سمير داود حنوش
كم هي مفارقة عجيبة أو ربما هي مقصودة ومخطط لها أن تظل متلازمة فنون صناعة الأزمات إسلوباً للعمل تتسابق وتعمل عليه أغلب الحكومات التي تسيّدت المشهد العراقي تكون منهاجاً لإبتزاز الشعب وترويضه على أساس نظرية بين ازمة واخرى لنجعل الشعب يقع في براثن أزمة جديدة تُنسيه السابقات.
ويمكن تعريف فن الأزمة أنها النقطة التي تُغيّر مجرى الأحداث لجعلها تسير بإتجاهات مغايرة أو معاكسة أو التي تُستخدم كوسيلة للتغطية أو التمويه على المشكلات القائمة أو مايحدث من أزمات سياسية وإقتصادية تعصف بالعراق، فما أن إنتهت أزمة المنافذ الحدودية الوسطى والجنوبية وغلقها بوجه الواردات الغذائية والتسبب بإرتفاع أسعار الفواكه والخضروات في محافظات الوسط والجنوب حتى إستيقظ المواطن العراقي صباحاً في أزمة جديدة عنوانها شحة الوقود وطوابير السيارات أمام محطات الوقود في أزمات كانت قبلها أخرى وبالتأكيد لن تكون الأخيرة في بلد يعصف به التناحر السياسي والتنافس على المصالح والمنافع الشخصية والحزبية يجعل من المواطن البسيط وقوداً لهذه الحرب المُستعرة بين الأطراف المتشابكة.
فن صناعة الأزمة لم يكن جديداً على العراقيين فمنذ إستلام نظام البعث السلطة في العراق بدأت الظواهر الغريبة تنتشر في مجتمع إعتاد الهدوء والسكينة في حياته بتلك الأيام وذلك الزمن الجميل حقاً، لتتحول هذه الظواهر إلى ثقافة يتأقلم معها الشعب، فعصابة أبو طُبر التي أثارت الرعب في حياة البغداديين في سبعينيات القرن الماضي والتي كانت تتكون من عائلة مجرم سفاح وزوجته وأشقائه ووالدتهم تمارس القتل بإستخدام آلة الطُبر (الفأس) في قتل ضحاياهم، فأصبح من المألوف لدى البغداديين أن تستيقظ إمرأة خائفة أو رجل مسن أو طفل مرعوب ليجدوا (أبو طُبر) فوق رؤوسهم في ممارسة لأبشع طرق القتل إستفزت مشاعر الناس في ذلك الوقت وجعلتهم يسهرون ويتناوبون في حراسة دورهم خوفاً من إقتحام العصابة لمنازلهم وتقطيع رؤوسهم، ليأتي بعد ذلك بزمن قريب من يدّعي أنه مخطط مدروس أراده وخطط له من تسلّم السلطة آنذاك لتثبيت دعائم نفوذه وسلطته وفن من فنون صناعة الأزمة التي أرادها النظام آنذاك في حكم العراق لإلهاء الشعب عمّا كان يخطط له البعثيين لإرساء حكمهم الجديد.
توالت الأحداث وتنوعت فنون الأزمة حيث لايمكن العبور عبر التاريخ العراقي وفي سنوات متقاربة دون التوقف عن تلك الظاهرة الشعبية والرياضية التي إختلطت بالسياسة شغلت الشعب العراقي بأكمله كان بطلها ذلك المصارع عدنان القيسي الذي تغّنى به الناس كثيراً ولازالت علامة فارقة من علامات ذلك الزمن يتذكرها أغلب من عاش تلك الحقبة بدأت بالرياضة وإنتهت بالسياسة، كانت نزالات المصارعة لهذا المصارع تُعرض من على شاشة تلفزيون العراق بحركات تمثيلية وذلك الأسلوب الساحر الذي كان يجذب إليه المشاهدين وهم يشجعون بطلهم المصارع وهو يسحق منافسه، وتأخذهم بعيداً عمّا كان يُحيط بهم من مؤامرات كان يخطط لها في ذلك الوقت.
وفي كل الأحوال لايتسع المقال بذكر المزيد من الأزمات ماقبل هذه الأحداث ومابعدها لتأتي حرب العراق خاتمة لتلك الأزمات البدائية والساذجة وتبدأ مرحلة جديدة من فنون الأزمات وعلى إختلاف الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية صُنعت من أجل جعل المواطن العراقي منهمكاً في حياته ومعيشته اليومية وتوفير قوت غذائه اليومي وهو يقف في طوابير الإنتظار للحصول على حصته من رغيف الخبز أو علبة السكائر أو الألبان أو حتى معجون الطماطة، في الوقت الذي كان شبابه وقوداً لحرب طائشة ونزوات لم تُغن العراق بمنفعة ولافائدة أدخلت البلد في آتون حرب بالإنابة لإرضاء غرور من كان يسعى إليها.
مايحاول فعله بعض الساسة الجُدد الذين حكموا العراق بعد عام 2003 من إفتعال الأزمات وربطها بسلسلة متواصلة دون إنقطاع لتغيير إتجاهات بوصلة السياسة بمديات معاكسة لما يحدث ويدور في دهاليز الغرف المظلمة من مؤامرات أو إتفاقات أو مابين هذه وتلك، فأزمة الوقود التي أُستُجدت في العراق لن تكون الأخيرة في بلد يعيش ويحيى على الأزمات تصنعها أيادي خفيّة تُريد له البقاء في دوامة الدوران حول نفسه، لكن من يصنع فنون الأزمات ينسى أو يتناسى كيف كانت نهاية من سبقوه من صُنّاع فنون الأزمات وكيف إنتهى بهم الحال وأين رمى بهم التاريخ وليتهم يتذكرون هذه النصيحة عسى أن تنفعهم قبل فوات الأوان.