها دول الجوار.
وقد أصبحت أزمة المياه الحالية في العراق تؤثرُ بالفعل على حياة وأرزاق المجتمع الزراعي العراقي وعلى عموم السكان، بالإضافة إلى ما تتسبب به من انحسار فرص العمل وارتفاع عمليات الهجرة والنزوح بمعدلات مثيرة للقلق حيث تُشّكلُ أشد الأخطار التي تهدد الأمن الغذائي والتنوع البيئي. ومثلما تقوضُ الأمن الغذائي والصحي، فإنها (تعرض) النظام الزراعي الغذائي والبيئي والاستقرار الاجتماعي إلى مخاطر كبيرة إذا لم يكن هناك تدخل عاجل، لذلك بات من الضروري اتخاذ إجراءاتٍ عاجلةٍ لمواجهة التحديات والتقليل من حدة هذه المخاطر من خلال إيجاد حلول إغاثية مبتكرة ومستدامة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
شهد العراق في القرن المنصرم العديد من موجات الجفاف إلا أنه في السنوات الأخيرة أصبحت فترات الجفاف تضرب البلاد على نحو أكثر تواتراً، وهو مؤشر قوي على الآثار السلبية لتغير المناخ.
لقد نشأت أولى الحضارات السومرية والبابلية والآشورية على ضفاف نهري دجلة والفرات قبل آلاف السنين. ويعتمدُ ملايين العراقيين اليوم إلى حد كبير على مصادر مياه النهرين في كسب قوتهم وعملهم، اللذين يتعرضان لتهديد الآثار السلبية الناجمة عن التغير المناخي والسياسات المائية لدول المنبع.
ومما لا شك فيه أن نهري دجلة والفرات هما عصب الحياة في العراق، وحيث تلعب الأهوار دوراً بالغ الأهمية في الحفاظ على الحضارة الإنسانية كونها جانباً رئيساً في تعزيز ديمومة الحياة في البلاد، وكانت دائماً العامل الأساسي في الحفاظ على التوازن البيئي ليس في العراق وحسب، بل في عموم المنطقة أيضاً.
إن هناك أسباباً أدت إلى تخلّف العراق بعدة عقود عن مواكبة التطور العالمي، منها الآثار السلبية الناجمة عن التغير المناخي والنقص الملموس بمعدلات تدفق المياه من دول المنبع وعدم تطبيق الطرق التكنولوجية الحديثة في إدارة الموارد المائية بالإضافة إلى سياسة اللامبالاة التي أبداها النظام السابق تجاه العلم والهندسة مرتبطة مع (12) سنة من الحصار والعقوبات الاقتصادية والصراعات المتعاقبة. ويُعزى تفاقم أزمة المياه التي يعاني منها العراق اليوم، إلى عدم استغلال الفرص للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والعجز عن تطوير نُظم الري والإخفاق في الارتقاء بواقع القطاع الزراعي في الوقت المناسب.
يتحمل العراق العبء الأكبر من آثار التغيرات المناخية والأحوال الجوية القاسية، بما في ذلك الفيضانات المتكررة والجفاف والعواصف الترابية وارتفاع درجات الحرارة الخارجة عن نطاق سيطرتنا، إضافة إلى انخفاض تدفق مياه نهري دجلة والفرات بسبب قلة نسبة تدفق المياه العابرة للحدود لتكون السبب وراء مواجهة العراق أسوأ أزمة مائية في تاريخه المعاصر.
من المتوقع أن تزدادَ حاجة العراق إلى المياهِ خلال العقد المقبل نتيجة النمو السكاني وتسارع وتيرة التنمية الاقتصادية في البلاد وآثار تغير المناخ، أضف إلى ذلك استمرار تدني الإيرادات المائية لنهري دجلة والفرات وروافدهما.
يُشكل الجفافُ المُتفاقم في بلدنا تحدياً خطيراً لمعيشةِ المواطنين واقتصادِ الدولة، لكنه أيضاً يُلقي بظلال ثقيلة على الحياة والبيئة في المنطقة بشكل عام وحتى على تقلص المساحات الخضراء من العالم.
وأشير هنا بألم إلى أن التصحّر بات يهدد ما يقرب من الأربعين بالمئة من مساحةِ بلدنا بعدما كان واحداً من أكثر مناطق المنطقة خصباً وإنتاجاً.
نحنُ بأمّس الحاجة إلى تعاون أوسع نطاقاً ننتظره من السلطاتِ المائية والسياسية لدول الجوار، وخصوصاً من الإخوة الأتراك. لذلك بات من الضروري تشكيل لجنة دائمة بهذا الشأن تضم خبراء فنيين وقانونيين، وإبرام اتفاقيات إقليمية على مستوى الحوض، ومن المهم أن نضمن أيضا بأن آليات إنفاذ العملية تتم تحت رعاية الأمم المتحدة وبما يضمن تنفيذ الإجراءات التشغيلية في الوقت المحدد وتأمين حصص كافية وعادلة من المياه لجميع الأطراف.
علاوة على ذلك، سيستثمر العراق في البرامج البحثية التي تُركز اهتماماتها على معالجة آثار نُدرة المياه، سيما التي تتعلق بالآثار المترتبة على الجفاف وتغير المناخ وكمية ونوعية تدفق المياه العابرة للحدود، وتأثيرها على المجتمعات الزراعية.
وستُركز السلطات العراقية اهتمامها على إعادة تأهيل وبناء وتشغيل وصيانة محطات ضخ المياه في جميع أنحاء البلاد، كما ستعمل على إعادة تأهيل نُظم الري والصرف الصحي من خلال استخدام تقنيات أنظمة الري الحديثة لتحسين كفاءة استخدام المياه والحد من الآثار السلبية الناجمة عن أزمة المياه.
تكتسبُ جهود إنقاذ الحياة في أهوار العراق أهمية قصوى، بالإضافة إلى تشّييد البنية التحتية وتقديم الخدمات الضرورية، وتهدفُ الحكومة العراقية في مسعاها إلى معالجة أزمة المياه لإنشاء وإعادة تأهيل وتشغيل وصيانة السدود التخزينية والحواجز والخزانات المائية ونُظم توزيع المياه، بما في ذلك المنشآت الهيدروليكية التي تنظم استخدام مياه الأنهر، أضف إلى ذلك، تشّييد سدود جديدة في إقليم كردستان وفي مناطق جنوب وغرب العراق.
وسنقوم بتطبيق تدابير أقوى، بما يضمن حماية البيئة والتنوع البيولوجي والنُظم البيئية ذات الصلة ومنع التصحر من خلال التنسيق مع دول المنطقة للسيطرة على هذه الظاهرة الخطيرة.
إن العوامل المناخية مثل فترات الجفاف والعواصف الترابية وارتفاع درجات الحرارة التي حدثت في الآونة الأخيرة هي خارجة عن إرادتنا، لذلك يستوجب منا أخذ الاحتياطات الضرورية التي من شأنها تقليل الآثار السلبية، إضافة إلى تشييد البنى التحتية اللازمة لجمع وتخزين أكبر كمية ممكنة من مياه الأمطار.
علاوة على ذلك، من الضروري اتخاذ ترتيبات مع دول الجوار من خلال إبرام الاتفاقيات والوفاء بالالتزامات، بما يضمن حصة عادلة وكافية لجميع الأطراف خاصة خلال المواسم الزراعية.
ويقوم العراق بوضع وتنفيذ خطة عمل مُحكمة تتعلق بإدارة المياه (لتوفيرها) والحد من الهدر، بما في ذلك تحسين البنية التحتية واعتماد أنظمة الري الحديثة وعصرنة القطاع الزراعي أيضاً وإيلاء اهتمام جدي بوضع أطر قانونية مناسبة فيما يتعلق بإدارة المياه والحد من الهدر منها.
وأننا ندعو الأمم المتحدة أن تتخذ إجراءات جادة للتخفيف من آثار التغير المناخي وتفعيل التعاون في مجال المياه العابرة للحدود بما يضمن التوزيع العادل للمياه.
شكراً”.