“حرق الفلسطينيين حلال”! .. ما هي الجماعات الاستيطانية الإرهابية بالضفة الغربية؟ مقاله غاية في الأهمية يتناولها الكاتب الفلسطيني المختص في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي
سلَّط الهجوم الوحشي الذي شنه المستوطنون اليهود، هذا الأسبوع، على بلدة حوارة، جنوبي نابلس، والفظائع التي ارتكبوها، والتي شملت إحراق عشرات المنازل والسيارات، الأضواءَ على الجماعات اليهودية المسلحة التي تستهدف الفلسطينيين في الضفة الغربية. ويستدعي هذا التطور غير المسبوق الإحاطة بالانتماءات التنظيمية لهذه الجماعات، ومنطلقاتها العقائدية، وتوجهاتها “الفقهية”، ومرجعياتها الروحية، وقياداتها السياسية، ورقعة فعلها الجغرافية، وميكانيزمات عملها.
فتية التلال” أكثر الجماعات الاستيطانية عنفاً وتطرفاً
يعد تشكيل “فتية التلال” أكثر الجماعات الاستيطانية حضوراً في مجال ممارسة الإرهاب والعنف ضد الفلسطينيين. وقد تشكل هذا التنظيم عام 1998، رداً على اتفاق “واي ريفر” أو “واي بلانتيشن”، الذي تم التوصل إليه بين حكومة بنيامين نتنياهو الأولى والسلطة الفلسطينية، حيث أخذ التشكيل على عاتقه مهمة السيطرة على الأراضي الفلسطينية الخاصة في أرجاء الضفة الغربية، وتدشين بؤر استيطانية عليها بدون إذن حكومة وجيش الاحتلال، بهدف تكريس حقائق على الأرض تجعل من المستحيل التوصل لتسوية “سلمية” للصراع.
الجماعات الاستيطانية الإرهابية جماعة “فتية التلال” اليهودية
وقد كان من بين المبادرين إلى إطلاق هذا التشكيل بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل حالياً منصب وزير المالية والاستيطان في الحكومة الحالية، ويقود حركة “الصهيونية الدينية”، حيث كان عمره في ذلك الوقت “17 عاماً”.
ورغم أن هذا التنظيم ضم في البداية فتيةً لا تتجاوز أعمارهم 17 عاماً، فإنه سرعان ما بات يضم فئات عمرية أكبر تصل إلى 25 عاماً، حيث إن “فتية التلال” بعد تسريحهم من الجيش في سن 21 عاماً يعودون إلى أنماط أنشطتهم في التنظيم، وإن كانت منظمات حقوقية إسرائيلية قد وثقت بالصور مواصلة بعض العناصر أنشطتهم في هذا التشكيل، أثناء تأديتهم الخدمة العسكرية.
وقد عمل التشكيل بدعم وتأييد من رؤساء مجالس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، ووزراء في الحكومات المتعاقبة التي شكلها حزب الليكود.
وقد رأى قادة هذا التشكيل أن السيطرة على الأراضي الفلسطينية الخاصة تتطلب اعتماد العديد من الأدوات الهادفة إلى تقليص قدرة أصحاب الأرض على البقاء فوقها، وعدم تمكينهم من زراعتها، من خلال شنّ اعتداءات وحشية ضدهم، تشمل أيضاً اجتثاث أشجار الزيتون، ونهب المحاصيل الزراعية، وتسميم الآبار الارتوازية. كما وثقت منظمات حقوق الإنسان، وبعضها إسرائيلية، إقدام جيش الاحتلال على تأمين وحراسة عناصر “فتية التلال” أثناء تنفيذ اعتداءاتهم.
جماعة “فتية التلال” اليهودية
وعمد تشكيل “فتية التلال” بالتعاون مع مجالس المستوطنات إلى إطلاق قطعان من الخنازير البرية في الريف الفلسطيني، سيما في منطقة وسط وشمال الضفة الغربية، لتعيث فساداً في هذه المناطق، من منطلق الافتراض أن موقف الإسلام السلبي من الخنازير سيدفع المزارعين إلى تجنب الاحتكاك بها.
وخلال العقد الأخير اتّجه هذا التشكيل إلى استغلال عمليات المقاومة التي تفضي إلى مقتل أو إصابة مستوطنين في تبرير شن هجمات انتقامية ضد القرى والبلدات الفلسطينية، وتدشين بؤر استيطانية جديدة، تحديداً في المكان الذي تقع فيه العمليات بهدف تحقيق هدف التشكيل الرئيسي المتمثل في إسدال الستار على أية فرص للتوصل لتسوية سياسية للصراع.
الجماعات الاستيطانية الإرهابية المنبثقة عن “فتية التلال”
وقد انبثق عن “فتية تلال” تنظيم سري أكثر وحشية، وهو تنظيم “شارة ثمن” الإرهابي، الذي شنّ مئات العمليات الإرهابية، وشملت القتل، ومداهمة القرى والبلدات الفلسطينية، والاعتداء على المنازل، وإتلاف الممتلكات، فضلاً عن تعمّد إحراق المساجد والكنائس في الضفة الغربية وفلسطين الداخل. وإن كان تنظيم “فتية التلال” يعمل علناً ولا يخفي هوية أعضائه، فإن “شارة ثمن” يمتاز بالعمل السري والعمل بشكل أساسي في الليل، مع أخذ احتياطات أمنية تهدف إلى عدم الكشف عن آثار منفذي العمليات.
الجماعات الاستيطانية الإرهابية
تنظيم “شارة ثمن” الإرهابية يكتبون شعار “العربي الجيد هو العربي الميت”
ولعل أفظع الجرائم التي ارتكبها “شارة ثمن” كانت إحراق عائلة دوابشة في قرية “دوما”، قضاء نابلس، أواخر يوليو 2015، التي نفّذها الإرهابي عميرام بن أويل، ورجم المواطنة الفلسطينية عائشة الرابي (45 عاماً) في مايو 2020 حتى الموت، بينما كانت خلف مقود سيارتها، عندما كانت تمر في حاجز “زعترة”، شرق بلدة “سلفيت”، شمال غرب الضفة الغربية.
وقد أحرق أعضاء التنظيم كنيسة “السمك والخبز” في الجيل، حيث تبين أن منفذ عملية الحرق هو يونان روفيني، الذي اعترف بأنه تم توجيهه من قبل مئير إيتنغر، حفيد الحاخام مئير كهانا، مؤسسة حركة “كاخ” الإرهابية، التي كان من أعضائها البارزين وزير الأمن القومي الحالي إيتمار بن غفير.
ورغم أنه الصعب بمكان تحديد أعداد الذين ينضوون تحت لواء “فتية التلال”، حيث لم يسبق أن قدمت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تقديرات رسمية حول ذلك، فإن هذا التشكيل يتمكن من تجنيد المئات من العناصر في تنفيذ فعالياته العدوانية والإرهابية، كما حدث في حوارة.
ومن الناحية “الفقهية” فإن عناصر “شارة ثمن” و”فتية التلال” ينتمون إلى التيار الديني “الحردلي”، وهذا التيار يجمع بين التشدد الفقهي للتيار الحريدي والتطرف القومي. مع العلم أن جماعات الهيكل التي تطالب بتدشين الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى تنتمي إلى نفس التيار. وإن كانت جماعات الهيكل لا تلعب دوراً في أنشطة “فتية التلال”، و”شارة ثمن”، إلا أن القاسم المشترك بين هذه التشكيلات هو الإيمان بعقيدة “الخلاص” التي تقوم على ترجل المخلص المنتظر في آخر الزمان، وقيادة اليهود إلى ريادة العالم، بعد اندلاع حرب “يأجوج ومأجوج”، التي يمكن أن يكون تدشين الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى مقدمة أو نتيجة لهذه الحرب.
ولعل من أهم العوامل التي لعبت دوراً مركزياً في ظهور هذه التشكيلات وجود مرجعيات دينية لا تدعم فقط أنشطتها وتحث عليها، بل إنها شرعت في عملية “تأصيل فقهي” واسعة، لتسويغ هذه الجرائم وإسباغ مسوغات دينية عليها.
ولعل أهم المرجعيات التي لعبت دوراً في عملية التأصيل الفقهي هذه هو الحاخام إسحاق جزنبرغ، الذي يقطن مستوطنة “يتسهار”، التي تقع في محيط نابلس. فقد عد جزنبرغ إحراق عائلة دوابشة “فريضة شرعية”، كما ألف المصنف الفقهي “تبارك الرجل”، الذي أحصى فيه المسوغات الفقهية التي تجعل باروخ غولدشتاين، منفذ مجزرة المسجد الإبراهيمي في 1994، من “الصديقين”. وقد منحت كل من وزارة التعليم وجامعة “بارإيلان” الحاخام جزنبرغ، في عام 2019، جائزة “الإبداع الفقهي”.
ولعب طلاب جزنبرغ أيضاً دوراً في حركة “التأصيل الفقهي”، التي ساعدت على تعاظم هذه التنظيمات، حيث أصدر الحاخامان إسحاق شابير ويوسيف إليتسور في 2010 المصنف الفقهي “شريعة الملك”، الذي رصدا فيه المسوغات الفقهية التي تجيز قتل الأطفال العرب.
وقد علق الباحث الصهيوني ئير شاغ، الإثنين الماضي، على الفظائع التي ارتكبها تنظيم “فتية التلال” في بلدة حوارة، على حسابه على تويتر، مشيراً إلى أن هذه الأحداث ومجمل ما يحدث في إسرائيل يدلل على “انتصار رؤية الحاخام جزنبرغ”.
“العرب لصوص تجوز سرقتهم”
وتعد فتاوى الحاخام شموئيل إلياهو، حاخام مستوطنة “صفد”، أحد المرتكزات التي تستند عليها هذه التنظيمات في تنفيذ جرائمها، حيث أجاز عمليات النهب والسرقة التي ينفذها أعضاء “فتية التلال”، من منطلق أن “العرب لصوص تجوز سرقتهم”. وأرسل إلياهو إلى قتلة عائشة الرابي بعد اعتقالهم رسالة جاء فيها: “صنيعكم هذا سيضمن أن تصلوا إلى قيادة إسرائيل”.
الجماعات الاستيطانية – الحاخام شموئيل إلياهو
وفيما يتعلق بالبعد الجغرافي لعمل هذه التنظيمات، فإنها تعمل في جميع مناطق الضفة الغربية، لكنها تنشط بشكل خاص في المستوطنات التي تتواجد فيها المرجعيات الدينية المحرضة لها، فعلى سبيل المثال أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن معظم أعضاء “فتية التلال” الذين هاجموا حوارة قدموا من مستوطنة “يتسهار”، التي يقطنها الحاخام جزنبرغ.
ورغم أنه لا يوجد قيادة سياسية تتحدث رسمياً باسم “فتية التلال”، فإن هناك إجماعاً في إسرائيل على أن سموتريتش مازال السياسي الأكثر تأثيراً على هذا التنظيم. ولعل هذا ما يفسر ما قاله زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، بعيد الاعتداء على حوارة، حيث أكد أن “العصابات التي يقودها سموتريتش هي التي تتولى إحراق حوارة”.
وقد عبّر سموتريتش عن تعاطفه مع منفذي الفظائع في “حوارة”، حيث سجل إعجابه بتغريدة كتبها أحد قادة المستوطنين في الضفة، دعا فيها إلى “محو حوارة”. ورغم أن سموتريتش أزال إعجابه بالتغريدة، تحت ضغط نتنياهو، فإنه عاد ليبرر خطوته، حيث قال إنه يفضل أن تقوم “دولة إسرائيل بمحو” البلدة.
لكن لا خلاف على أن نتائج الانتخابات الأخيرة وصعود الحكومة الحالية التي تعتمد على دعم قوى اليمين الديني المتطرف، التي تطالب بحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، على كل الصعد، يعد أهم تحول سياسي أسهم وسيُسهم في توفير الظروف التي تضمن إضفاء شرعية على الجرائم التي ترتكبها هذه التشكيلات، حيث بات مؤسسوها جزءاً من دائرة صنع القرار في إسرائيل.
الكاتب : صالح النعامي – باحث فلسطيني متخصص في الشأن الإسرائيلي