هل كان العراق نهاية آب الماضي، يوم المواجهات الدامية في المنطقة الخضراء، على حافة حرب أهلية؟
نعم كنا على حافة حرب أهلية، ولكن الحكومة عملت بكل حكمة وتدبير كي لا ننجر لذلك. كان رهان الطرفين على أن الحكومة تكون مع طرف، ولكني أخذت القرار أن لا أكون طرفا. خلال 24 ساعة من الصراع المحتدم، قد وظفت جميع امكانياتي وعملت جميع التواصلات الممكنة واعطيت توجيهات واضحة وصريحة وحازمة للقوات الأمنية لإبعاد شبح الحرب الأهلية، ونجحت بذلك. وهذا قراري من أول يوم من عمل حكومتي هو أن لا أكون طرفا في أي صراع، وأن احافظ على الاعتدال والتوازن. أعتقد بإيمان راسخ أنه يجب علينا أن نبتعد من الانجرار للعنف. لقد جرب العراق مسار العنف لعقود طويلة من مختلف أنواعه من العنف العنصري والعنف الطائفي والعنف الديني، كل أنواع العنف مرفوض ولا ينتج سوى الخراب والدمار للبلد، ولهذا عملت حكومتي بكل قوة على إيجاد مسار مختلف يعتمد الحوار والتفاهم على أساس القيم والممارسة الديمقراطية. نحتاج في العراق الى ترسيخ قيم ديمقراطية، وليس الاكتفاء بعمل بعض آليات العملية الديمقراطية فقط.
ما كان هدف المتظاهرين في يوم 29 آب الماضي؟
كان هناك، في ذلك اليوم، فوضى لدى جميع الأطراف المتورطة. كان لدى الطرفين قرارات مبنية على معطيات خاطئة جرتهم الى ساحة المواجهة. حاولت كل الأطراف أن تستعرض عضلاتها، وحاولت بعض الأطراف أن تعبر عن غضبها، ولكنها أخطئت في اختيار طريقة للتعبير عنها. البدايات كانت عفوية، وقد نحجنا في إخراج المتظاهرين من القصر الحكومي بشكل سلمي، وكان المتظاهرون مصممين على الخروج من البرلمان ايضا، ولكن تطوّرت الأمور بين الطرفين فجأة وانتهى الأمر بينهما الى مواجهة مسلحة خطيرة. ولهذا أؤكد دائما على ضرورة ترسيخ قيم الديمقراطية والالتزام بآليات الدولة المدنية الحديثة واستخدام ديبلوماسية الحوار والتفاهم وفق منطق الدولة المدنية الحديثة.
ما كان هدف الصدريين؟ هل كان هدفهم انقلاب او عزل قيادات؟
لم تكن الخطة هكذا على الاطلاق. نشرت الكثير من الأوهام والتهويل في مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت بعض صفحاتها مصدر رئيسي لإنتاج الأخبار المزورة في العراق. وهناك العديد من الأنباء التي تنشر في هذه الصفحات تتهم بها رئيس الوزراء وفريقه وحتى عائلته باتهامات ما انزل الله بها من سلطان، والكثير منها تدعو الى العنف وتتضمن التهديد بالقتل والاغتيال، ولكني دأبت على نفسي التعالي من هذه الأمور، وأن أخدم بلدي بإخلاص وتفاني.
لم تكن هناك نية انقلاب او ما شابه ذلك ابدا. كان هناك غضب شعبي تم التعبير عنه احيانا بطرق غير سليمة، وقد صاحب ذلك أيضا استخدام غير مقبول للسلاح والعنف، وفي النهاية اخطأ كلا الطرفان التقدير وتورطوا بإراقة الدماء. وقد ساهم في ذلك أيضا تصريحات عدد من القادة السياسيين مما خلق تصعيدا خطيرا ساهم في اشعال فتيل العنف بين الطرفين. هناك بالحقيقة حرب نفسية قوية تجري بين الطرفين، يجب أن يكون القادة السياسيين على حذر منه.
هل يريد الصدريون حقيقة انتخابات مبكرة؟
لم تتعامل جميع الأطراف السياسية بحكمة وعقلانية، والسبب هو عدم الرضوخ للقانون. لدينا دستور وقوانين وتوقيتات دستورية واضحة جدا، ولكن لم يتم الالتزام بها للأسف. والسبب هو أن القوى السياسية لا تؤمن بالقيم الديمقراطية الحقيقة، بل يؤمنون بالقوة والسلطة فقط. قيم الديمقراطية جديدة على البلد، وبالتالي هذه القيم غريبة على الطبقة السياسية وبعيدة عن سلوكهم.
ماذا تقول لجميع الأطراف السياسية؟
أهم مبدأ في القيم الدمقراطية هو الحوار والتفاهم السياسي، وأنا دائما أردد الكلام والتذكير لجميع الأطراف بأن الف سنة من الحوار أفضل من لحظة من الحرب، وأدعوهم الى الحوار ثم الحوار وثم الحوار. لقد خسرنا الكثير خلال عقود من الحروب والصراعات وخسرنا أرواحا كثيرة، وضاع على البلد فرص كبيرة لمواكبة العصر. ألم يحن الوقت لوضع نهاية لذلك وفتح سلوك سياسي جديد يعتمد القانون والقيم الديمقراطية الحقيقية؟ نعم، علينا وضع حد نهائي لممارسات الماضي، والطلاق الأبدي مع التاريخ الطويل العنف والاستبداد.
حين بادرت بالحوار الوطني، هل كنت تعتقد بأن الصدر سيلتحق به؟ وهل ما زلت مؤمنا بالحوار؟
نعم، ايماني بالحوار يجعلني أضع الأمل بالتحاق الصدر، وأن الحوار سينتج في نهاية المطاف. على الصدر أن يلتحق بالحوار، لأن الحل في نهاية المطاف هو في الحوار. في العراق كما في مناطق اخرى من العالم، لا يمكن لأي أزمة سياسية أن تُحل سوى عبر الحوار البناء بين النخب السياسية، وهي مسؤولة أمام الشعب لإبعاد شبح العنف والحرب والصراعات المدمرة، ووضع المصالح الوطنية العليا أساسا لأي تحرك وسلوك سياسي.
لقد تحولت الكثير من الخلافات السياسية الى صراع شخصي بين هذا وذاك، لدرجة باتت العديد من هذه الخلافات الشخصية احدى محركات المشهد السياسي في البلد. ولهذا قلت بأن الايمان بالقيم الديمقراطية غائب لدى الطبقة السياسية للأسف، وهذا يعم أغلب الأحزاب والجماعات السياسية بمختلف صنوفها.
ما كان دورك خلال 24 ساعة من المواجهة في المنطقة الخضراء؟ وكيف قمت بإدارة الأزمة؟
كنت وقد أكدت توجيهاتي السابقة لجميع القوى الأمنية التابعة للدولة بعدم استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين اطلاقا وفي أي ظرف كان، وعدم تكرار تصرفات الحكومات السابقة بالتعاطي القسري مع الشعب. وقد وضعت خطة متكاملة لمنع انتشار دائرة الصراع لمناطق أوسع، والذي ان حدث كان بإمكانه ان يتحول الى حرب أهلية كانتشار النار في الهشيم.
وجهت القوى الأمنية بعدم الانخراط في الصراع، واحاطة المنطقة بشكل كامل ليس فقط لمنع انتشار الصراع، بل وكذلك لمنع وصول امدادات للأطراف المتورطة. وقمت باتصالات متعددة مع جميع الأطراف المؤثرة والفاعلة لإيقاف الاقتتال، ونجحنا في النهاية بإيقاف الصراع الدموي وانسحاب الطرفين. لم أغمض عيني خلال 24 ساعة كاملة، حيث عملت باستمرار واستخدمت كل امكانياتي وعلاقاتي مع الجميع لإيقاف التصادم.
أنا أمشي وأعمل في وسط حقل من الألغام، وعليّ أن أفكك هذه الألغام وأبطل مفعولها. وهذا ما دأبت عليه خلال العامين من رئاستي لهذه الحكومة، وما زلت أمضي في حقل الألغام.
هناك اتهامات بأنك سمحت للصدريين بالدخول الى المنطقة الخضراء، هل هذه الادعاءات صحيحة؟
لم أسمح لهم، بل وقفت القوات الأمنية بتوجيه مني بكل قوة أمامهم وقد قدمت قواتنا العديد من الجرحى لمنعهم من الدخول واقتحام مؤسسات الدولة. ولكن كان زخم المتظاهرين كبير ولم تستطع القوات الأمنية من ايقافهم، وكنت قد وجهت لهم بعدم استخدام الرصاص الحي في كل الأحوال منعا من الانجرار الى العنف. ولكن بعض القوى ما زالت تؤمن باستخدام الأساليب الديكتاتورية للعنف والقمع، ويريدون مني إطلاق الرصاص الحيّ على المواطنين، وهذا أمر مرفوض وتعارض تماما مع إيماني بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعالم المتحضر.
ماذا أوقف الصدر وجعله يتراجع بعد المواجهة الدامية في المنطقة الخضراء؟
ضغوط مختلف الجهات ساهمت في الأمر. مشاهد إراقة الدماء والضحايا أيضا والتداعيات المحتملة لذلك على المشهد العراقي المتأزم من الأساس أيضا أدى بالصدر الى قرار الانسحاب، وقد حمّل الصدر نفسه جميع الأطراف بما فيه جماعته مسؤولية الأحداث.
هل أخطأ مقتدى الصدر التقدير بأن يدخل المواجهة في داخل المنطقة الخضراء وهو لا يملك مقرات وامكانيات كافية فيها؟
حصل ما حصل.. كل الأطراف فهم خطأه وعرف الجميع أن الذهاب للصدام كان خطأ كبيرا، وأتمنى أنهم تعلموا الدرس وسوف لا يكرروا ذلك ثانية.
هل هناك مخاوف من إشعال مظاهرة ومواجهات جديدة؟
لدينا مشروع حوار وطني نعمل عليه بكل جد وبمشاركة جميع القوى السياسية. نعمل على تفعيل أدوات الحوار بكل إمكانياتنا وبهدوء تام وبعيد عن منطق الاستفزاز وكسر الإرادات. البيئة السياسية العراقية متأزمة ومتأثرة بمنظمة معقدة من شبكات الفساد والمصالح الخاصة المبنية على المحسوبيات الشخصية والحزبية، وعلى الجميع ضبط التصريحات الإعلامية، ومنع أي حالة استفزاز. الحوار ما زال مستمرا وقد حصلنا على نتائج إيجابية خلال جلستين الماضيتين، وعلينا المضي به بقوة للوصول الى النتائج المرجوة.
هل الانتخابات المبكرة ضرورية للخروج من الأزمة الحالية؟
الجميع متفقون على الانتخابات المبكرة. الانتخابات الأخيرة رغم نزاهتها العالية المشهود عليه من مجلس الأمن والأمم المتحدة والاتحاد الاوربي والمنظمات الدولية الأخرى التي شاركت بمراقبتها، لم تؤد الى تشكيل حكومة بسبب فشل القوى السياسية من الاتفاق، والتكالب على السلطة على حساب المواطن وحركة بناء البلد. وعليه، كما هو في جميع الأنظمة البرلمانية الأخرى، يجب أن تكون انتخابات أخرى لحل الأزمة السياسية، وعلى جميع الأطراف السياسية أن تجتمع الآن وتضع آليات إجراء الانتخابات، مع توفير كافة المتطلبات القانونية والإدارية والمالية لإجراء الانتخابات. مضافا الى هذا كله، البلد بحاجة ماسة الى الاتفاق على عقد اجتماعي جديد، وترسيخ ثقافة القيم الديمقراطية من احترام الدستور وتوقيتاته ونتائج الانتخابات والتعامل معها بعقلانية بعيدا عن الازدواجية في النظر اليها، حيث يقبلون بنتائجها حين تؤدي الى فوز ويرفضون ذلك حين تؤدي الى خسارة لهم.
إذا حصلت مواجهة ثانية في المنطقة الخضراء من سيفوز؟
الكل سيخسرون. أي حرب ومواجهة داخل المجتمع الواحد لا يمكن له أن ينتج فائز وخاسر، بل الكل سيكون خاسرا.
خلال 19 عاما هناك أزمات مستمرة في النظام السياسي. هل هذا يظهر أن النظام الذي وضعه الامريكان في العراق قد حانت نهايته؟
تأسيس هذا النظام بالتأكيد تضمن بعض الأخطاء، ويجب إعادة تقييمه من جديد. هناك حركة بالتاريخ والمجتمع والسياسة تفرض معطياتها على المشهد، ويجب التفاعل معها. في المقابل، علينا أن نحافظ على النظام ونحميه ونقوّمه بالإصلاحات المطلوبة في الجانب الدستوري وتشريعات أخرى. يجب أن نعزز النظام بإصلاحات تتوافق مع حاجيات المجتمع الجديدة وفق المتغيرات العالمية والإنسانية. نحتاج أن نعيد بناء المؤسسات وإعادة بناء الجيش والقضاء والنظام التعليمي والنظام الصحي برمته. أي نظام سياسي لا يمكنه النجاح دون وجود ناظم فاعل وقوي لهذه المؤسسات الأربعة. نحن بدأنا ببرامج ومشاريع لإعادة بناء الجيش وفق أسس وطنية عراقية وعقيدة عسكرية وطنية بعيدا عن الانتماءات المذهبية والطائفية والعنصرية بكل أنواعها. لم يتم الاهتمام بالجيش العراقي منذ عام 2003 ولغاية تسلمي الحكومة. الآن هناك اهتمام كبير بالجيش، وقد كثفنا تواصلاتنا مع جميع أصدقائنا الأوربيين وخاصة الفرنسيين للاستفادة من تجاربهم في بناء الجيش. ولكن كل هذا يواجه معارضة وممانعة قوية من قبل أحزاب وجماعات لا ترى هذا المسار لصالح توجهاتها الفئوية والشخصية. كذلك عملنا على تحديث المستشفيات والمنظومة الصحية، ومضينا بمشروع بناء الف مدرسة كمرحلة أولى على أن يتضاعف خلال الأعوام المقبلة. ودعمنا الجامعات والكليات الحكومية والأهلية بقوة. ونعتقد أن على هذا المسار أن يستمر ويدعم، جنبا الى جنب، عملية تحديث مؤسسة القضاء وإصلاح الدستور في المواد التي تتطلب التعديل وفق مقتضيات العصر.
الصدر يقول إنه فاز بالانتخابات وان من حقه أن يشكل الحكومة، هل هو محق؟
الصدر قد حصل على أكثر المقاعد في الانتخابات الأخيرة، وطبعا يجب أن تتاح له الفرصة في تشكيل الحكومة، ولكن في نفس الوقت على الصدر البحث عن شركاء آخرين ليتمكن من تشكيل الحكومة. وقد أخطأ الصدر أيضا في قراره بالانسحاب من البرلمان ما أتاح الفرصة لمنافسيه أن يملؤوا فراغه ويتحولوا الى أكبر كتلة في البرلمان. جميع القوى السياسية العراقية ما زالت فتية على القيم الديمقراطية ولا تجيد لعبة السياسة الديمقراطية الحديثة.
هل يمكن للبلد أن يستمر بهذا الوضع؟
بالتأكيد لا .. لا يمكن أن يمضي البلد الى الأمام بهذا الوضع. نحتاج قرارات سريعة لتطوير النظام ومؤسساته، وبث روح ودماء جديدة فيها وإعطاء الامل للشعب.
الكثيرون من الطبقة السياسية لا يؤمنون بالقيم الديمقراطية والممارسة المدنية للدولة الحديثة، بل يؤمنون بالمال والسلطة فقط. على الجميع أن يستوعب الوضع الجديد وينفتح للتعاون والعمل المشترك مع سائر الشركاء لانقاذ البلد من أزمته والمضي به نحو التقدم.
نحتاج الى إعادة بناء البلد على أساس مهني وبعيدا عن الفساد، والتسلط، والممارسات غير المدنية.
أجريتم خمس جولات من الحوار بين ايران والسعودية. هل أنت متفائل بنجاح المفاوضات بين البلدين؟
نعمل على لقاء رفيع المستوى بين البلدين في بغداد، والطرفان مستعدان للقدوم للمضي بمراحل متقدمة من المفاوضات. نعمل على تحضير الأرضية والأجواء في العراق لاستضافة الجولة القادمة.
خلقت الجولات الماضية عناصر ثقة مهمة بين الطرفين، وتجاوزا مراحل وخطوات كبيرة، واكتشفوا أن هناك مشتركات كثيرة تجمعهما، وعليهما البناء على هذه المشتركات والتفاوض بخصوص الأمور الخلافية. ونأمل أن يصلوا الى الاتفاق النهائي ويتم الإعلان عن اعادة العلاقات رسميا في القادم القريب.
ما هي تداعيات عدم نجاح المفاوضات النووية الايرانية على العراق؟
نشجع جميع الاطراف على الاستمرار بالحوار للوصول الى اتفاق. سيترك عدم نجاح المفاوضات آثارا سلبية على المنطقة برمتها. العالم تغيير كثيرا: بعد الجائحة وبعد الحرب الروسية الاوكرانية، ودول المنطقة تشهد مشاريع تنمية كبيرة، وهذه المشاريع تتطلب تعاونا إقليميا بين دول المنطقة للحفاظ على هذه المكاسب. وعليه نجاح المفاوضات والوصول الى اتفاق سيدعم هذه المشاريع التنموية ويعززها ويوسع من دائرتها ما سيترك آثارا إيجابية على المنطقة بأكملها.
هنا ايضا نعتقد بأن القضايا الخلافية يمكنها ان تحل عبر الحوار، وعلى الجميع التفكير بوضع حلول للقضايا الخلافية وتفهم مواقف الأطراف الأخرى بهدف خلق بيئة مساعدة لتنمية وتطوير جميع دول المنطقة.
نحتاج في منطقتنا ايضا الى التفكير بلغة جديدة. العالم قد تغير، والتكنولوجيا الحديثة فرضت قيمها على المجتمعات وعلينا التكيف والتكامل مع المتغيرات. حين تحصل متغيرات في العالم، امامنا ثلاث خيارات: اما أن نقف بوجه هذه التيارات لنفيق بعد حين عاجزين ونصبح خارج حلقة التاريخ، او نستسلم لها ونضيع فيها، او نبحث عن المشتركات ونتكامل مع هذه التيارات ونمضي نحو مستقبل افضل، وهذا الخيار هو الذي ادعو اليه في التعامل مع مشاكلنا في المنطقة، لكي نكسب الحاضر والمستقبل.
هناك الملايين من الإيرانيين قدموا الى العراق خلال الزيارة الاربعينية. هل يعد ذلك تحديا للعراق والعراقيين؟
نشترك مع ايران بحدود جغرافية واسعة، ونشاركهم الكثير من العناصر التاريخية والدينية والاجتماعية. ايران بلد مهم في المنطقة، ونريد أن تكون لنا معها علاقات مستقرة ومتينة وفق المصالح المشتركة ومبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية.
العالم قد تغير وعلى الجميع إعادة تقييم علاقاتهم مع الآخر. هناك هويات متنوعة في المنطقة، ولكن منطق المصالح المشتركة لا تعرف الهويات بل يمكنها أن تخلق جسورا للتواصل والعلاقة القويمة بينها، وهذا ما ندعو اليه مع الجارة ايران وجميع دول الجوار الأخرى للعراق. علاقاتنا مع عمقنا العربي مهم لنا جدا أيضا، وقد بذلت جهودا كبيرة واستثنائية للانفتاح والتعاون والتكامل مع دول الخليج والأردن ومصر.
هل ما زال داعش يشكل خطرا على العراق؟
داعش تعيش على الخلافات السياسية في داخل البلد. حين تكبر الخلافات تجد داعش فرصة وموضع قدم لها لتوسيع ممارساتها الإرهابية. نقوم يوميا بعمليات ضد فلول داعش في الجبال والصحارى والسهول وعلى الخطوط الحدودية مع بعض دول الجوار. على قواتنا الأمنية أن تركز جميع جهودها على مكافحة داعش والإرهاب، ولكن الخلافات السياسية تخلق أجواء غير مستقرة أحيانا ما تجعل قواتنا الأمنية أن تخصص جزءا من اهتمامها وطاقاتها في مواجهة هذه التحديات. مع هذا، عمل القوات الأمنية في مواجهة خلايا داعش ممتاز جدا وهناك ضربات توجه لهم يوميا، وأنا شخصيا اتابع يوميا جهود القوات الأمنية وبشكل مستمر ويخصص ذلك الحجم الأكبر من وقتي كل يوم. كل ذلك كي نمنع الانزلاق الى أي نوع من التدهور الأمني في البلد. اعترف بأن هذه النجاحات لا تحوز وللاسف على تغطية كافية بسبب طغيان الخلافات السياسية على المشهد. وهنا أرى على نفسي أن أشكر أصدقاء العراق من الفرنسيين وحلف الناتو والتحالف الدولي وباقي أصدقاء العراق على الدعم والمساعدة الذي يقدمونه لنا في مواجهة الإرهاب.
هناك العديد من عوائل داعش في مخيم الهول. ماذا فعلتم بهذا الخصوص وكيف يجب التعامل مع هذا الموضوع؟
عملنا على إعادة العديد من العوائل العراقية غير المتورطة بالأعمال الإرهابية. العودة هذه يصاحبها إعادة تأهيلهم وعودتهم الى مناطقهم بأمان وسلامة. هذه تجربة تستحق الاقتداء بها من قبل دول أخرى التي لديها مواطنين في مخيم الهول. والعراق مستعد لنقل هذه التجربة لأصدقائه الغربيين وأن يضع هذه التجارب بين أيديهم للتعاون لحل معضلة هذا المخيم. نحتاج الى تعاون دولي للسيطرة الكاملة على مخيم الهول وحل موضوعه بشكل كامل. من الضروري الفصل بين الجانب الإنساني والجانب المرتبط بالإرهاب. بالتأكيد علينا الحذر كامل بخصوص المتورطين بالأعمال الإرهابية لأنهم يشكلون تهديدا وخطرا حقيقيا على الإنسانية والأمن الدولي ليس في المنطقة وحسب بل في اروبا والأجزاء الأخرى من العالم ايضا. ولكن نحتاج في نفس الوقت لوضع خطة لإعادة جميع الأطفال والنساء. بقاء الأطفال والنساء في المخيم يشكل تحدي كبير، ونحتاج الى علاج سريع لهذا الأمر. يجب أن لا نعطي مجالا للقيم الديمقراطية والحريات أن تتأثر وتتقيد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب أن لا يتم اختراق هذه القيم واستغلالها من قبل الجماعات الإرهابية تحت عناوين الحريات وحقوق الإنسان.
العراق منتج كبير للنفط، فكيف يمكنه أن يساعد أوروبا في ظروف تحديات سوق الطاقة؟
العراق بلد مهم في مجال انتاج الطاقة، وقد عملنا على تطوير البنى التحتية للطاقة لنتمكن من تأمين سوق الطاقة بانسيابية عالية. فقد وقّعنا على عقود مهمة مع شركة توتال لتوسيع جريان مد الطاقة، واستخراج الغاز المصاحب في حقولنا النفطية، واستحداث مشاريع الطاقة النظيفة والبديلة. وقد قمنا بتغيير عنوان وزارة الكهرباء الى وزارة الكهرباء والطاقة البديلة، مؤشرا على توجهات حكومتنا نحو الانطلاق تجاه الطاقة النظيفة الملائمة للبيئة. ولدينا عقود مهمة أخرى مع شركات نفطية كبرى لتطوير البنى التحتية في العراق، وسيبقى العراق مصدرا مهما لإنتاج الطاقة في العالم. وفي نفس الوقت نعمل بجد على تكييف انتاج الطاقة لدينا مع المعايير العصرية الملائمة للبيئة لحمايتها والحفاظ على سلامتها.
ما هو موقف العراق في أزمة الحرب الروسية الأوكرانية؟
يجب أن لا نسمح لهذه الحرب أن تشكل خطرا على مستقبل الإنسانية والقيم الديمقراطية والعالم الحرّ. هذه الأزمة ناتجة من انغلاق باب الحوار والتفاوض السليم والشعور بالخوف من طرف تجاه الآخر. أعتقد أن اروبا التي نجحت بحل قضايا ومشاكل إنسانية كبرى، وتقديم مساهمة عظيمة في الحضارة البشرية، بإمكانها وهي حقيقة قادرة على أن تضع حلولا ناصعة لهذه الأزمة بشكل متوازن بما يحفظ السلم والأمن الدوليين وفق المبادئ الديمقراطية العالمية.
هناك جهود لعقد مؤتمر لدول المنطقة في الأردن، ما علاقة ذلك بمؤتمر بغداد الذي أقمتموه العام الماضي بمشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؟
حين عقدنا مؤتمر بغداد وحضر فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدد من قادة المنطقة، اتفقنا أن يتحول المؤتمر الى نشاط مستمر بين دول المنطقة ويتوسع تدريجيا ليشمل دولا أخرى في المنطقة. وقد اتفقنا على أن ينعقد المؤتمر الثاني في عمان. ونعمل بالتعاون مع جميع شركائنا بقوة لتحويل هذه المؤتمرات المنتظمة الى مشروع استراتيجي لتطوير العلاقة بين غرب آسيا وشمال أفريقيا و اروبا لخلق منطقة تعاون إقليمي بين دول المنطقة الواقعة على حافة القارات الثلاث.
لقد نجحنا بجمع أطراف متناقضة في مؤتمر بغداد، ما أدى الى تحسين وتطوير العلاقات بينها، ونحن على ايمان كامل بأن المنطقة لديها فرصة كبرى للتجاوز من الأزمات طويلة الأمد وخلق بيئة تعاون وتكامل إقليمي بين دولها.
نؤمن بأن دول المنطقة لديها مشتركات كثيرة جدا وبإمكانها أن تضع من هذه المشتركات أسس ثابتة للحوار حول النقاط الخلافية وتتفاوض عليها للوصول الى اتفاقات كبرى تخدم مصالح دول المنطقة بشكل عام.
هناك انتقادات توجه اليك بأنك رئيس وزراء ضعيف، ما هو ردكم؟
تاريخ العراق مليء بتجارب العنف والصراعات والدماء واستخدام أساليب القمع والاستبداد. علينا تغيير هذا المسار وتحويل هذا المشهد ودفع جميع الأطراف نحو المفاهيم والقيم الجديدة للحضارة المدنية الحديثة عبر استخدام آليات الحوار والتفاهم. هذا لا يسمى ضعفا، بل استبدال منطق العنف بمنطق الحوار والتفاهم الجمعي. نعم بالتأكيد واجهت الكثير من التحديات والمشاكل خلال العامين الماضين لرئاستي للحكومة العراقية. وكنت أفتقد الدعم السياسي لأن لم يكن لدي حزب سياسي ولم يكن لي أي كتلة تدعمني في البرلمان.
ومع كل التحديات والظروف الصعبة التي تسلمت فيها الحكومة، وأبرزها الانهيار الاقتصادي في البلد حيث كان العراق لا يمتلك حتى مبالغ لدفع رواتب شهر واحد حين استلمت الحكم، وكانت هناك ظروفا صحية خاصة بسبب جائحة كورونا، وكان هناك انهيار لأسعار النفط، والعراق كان مسرحا لصراع بين ايران وامريكا على الأراضي العراقية، وكانت هناك أزمة سياسية، وحركة احتجاجية كبرى شلت مدننا بالكامل.. ومع كل هذه التحديات نجحنا بإدارة الأمور بشكل صحيح وخرجنا من تلك الأزمات وحققنا استقرارا في الوضع الاقتصادي والصحي والأمني.
يشهد العراق اليوم أكبر نمو في الاقتصاد في المنطقة بشهادة البنك الدولي، وقد حققنا استقرارا امنيا جيدا في البلد، وحققنا علاقات فاعلة وواسعة مع العالم أجمع بعد ما كان العراق كاد أن يتحول الى دولة معزولة ومارقة، وأقمنا انتخابات عادلة ونزيهة اتسمت بأعلى درجات المهنية منذ عام 2003 ولو فشلت الطبقة السياسية للأسف في استثمار الانتخابات وتقوية مسار بناء الدولة في العراق، وبدأنا بمشاريع عمرانية كبرى في مجال الطاقة التقليدية والطاقة البديلة وربط السلك الكهربائي مع دول الخليج والسعودية والأردن ومصر، وبناء المستشفيات والمدارس والطرق والجسور، ونجحنا بمحاربة الفساد من خلال لجنة خاصة شكلناها وتحققت تقدما كبيرا في هذا المجال، ونجحنا بإلقاء القبض على فرق الموت في البصرة وجنوب العراق التي كانت تقتل الناشطين المدنيين والمتظاهرين واعتقلنا قتلة الباحث في مكافحة الجماعات الإرهابية والميليشيات هشام الهاشمي واعتقلنا العديد من عناصر الميليشيات المتورطة بارتكاب جرائم في العراق، وقد أكملنا التحقيق بخصوصهم كما أكملنا التحقيق بخصوص المتهمين بالفساد في لجنة مكافحة الفساد وسلمناهم جميعا الى القضاء.
هذا كله حصل مع ضغوط ومعرقلات كبرى تخلقها مافيات الفساد والميليشيات المسلحة وجهات مختلفة أخرى لإضعاف الدولة واضعاف دور رئيس الوزراء على وجه التحديد. فلم تمتلك حكومتي منذ استلام السلطة لحد الآن وهو بحدود 28 شهرا موازنة سوى لمدة ستة أشهر فقط، حيث أعاقت الأطراف الحزبية حركة البلد ومشاريع إعمار البلد عن طريق الاستحواذ على البرلمان. وأواجه كل يوم تحديات وضغوط بمختلف الأشكال لمنعي من الانفتاح على العالم وتعزيز علاقات العراق مع العديد من دول اوروبا الغربية ومع دول الخليج والأردن ومصر، ولإيقاف جهود مكافحة الفساد. ولكني دأبت على أن أعمل بهدوء وصبر وفق استراتيجية وطنية اخدم بها بلدي العراق.
يواجه العراق اليوم تحديات كبرى، فهناك زيادة سكانية بمعدل مليون شخص كل عام وهناك اكثر من مليون طالب ينضم للتعليم كل عام، ولدينا اكثر من 300 الف من الخريجين يلتحقون بمئات آلاف أخرى من زملائهم الذين يبحثون عن فرص عمل لهم، وهذه التحديات كلها تتطلب وضع حلول وفق إدارة حكيمة وهادئة، وسط حقل الغام للطبقة السياسية التي تخلق كل يوم أزمة للحكومة. ومع كل هذا دأبنا وأصرينا على المضي بمنهج متوازن وحكيم وفق متطلبات العصر والحضارة المدنية لوضع حد للسياسات المتوترة التي أدت الى فقدان الآلاف من أرواح مواطنينا وأدت الى انتاج الإرهاب من القاعدة وداعش والميليشيات.
لدينا هذه الرؤية تمثلت بخطط استراتيجية منها خطة الإصلاح الاقتصادي المتمثل بالورقة البيضاء التي ساهمت في التقليل من الاعتماد على النفط في مدة وجيزة، والخطة الاستراتيجية الوطنية لتنمية الطفولة المبكّرة في العراق، وخطة التعاون الثلاثي مع الأردن ومصر، وبناء منظمة تعاون وتكامل إقليمي في مشرق جديد متصالح مع نفسه للتكامل لاحقا مع اروبا، وخطط مختلفة أخرى عملنا عليها في مجال الأمن والصحة والتعليم والثقافة، لنستعد الهوية المدنية للعراق بعد ما غيبت لفترة طويلة، وقد نجحنا بوضع خطوات مهمة في هذه المسارات، ونتمنى من الحكومة القامة أن تستمر بها وتحقق أهدافها بشكل كامل.
التقيتم مع الرئيس الفرنسي ماكرون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، ما هو تقييمكم عن علاقة العراق بفرنسا؟
تحدثنا مع الرئيس الفرنسي حول مجالات عدة للتعاون الاقتصادي والثقافي، وكذلك التعاون في بناء الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والعمل المشترك على إقامة مؤتمر بغداد 2. شراكتنا مع فرنسا استراتيجية، ونتطلع للمزيد من التعاون والتبادل الاقتصادي والتجاري ومساهمة أكبر لفرنسا في مشاريع إعادة الإعمار في العراق، مما يصب في مصلحة شعبنا. وكذلك فرنسا تعد دولة مهمة صديقة لنا ساعدتنا في مكافحة الإرهاب ومحاربة تنظيم داعش الإرهابي، ونتطلع للمزيد من الدعم في مجال التدريب وتعزيز قدرات قواتنا العسكرية. ساهمت الثقافة واللغة الفرنسية بشكل كبير في إثراء الثقافة الإنسانية العالمية في مجالات الفلسفة والرواية والاجتماع ومجالات علمية أخرى، وحكومتي تعمل بجد على إدخال اللغة الفرنسية ضمن مناهج التعليم في العراق، لإعطاء المزيد من الإثراء الثقافي لجيلنا القادم.