أكد المفكر الاسلامي العراقي غالب الشابندر، أن:”قيادة أحزاب الاسلام السياسي في العراق لم تكن بالمستوى الذي يطمح اليه الآخرون، وحسب استقرائي ان الناس كانوا يتمنوا من اعماق اعماقهم ان ياتي الاسلاميون ليحكموا، كانت هذه امنية كبيرة، لكن هذه الامنية انتكست انتكاس كبير بسبب الفشل الكبير الذي رافق تجربة حكم الاسلام السياسي، لكن هذا الفشل مسؤولية الطبقة الحاكمة كلها، ولكن احزاب الاسلام السياسي ويتحملون القسط الاكبر لانهم جاءوا باسم كبير، المكون الشيعي، وعلى اساس وعود كبيرة كانت مطروحة، واعتقد انهم يتحملون المسؤولية الاكبر فيما وصل اليه العراق وهذا اساء الى المذهب(الشيعي) مئة بالمئة”.
وقال المفكر والكاتب غالب الشابندر ان:” العراق لن يتحول الى دولة اسلامية..وأن وجود الاحزاب الاسلامية في الحكم بالعراق عبث لا طائل منه”. وتسائل:”ماذا تريد الاحزاب الاسلامية ان تقدم؟ اذا يقولون نريد ان نقدم الخدمات للشعب فكل الاحزاب تستطيع ان تقدم الخدمات، لذلك وجود هذه الاحزاب غير مبرر شرعيا واسلاميا ومجيئهم كان من اجل السلطة واستلام الحكم”.
وأضاف الشابندر قائلا:” في الشرق الاوسط الافكار متداخلة بشكل جدلي مع الاشخاص، فاذا كان الاشخاص الذين يحملون الافكار قد فشلوا او اصيبوا بفشل كبير فهذا ينعكس على الافكار.. قياس الناس هكذا وهذا عكس المنطق الذي يقول ان الفكرة هي المقياس، صحيحة او غير صحيحة، نافعة او غير نافعة، مطابقة للواقع او غير مطابقة ، لكن بالنسبة لتفكير لمجتمعنا الشرقي غالبا ما تقيد العقائد بسلوك حامليها. . لذلك فشلت نظرية االقدوة الان لانها انعكست على نفس المذهب وعلى نفس الافكار وعلى نفس المضمون وهو منهج خاطئ ولكن هذه طبيعة المجتمع، ولذلك هم، قادة احزاب الاسلام السياسي، يتحملون وزرا كبيرا”.
ونفى المفكر غالب الشابندر:” ان تكون المعارضة العراقية التي كانت في الخارج مهيأة لان تحكم البلد”. وقال:”خذ مثلا المعارضة العراقية التي كانت في لندن، فخلال الـ 40 سنة التي قضتها(المعارضة) هناك لم تستطع خلق كوادر مهمة في هذا الفضاء المفتوح، ولم يستثمروا وجودهم هناك ليتعلموا لانهم يفتقدون للعمق الفكري وانشغلوا بقضايا الحسينيات والعزاءات والمظاهرات، وشكلوا تجمعات ذات بعد ديني طقوسي وليس ذات بعد تنويري على الاطلاق وتحولوا الى ظاهرة صوتية واستهلكوا سنواتهم بامور ثانوية وليس بامور جوهرية ولم يعملوا على خلق شخصيات قيادية تفهم في السياسة الخارجية والمحافل الدولية والاقتصاد في ظل الظروف التي اتيحت لهم والتي لم تتح في اي وقت سابق، وفي لحقيقة فشلوا فشلا ذريعا سواء عندما كانوا في المهجر وكذلك عندما عادوا الى الوطن”. مشيرا الى ان:”الافكار التي طرحوها في المهجر هي تكرار لما طرح قبل 50 سنة، وهذه هي احدى مظاهر الخلل واحدى ادلة الفشل، فعندما ينتقلون من مجتمع النجف او قم الى اوربا ويبقون على نفس الماضي ويجترون ذات الافكار فهذا يعني انهم لم يستوعبوا المكان الذي هم فيه وليس هناك اي تقدم”.
ونبه الشابندر الى ان: “الصراع الموجود داخل العراق هو ليس صراع افكار ومناهج، حتى بين القوى السياسية الاسلامية، بل هو صراع اشخاص وصراع عوائل احيانا، ولذلك هناك انتكاسة واضحة في الخط السياسي الاسلامي”. معتبرا:” اعترافات بعض قادة احزاب الاسلام السياسي بفشلهم بقيادة البلد، بانها:” لم تكن اعترافات حقيقية بل تصريحات اعلامية سريعة، فالاعترافات الحقيقية تكون عن طريق المراجعة ونقاش وحوار، اما ان يظهر هذا او ذاك على شاشات التلفزيون ويقول نحن فشلنا، فهذا لا يكفي في الحقيقة، وهذا لا يبيح لهم ان ينقلبوا على انفسهم ابدا، الاعتراف الحقيقي هو الذي يسطر بكتب ونظريات، هذا اعتراف خجول وغير صادق”.
وقال: “لقد حاولنا جهد الامكان اصلاح ما يمكن اصلاحه، طرحنا خطاب من الحرية الى الايدولوجية، وليس العكس، وخطاب العودة الى الشارع وعدم تكريس الحزب والعمل السياسي الى الوصول للحكم، ومفهوم التآلف مع الاخرين، والافكار والاهداف المشتركة، واكدنا على مفهوم الحاجات المادية قبل الروحية، ولم ينفع ذلك لان تفكيرهم محدود بكتبهم الكلاسيكية، لا احد منهم قرأ شكسبير او لم يفهموا الماركسية بشكل جيد ولم يعرف احدهم المسرح، كانوا غريبين على هذه الاجواء لذلك من الصعب ان تطرح اية افكار جديدة في وسطهم الديني”.
ولفت الشابندر الى انه: “لا يمكن الفصل بين الدين والسياسة، هذه مسالة عالمية حتى في اوربا لم يفصلوا بين الدين والسياسة، لكننا طرحنا مفهوم الاسلام العملي ويعني ان نعمل في المجتمع لانعاش الروح المعنوية وان تتحول الحركة الاسلامية الى حركة خدمية داخل المجتمع ثم بعد ذلك تصبح حركة ايدولوجية، لكنهم (قادة احزاب الاسلام السياسي) يركزون اولا على الايدولوجية، انا كمسلم ومتأثر بالماركسية اقول ان الجانب العملي بالدين اهم من الجانب النظري، ومتى ما عملنا وقدمنا خدمات لهذا الشعب يكون اكثر نفعا للاسلام وللناس، لكنهم ما زالوا اسيرين للافكار المجردة وسيبقون اسيرين لهذه الافكار”.
وفيما اذا كان مع مجيء طبقة علمانية غير اسلامية تحكم البلد، قال:” ستفاجأ اذا قلت لك ان الانظمة الاسلامية التي تحكم في الشرق الاوسط مساجدها خالية من المصلين، لكن الانظمة التي تتمتع بشيء من الليبرالية ولا تحكم باسم الاسلام تجد مساجدها مزدحمة بالمصلين، وهذا دليل من ادلة فشل احزاب الاسلام السياسي. اما فيما يتعلق بمجيء علمانيين او غيرهم للحكم فانا اعتقد بان الحكم هو من حق الشعب وهو من يفرز الطبقة الحاكمة سواء جاءت علمانية او اسلامية، فهذا من حق الشعب، وتبقى مسؤولية الشارع وهو الذي يتحمل وزر وصول هؤلاء الى سدة السلطة”. مؤكدا على ان:”العراق هو اكثر بلد يلعب فيه الدولار السياسي دورا مؤثرا اكثر من اي مكان آخر”، كاشفا عن أن:”وهناك ثلاثة امور مؤثرة في العراق، الايدولوجية الطقوسية والدولار ودول الجوار، وهذا هو البلاء العقائدي، وهم يدينون بالولاء لولاية الفقيه وهي لا تتلائم مع الاتجاه الوطني اطلاقا فمثلما كانت الانظمة الاشتراكية تطبق ما يقال في الاتحاد السوفياتي سابقا، وكان يقال اذا مطرت في موسكو فالشيوعيون يرفعون المظلات في بلدانهم ، واليوم نقول ان احزاب الاسلام السياسي تطبق ما يقال في طهران”.
وشخص المفكر العراقي غالب الشابندر بان:”احدى امراض الايدولوجية الاسلامية وغير الاسلامية، وهي الخوف من الفكر الآخر، فهنا في معرض اربيل للكتاب، مثلا، لا يتقرب الاسلاميون من المنشورات الليبرالية بل يتجهون الى الكتب الاسلامية، ويخشون قراءة الكتب التي تتحدث عن المدنية او الديمقراطية، كما ان الماركسيين لا يقرأون الكتب الرأسمالية، وبدلا من ان تكون الايدولوجية عامل محفز للتحرر والبحث اصبحت عاملا من عوامل القمع داخل الذات وهذا يحتاج الى شخصية قوية..في مكتبتي هناك 80% كتب لمؤلفين غربيين وماركسيين ووجوديين، انا واثق من نفسي ولا اخشى من الافكار الاخرى، الشخصية الدينية او اي شخصية آيدولوجية تكاد ان تكون شخصية منغلقة”.